الحسين «عليه السلام» واعادة كتابة تأريخ الانسان في كربلاء
1-تموز-2025

علي الشرع
تأريخ الانسان المقصود به هنا هو تأريخ حقيقته الفطرية التي يفترض انها تنعكس في اخلاقه وسلوكه اليومي بحيث نشير الى ان ما فعل هذا ومن فعله هو انسان حقاً، وليس المقصود منه تاريخ إنجازاته المادية التي لا تعكس سوى مستوى تطوره المعرفي وليست قيمه الأخلاقية التي اندثرت وضاعت في زحام التنافس الا أخلاقي وهيمنة المصالح التي تولدت منها الشرور بحيث غطت الافاق وافسدت الأرض والحياة. وصرنا نبحث عنها في نفحات سلوكية تظهر بين الحين والأخر من أناس في اصقاع الأرض المختلفة، ونتعجب ان هناك من البشر لا زالوا يمتلكون الحس الانساني الذي نقرأ عنه في الروايات والمقالات التي تتحدث عن مكارم الاخلاق. ولا يمكن تقليد ومحاكاة هذه الاعمال الإنسانية لانها يجب ان تصدر من شخص يشعر بها في داخله، وتنبع من فكره، اما اذا قام بمحاكاتها بعد رؤية آخرين غيره فعلوها فإنما يفعل ذلك بدافع الاستفادة منها في جلب الأنظار نحوه والثناء عليه وطلب الوجاهة او لغايات سياسية لغرض الترشيح لمنصب وسواها من الأهداف المادية التي لا ترتبط بحقيقة الانسان.
ان حقيقة الانسان الاصيلة قد طمست وغطاها التراب، وتشوهت في مسيرة البشر الطويلة التي غصت بظلم الباحثين عن الرئاسة والعيش الرغيد بإزاحة الناس عن حقهم وحقوقهم، والخضوع والذل من أصحاب الحق والحقوق طلباً للعافية واستدرارا للقمة العيش، فتنازل الانسان عن معدنه الأصلي وسلوكه الفطري الاصيل طمعاً في تلك وخوفاً على هذه. واتت كربلاء حاملة الحسين عليه السلام واصحابه والنساء والأطفال على اكتافها لينفض غبار النفاق والتملق والخضوع الذي تراكم على طبيعة الانسان فشوهتها ليعيد بريقه اليه ويظهره على طبيعته الأولى يوم انزل فيها الى الأرض، ولا يقصون لنا في الواقع رواية جديدة. فلم يبق من تاريخ الانسان شيء، وكل محاولات الأنبياء كانت تستهدف إعادة الانسان الى خط سيره الاولي الفطري وكبح جماحه من اللهاث وراء الماديات متناسياً بل نازعاً من نفسه انسانيته التي صارت بينها وبينه مسافة بعيدة فقد هجرها من زمن طويل والا كيف يمكن ان يقتل الانسان أخيه الانسان ويستحوذ على رزقه فيموت جوعا حتى يتنعم هو ومن معه.
ولولا قيام الحسين عليه السلام واتباعه في كربلاء لما عرفنا وتعرفنا عل الانسان الا من خلال انجازاته المادية لنقيس عليه مدى اختلافه عن الحيوان، اما الانسان بما هو انسان فهو غائب عن الصورة لان الحياة يرسمها الأقوياء وأصحاب الاموال لا أصحاب الانسانية. وكل المعاني التي نسميها نحن بالنبيلة بسبب ندرتها (وفي الواقع ليست هي سوى جزءاً راسخاً في طبيعة الانسان وكل الناس) قد احياها الحسين عليه السلام وأعاد بها من جديد كتابة تاريخ الانسان الذي اندثر. فلولا الحسين عليه السلام وما برز في يوم عاشوراء لما بقي تاريخ للإنسان بل سيبقى فقط تاريخ إنجازاته المادية على الأرض. لقد اوقظ فينا يوم عاشوراء روح الانسان وحقيقته، الا ترى ان كل شخص منا تشتعل فيه مشاعر الإنسانية التي تغيب وتطمس في زحام الحياة، وتصعد روحه الى السماء عندما يسمع وفاء العباس عليه السلام وتفضيله الحسين عليه السلام على نفسه ونرك نفسه عطشانا، وبكاء الحسين عليه السلام عندما سقط العباس عليه السلام متأثراً بجراحه مقطوع اليمين واليسار فبكى عنده بكاء عالياً وقال الان انكسر ظهري، بينما في زماننا الأخ يقتل أخيه من اجل الورث وقطعة الأرض. وتجري دموعنا كثيرا ولا نستطيع حبسها مهما حاولنا حبسها عندما نسمع في المحاضرة او في قراءة مقتل الحسين عليه السلام كيف تعامل الحسين عليه السلام مع ولده علي الأكبر عندما طلب منه الماء ولم يستطع ان يوفره له وعندما نظر اليه مقطعا اربا اربا بسيوف بني امية، ومن جهته كيف ان عليا الأكبر قال له لا نبالي ان نموت اذا كنا على الحق فجزاه الحسين عليه السلام خيرا. بينما في هذا الزمان يرمي الاب اولاده في الشارع ويعنفهم ويقتلهم إرضاء لزوجته الجديدة. وغيرة الرجل على نسائه ذابت في اتون التحضر والحضارة ولا يتذكرها الرجل ولا تنهض في نفسه الا عندما يروي الراوي كيف ان الحسين عليه السلام رمى الماء من يده وظل عطشاناً ولم يأبه لحياته ولم يضعها في ميزان الحسابات المادية عندما سمع من العدو ان حرمه قد انتهكت بل رمى الماء وعينيه ظلت شاخصة نحو الخيم فقط. وعندما نسمع الحسين عليه السلام وهو غير مكترث بالجموع الهائلة التي تحاصره كأنها السيل وهو يقول لاصحابه انما القوم يطلبوني فانتم في حل من بيعتي، وليأخذ كل واحد منكم بيد احد من اهل بيتي ولينجو بنفسه، فقالوا له نفوسنا لنفسك الفداء لو قتلنا 70 قتلة ما تركناك وسندافع عنك ما بقي فينا عرق ينبض. بينما في زماننا هذا عندما تمر بالأمة النكبات ترى كل واحد يريد ان ينجو بنفسه. وتعجبنا عبارة الحسين عليه السلام التي نرددها دائماً وهي هيهات منا الذلة، ورفضه ان يستسلم للظالمين فقال لا اعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا اقر لكم اقرار العبيد ولم يفضل مصلحته على مصلحة الامة كما يفعل السياسيون بل أراد ان يعيد ويثبت تصرف الانسان الحقيقي الذي لا يريد ان يعيش وهمه مركزاً على الاكل والشرب والتناسل والتكاثر بل يعيش حياته ويطويها بإنسانيته. بينما السياسيون هذا الزمان يخضعون لمطامعهم ويذلون انفسهم حتى يعيش عمرا أطول في منصبه مستهلكاً "تنكر" ماء و"تريله" من الخبز.
لقد أعاد الحسين عليه السلام في كربلاء بوصلة الانسان باتجاه الاخرة بعد ان انحرفت عن الاتجاه الذي رسمه الله تعالى واودعه في فطرته فتوجه بالخطأ بكله نحو الدنيا ناسياً انه من أبناء الاخرة لا الدنيا. وكل من يعيش بمشاعره في أيام عاشوراء يرى انه استعاد وعياً كان غائباً عنه فيصبح انساناً اخراً غير الذي كان قبل هذه الأيام. فروحه تكون هي المستولية عليه خلال شهر محرم وصفر، انه يعزف عن اللذات وعن التفكير في المعاصي، بل يخرج منه كل تصرف يدل على انه انسان فعلا، فسمات الكرم وحب مساعدة الناس والعفو والتسامح وغيرها من مكارم الاخلاق والصفات الرائعة تراها رائجة خلال هذه الفترة. لقد صار معروفاً ان أيام محرم هي احياء للإنسان وإعادة ضبطه ليكون الانسان الحقيقي.
هكذا نقول: أنه لولا الحسين عليه السلام لظل الانسان بلا تاريخ، ففي يوم عاشوراء كتب عليه السلام هو وصحابته تاريخ الانسان الضائع من جديد لنهتدي به عندما تهجم الفتن والقسوة والتراخي عن دعم الحق والوقوف ضد الظلم والاثرة والانحراف.

السفارة الأميركية حول رواتب الحشد: على المؤسسات المالية معرفة عملائها وانتماءاتهم
3-تموز-2025
مساع وزارية لخفض التراكيز الملحية في البصرة
3-تموز-2025
7900 مرشح لانتخابات البرلمان
3-تموز-2025
نصب كاميرات مراقبة سرعة المركبات في بغداد
3-تموز-2025
ذا ناشيونال تتساءل: حياد محسوب أم مؤشّر على تبدّل موازين القوى؟
3-تموز-2025
شلل تشريعي في البرلمان.. الدورة النيابية الخامسة تلفظ أنفاسها الأخيرة
3-تموز-2025
ذا ناشيونال تتساءل: حياد محسوب أم مؤشر على تبدّل موازين القوى؟
3-تموز-2025
الإعلام الحكومي: اعتماد الدفع الالكتروني يستند لرؤية حكومية في تطوير التعاملات المالية
3-تموز-2025
ليبيا تعرب عن استعدادها لتعزيز التعاون مع العراق في قطاعي النفط والطاقة
3-تموز-2025
حين يصبح النفط طوق نجاة ومصدر تهديد هشاشة الموازنة العراقية تحت المجهر
3-تموز-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech