الخوف من الفردوس!
21-آب-2023
عامر بدر حسون

خفت على "ثوريتي" من الذوبان في الرفاهية التي وجدتها في المغرب عام 1978.
فكل ما يحلم به شاب في عمري كان متوفرا، وكانت متع الليل والنهار في متناول اليد بسهولة ويسر.
وإذ كنت انهل من مباهج الحياة بشراهة المحروم، فان شعورا دفينا بالذنب كان يداهمني في عز استمتاعي وينغّص علي كل بهجة ولُذاذة!
وكنا نلتقي كمجموعة من الشباب العراقيين في المقاهي نهارا وفي البارات ليلا وبين هذين الوقتين في غرفتي بشقة السيدة عائشة الحراق في قلب الرباط.
وفي كل هذا كنا نضحك ونبكي ونتناقش ونتلقى صفعات الاسئلة التي لا نملك لها جوابا واضحا:
لماذا حل بنا هذا؟ وما هو الحل؟ وكيف ومتى وهل سنرجع الى بلادنا؟
ولأننا كنا نجهل الاجوبة، فقد كان صوتنا يرتفع في النقاش ويقترب من الخصومة احيانا.
وكان نقاشنا السياسي عقيما لأنه لا يمتلك اية اجابة سوى تلك التي يقدمها الاعلى صوتا، او الاكثر فصاحة ولباقة في الحديث.. إذ لم يكن بيننا مسؤول حزبي ولا تنظيم حتى يتولى قيادة وتوجيه الامور.
وفي مثل هذه النقاشات الشبابية (التي تريد ان تبدو رجالية وناضجة) يدور سباق خفي على من هو "نجم" الجلسة؟
وكان "النجم" هو من يستطيع السيطرة على اسماع وقلوب الاخرين سواء بروح النكتة او باستخدام كلمات "وطنية كبيرة" او في ابتكار موضوعات للنقاش، وعندما تفشل تلك الاساليب، يحل الموضوع عن طريق ترديد اغنية عراقية نجد او نتخيل فيها مرارة الغربة ولذة العودة معا!
وكانت الدموع، رغم انها عيب في عالم الرجال، تأخذ طريقها احيانا لعيون الشباب بعد كاس نبيذ او حتى كاس شاي!
وعملت خطاطا في جريدة رجعية او يمينية وفق توصيف تلك الايام، واقنعت نفسي يومها، او كان ثمة من اقنعني، انني امارس عملا "تقنيا" فحسب وليس عملا سياسيا ولذلك فلا خوف على ثوريتي!
ويا ما حل لنا اللعب بالكلمات مشكلات كبيرة وساعدتنا في الاحتيال على انفسنا بتبديل التسمية. وكان هذا العمل لا يتطلب مني سوى ساعتين تبدأ وتنتهي قرب منتصف الليل، حيث اخط خلالها عناوين الصفحة الاولى.. وآخذ بعدها طريقي الى سكني المجاور للجريدة بفعل حظي الحلو!
وكنت عند كل انفراد بنفسي يداهمني احساس غامر بالذنب او حتى بـ"الاثم" جراء استمتاعي بتلك الحياة الحلوة.
ولربما اختلط الشعور بـ"الذنب" لأسباب "وطنية" بالشعور بـ"الاثم" لأسباب "دينية" فهذه المشاعر تكون مختلطة داخل الشخصية العراقية بشكل مبهم في الوعي او في اللاوعي.
وعند هذا الحد يأتي مبدأ "التكفير" عن الذنب او الاثم او الخطيئة!
والتكفير يقود خطى الشخصية العراقية بشكل لم يشهد له التاريخ مثيلا في وضوحه، وخصوصا في ايام عاشوراء.
ويمكن ملاحظة ان هذا التكفير لا يقتصر على المتدينين وانما هو يشمل غير المتدينين وحتى الملحدين!
وحكى لي احد السفاحين يوما انه كاد ان يصاب بالجنون لأنه عندما كان يطبّر لم تخرج منه نقطة دم واحدة، فاعتقد ان الامام الحسين كان غاضبا عليه ولا يريد له ان يكفر عن ذنوبه، فارتعب واخذ يضرب راسه بالحائط ويصرخ، الى ان اتى احدهم وشج راسه، ولم يهدا حتى رأى الدم يغطي وجهه وملابسه!
والتربية في مجتمعنا (وهي تربية خاطئة دون جدل) تقوم على مبدأ التكفير عند ارتكاب خطيئة لكنها تأخذ هذا التكفير بعيدا عن هدفه.
إذ وبدلا من تربيتنا على الاعتذار ممن اخطأنا بحقهم، تجعلنا نقوم بالاعتذار (التكفير) بعيدا عنهم، ونعتذر عن افعالنا للإمام او للنبي او للإله بدلا من الاعتذار لمن انزلنا الاذى بهم!
واعتقد ان هذا قريب من "الاعتراف" في الكنيسة امام القس، اذ يذهب المخطيء الى هناك ويعترف بخطيئته، فيطلب منه القس التكفير عن خطيئته بقراءة بعض الادعية بدلا من الاعتذار لمن ارتكب الخطأ بحقه، وينتهي الامر.
ولعلي لم اكن بعيدا عن هذا الجو عندما قررت ترك كل تلك المتع والذهاب الى اخطر مكان:
بيروت في ايام الحرب الاهلية الطاحنة!
ولعلي كتبت لصديق او صديقة "اعترافا" بسبب ذهابي الى المحرقة اللبنانية وهو خوفي على "ثوريتي" من ان تذوب في تلك المتع اللذيذة والمذهلة!
التربية تطلق مبادرة دعم مواهب الأيتام بالحساب الذهني
20-أيار-2024
الموارد المائية تطلق خطة لتنظيم إدارة المياه
20-أيار-2024
النزاهة تصدر أوامر قبض واستقدام بحق (12) موظفاً بدائرة صحة ديالى
20-أيار-2024
الحماية الإجتماعية: 250 ألف متجاوز على رواتب الحماية الاجتماعية
20-أيار-2024
السفيرة الألمانية: مستثمرون ألمان رفضوا دفع "أتاوات" في العراق
20-أيار-2024
رحيل الرئيس الإيراني.. الحكومة العراقية تعلن الحداد والبرلمان يؤكد "المنطقة ستفتقد خط الوسطية والاعتدال"
20-أيار-2024
بعد الفشل بانتخاب الرئيس.. ترجيحات ببقاء المندلاوي في المنصب حتى نهاية الدورة الحالية
20-أيار-2024
محافظ ذي قار مرتضى الابراهيمي يفتتح 3 مدارس حديثة في قضاء الغراف ويكشف عن عدد المدارس التي تحتاجها المحافظة لحل ازمة الدوام المزدوج
20-أيار-2024
أبو ذر الغفاري.. السهم الاشتراكي
20-أيار-2024
أتالانتا الإيطالي يتطلع إلى إنهاء 61 عاما من انتظار التتويج بالكأس الأوروبية
20-أيار-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech