بغداد - العالم
كتبت صحيفة التقدم، في عددها المرقم 17 والمؤرخ في 5 كانون الأول عام 1928، مقالًا افتاحيًا عن عمل العراقيين في الشركات الأجنبية، بالذات الشركات النفطية، حيث لم يتم تعيينهم فيها بعد أن تعهدت الشركات بتشغيلهم وتدريبهم، وهو شيء مشابه لما يحدث الآن. جاء في المقال:
عمت الشكوى وتعالت الأصوات بالتذمر من الأساليب التي تجري عليها الشركات الأجنبية إزاء العراقيين، وخاصة شركات النفط في هذه البلاد التي تعهدت في الامتيازات التي نالتها أن ترجحهم في الاستخدام على غيرهم، ووعدت بتدريبهم وتمرينهم على الأعمال الفنية ليتمكنوا من الحلول محل الأجانب حتى في الاعمال التي تتطلب خبرة واختصاصًا.
ولقد كان لسلوك بعض هذه الشركات في استخدام غير العراقيين أو إهمالها إمعان النظر في تدقيق جنسيات من تستخدمهم، صدى سخظ واستياء لا في الصحف فحسب، بل بالبرلمان العراقي الذي طلب إلى الوزارة أكثر من مرة أن تعالج هذه المسألة بالحزم والصلابة، فتحمل هاتيك الشركات إلى العمل بنصوص الاتفاقيات المبرمة واحترام حقوق العراقيين وقسطهم الكبير من أعمالها.
نحن لا نشك أن الوزارة الحاضرة قد عملت كثيرًا في صيانة الحقوق العراقية والسعي لدى الشركات التي تستثمر خيرات بلادنا وكنوزها في رفع الحيف اللاحق بالعراقيين، والغمط الذي أصاب مصالحهم وقد ثبتت الاحصاءات التي تنشرها شركة خانقين المحدودة والشركة التركية أن هناك تحسنًا وزيادة في عدد المستخدمين لديها من العراقيين، ولكننا لا نقنع أن تقف الحكومة عند هذا الحد، فلابد من بذل الجهود والمساعي لتحقيق آمال جميع أبناء البلاد وتفضيلهم على الغرباء والدخلاء في استثماء كنوز بلادهم، ولقد داخل الكثير من الريب والشبهة في أن الأرقام التي توردها الشركات في إذاعاتها الشهرية تبعث على الثقة والإطمئنان، فلا يبعد أن كثيرًا من الدخلاء والغرباء يتظاهرون بالجنسية العراقية بغية اكتساب الرزق وبلوغ الأرب، مع أنهم ينتسبون إلى جنسيات اخرى فتنخدع الشركات بأقوالهم وتحسبهم عراقيين أقحاحًا، وهذه مسألة لا ندري كيف تعالجها الشركات وكيف تتثبت من حقيقة موظفيها ما دام منصبًا المندوبين الرسميين شاغرين حتى الآن.
وقد يجوز أن تعتذر شركتا النفط الفارسية والتركية عن عدم استخدامهما العراقيين في الأمور المهمة بفقدان المدربين والملمين بالأعمال الفنية من أبناء العراق، وهو اعتذار وإن تراءت للعيان وجاهته، إلا أنه على كل حال مردود بأن هاتين الشركتين مجبرتان على تدريب العراقيين وتعليمهم، وذلك بإيفاد عدد منهم إلى الجامعات أو بفتح مدرسة تمرين في كل شركة تقبل إليها عدة من العراقيين يتعلمون فيها ما يسد الحاجة ويمكنهم في المستقبل القريب من الحلول محل الأجانب الذين استأثروا بأعمالها دون الوطنيين.
لا جرم أن الدافع الأول للعراق أن يفتح كنوزه في أوجه الشركة هو أن ينال نصيبه الوافر منها، وأن تفسح سبل العمل والرزق في أوجه عدد كبير من أبناء البلاد، فينقذهم من البؤس والشقاء، ولكن النتائج لم تأت مع الأسف طبق الآمال المعلقة والأحلام الذهبية، ومن زائد القول أن العراقيين لا يمكنهم أن يسكتوا أو يكفوا عن المطالبة بحقوق لهم صريحة تعرضت للهدء والامتهان ولقد آن لحكومتنا ألا تكتفي بما حصلت عليه لأبناء بلادها بل أن تسعى بحزم وإرادة قوية لإفهام هذه الشركات ضرورة العمل بنصوص الامتيازات والإذعان لمطالب العراقيين العادلة، وهذا ما يفرضه واجب الذمة والوفاء لبلاد تستثمر كنوزها الغنية وترتع بخيراتها الوفيرة في ظل وارف من الكرم والسخاء.