الفرح السوري ينقلب مأتماً في مسرحية "بتوقيت دمشق"
23-حزيران-2024

سامر محمد إسماعيل
يقدم المخرج السوري عروة العربي عرضاً مختلفاً في فكرته وتقنياته، عنوانه "بتوقيت دمشق"، وهو مشروع ارتجال جماعي، من بطولة 16 ممثلاً وممثلة من جيل الشباب. واختار مسرح سعد الله ونوس (المعهد العالي للفنون المسرحية)، مكانا للعرض الذي حمل عبر 140 دقيقة، مشهدية من حياة أسرة دمشقية ينقلب عرس ابنتهم الشابة سلمى إلى مأتم، وذلك بعد أن تتعرض الأم إلى جلطة دماغية أثناء مراسم زفاف ابنتها.
يبدأ عرض "بتوقيت دمشق" للمخرج عروة العربي، منذ لحظة وصول الأم إلى غرفة العناية المركزة في أحد المستشفيات العامة في العاصمة السورية، أمام باب غرفة الإنعاش وفي صالة الانتظار ستدور أحداث "بتوقيت دمشق" محيلاً إسقاطاته الذكية على حال بلاد دخلت في غيبوبة، وتكابد موتاً سريرياً بين الحياة والموت.
لا نبذل جهداً كبيراً في التقاط هذا الإسقاط منذ اللحظات الأولى وحتى المشهد الختامي من المسرحية، لكن، ومع المضي في أحداث هذه الدراما العائلية، نتعرف وفق أسلوب كتابة كورالية إلى شخصيات تنبئ عن صراعاتها وأزماتها الداخلية تبعاً لتدفق القصة وتشظي وقائعها، مهّد مخرج العرض لهذا بأناة واضحة، وعلى غير عادته لم يلجأ إلى حضور صوتي وبدني للممثل، بل جعل الحكاية تتفاعل بهدوء ومن تلقاء نفسها لتقديم نسخة سورية من رواية "الأخوة كارمازوف" لكاتبها فيودور ديستويفسكي (1821-1881).
وعلى رغم الاختلاف الجذري بين وقائع الرواية الروسية ووقائع العرض السوري، فإنه، وكما في كل دراما من هذا النوع، تقفز مقاربات إلى الذهن تجعل التشابه أمراً مطروقاً، لعل أبرز أوجه التشابه هو تناول "بتوقيت دمشق" لتفكك الروابط الأسرية وعلاقة الإنسان مع الغيبيات ومسألة الحريات الفردية، ومعضلة الزواج المدني في بلاد أنهكتها الحرب والأزمات المعيشية الخانقة. تمسي قرابة الدم نوعاً من استحضار ماضي الشخصيات وثاراتها القديمة المتجددة، وما دفعها لارتكاب أخطائها التراجيدية دفعة واحدة أمام بوابة غرفة العناية المركزة.
يحضر الأبناء أولاً بشقاقهم المزمن والقديم: نسيب (سيمون فرح) أحد أثرياء الحرب، وهو متزوج من امرأتين: هدى (مي حاطوم) السيدة المغلوب على أمرها التي تذعن لعبوديتها في مجتمع لا يرحم امرأة مطلقة، إلا أنها تلقى في النهاية المصير الذي تخشاه، أما الزوجة الثانية فهي سونيا (لجين دمج) راقصة في مرابع السهر لعوب وسليطة اللسان. سوف تلقى هذه مصيراً مشابهاً أيضاً لضرتها في طلاقها هي الأخرى من زوج مُحدث النعمة وغاضب على الدوام. الشقيق الأكبر عدنان (خالد شمالية) يحضر أيضاً بعصبيته ونزقه وصوته العالي وخيباته المتراكمة، فهو الخياط الأربعيني الذي أمضى زهرة عمره خلف ماكينة الخياطة، ولكنه أخيراً قام بالاتفاق مع أبيه المتصابي (غابرييل عمسو) على بيع بيت العائلة التراثي الواقع في حي سوق الجمعة المتاخم لمقام محي الدين بن عربي عند سفح جبل قاسيون. خطط الأب وابنه البكر لذلك ليهاجر الابن مع عائلته بحراً إلى ألمانيا، فيما قبض الأب حصته هو الآخر من ثمن البيت ليتزوج من فتاة صغيرة، ويعوض ما فاته هو الآخر وهو يحدق في أزرار زبائنه وبدلاتهم.
لكن حتى هذا الأمل بخلاص فردي من جحيم البلاد والعباد سوف تذروه الرياح ويتبدد مع انكشاف عملية النصب التي يتعرض لها الحفيد الأخرق عماد (أنس حمودي) من أحد مهربي البشر، فتضيع ثروة العائلة سدى، ويصاب الشقيق الأكبر بجلطة قلبية تودي بحياته وسط دهشة زوجته أم عماد (صبا زهر الدين)، وصدمتها بما فعله ابنها المراهق الفار من الجندية بآخر أمل للعائلة للخلاص من جحيم البلاد ولعناتها المتتالية.
تباعاً سوف نتعرف أيضاً إلى شخصية سيف (حسين مختار) الشقيق الأصغر وطالب التمثيل في المعهد المسرحي، الذي درس الفن عنوةً عن أبيه ويقف الآن إلى جانب شقيقته المحامية بيان (كندة خليل) في وجه العائلة التي أباحت قتلها وعزلتها بعد زواجها من طبيب من غير دينها يدعى حنّا (أحمد درويش). تتعقد الأحداث وتتصاعد بتشويق لافت مع اكتشاف الإخوة أن الطبيب المشرف على حالة والدتهم الواقعة في غيبوبة هو ذاته صهر العائلة وخصمهم الذي تزوج من شقيقتهم الوسطى من دون علم وموافقة منهم.
خفايا عدة تتكشف بعد ذلك، ووفق ذرى درامية ومواجهات لا تخبو حتى تعود وتتوهج مع كل مشهد ولوحة من العرض، إذ ترفض العروس الشابة عريسها الخمسيني المرابي أبو ياسين (أحمد الرفاعي)، فتفضح على الملأ كلاً من والدها وشقيقها الأكبر اللذين ضغطا عليها حتى تتزوج من رجل لا تحبه، في مقابل شراء هذا الأخير لبيت العائلة، والسماح لأفراد العائلة بالبقاء فيه ريثما يتدبر الشقيق الأكبر وزوجته وابنه أمرهم بالهجرة. لكن هذا لن يحدث، فالعروس الحاضرة بثوب عرسها الأبيض تعلم أن فستانها سيكون كفنها المرتقب، وأن حبها لن يكون إلا لضياء (عمران نصر) المتشرب لأشعار محي الدين بن عربي، وراقص المولوية الفائض بتعاليم سلطان العارفين ومواعظه الصوفية عن الحب وذوبان الأنا في الوجود الكلي.
على مقلب آخر تحضر شخصيات ليست أقل بريقاً من سابقاتها، إذ نتعرف إلى كبرى بنات العائلة الشامية، وهي هنا أم عمر (نيكول عبيد) المرأة التي تترقب أخباراً عن زوجها المفقود منذ أعوام، وقد ربت وحيدها عمر (عبدالله عفيف) على أمل عودة الأب، إذ نكتشف أن الزوج الغائب قضى في أحد المعتقلات الأمنية، تاركاً رسالة مكتوبة لزوجته وابنه المتوحد (أدى صوته الفنان كفاح الخوص). بينما نعثر في خريطة هذا الخراب على شخصية الخال فايز (معن المقداد) مدرّس اللغة العربية المُقعد، وذلك بعدما تعرض هو الآخر للشلل بعد إصابته بشظية قذيفة انفجرت على باب المدرسة التي كان يعلّم في صفوفها حب الأوطان وقصائد "ترجمان الأشواق" لابن عربي.
اللافت في سرد كل هذه الأحداث هو تعويل المخرج المستمر على تقطيع زمني محكم، وعبر إظلامات متكررة (يونس قطان) بين لوحة وأُخرى بدا توقيتها دقيقاً للغاية، فيما لعب الديكور (محمد كامل) دوراً رئيساً في هذه التراجيديا العائلية، إذ نجح فنان السينوغرافيا في رسم معالم مستشفى حكومي بمقاعده الجلدية الخربة وجدرانه المتسخة الشاحبة، فوظّف العلامات التصويرية من مثل: (ممنوع التدخين) و(مَخرج) و(حمامات) للإيحاء بالمكان الذي تجري فيه الأحداث، وبدّل بذكاء بين مكانين على التوالي هما: غرفة الانتظار في بهو المستشفى، وأمام غرفة العناية المركزة، ولا يمكن تجاهل دور الأزياء (ريم الماغوط) في إضفاء تلك الصبغة الواقعية على أحداث العرض، إذ عكست الملابس إشارات قوية لطبيعة الأدوار المؤداة ووظيفتها الاجتماعية ومستواها التعليمي.
كل هذه العناصر وظّفها مخرج العرض لتكون في خدمة أداء جماعي بنى فرضياته الصغرى للحكاية من الفرضية الأم لقصة العرض، وجعل من الارتجال مساحة حرة وفعّالة لتطوير وبناء الشخصيات ورسم معالمها النفسية والبدنية، ووفر لها حركة متناسقة وأفعالاً وردود أفعال مبررة لإبراز دوافعها الكامنة منها والمعلنة، ولكن ذلك لم يمنع من ارتباك واضح في وضع خاتمة مناسبة للعرض، وتعثر في لملمة خيوط حكاية العائلة الحزينة، إذ لجأ القائمون على "بتوقيت دمشق" في المشهد الختامي إلى شخصية الحفيد عمر القارئ النهم لروايات ميلان كونديرا والمصاب بطيف توحدي، ليخبرنا سرداً عما حدث لشخصيات العرض ومآل كل واحدة منها، في وقت كان من الأجدى البحث عن خاتمة درامية مغايرة، لعلها كانت تُختزل بتوقف صوت جهاز قياس نبضات القلب للوالدة الغارقة في غيبوبتها، أو انقطاع صوت رقّاص الساعة الذي تم توظيفه في العرض كلازمة بين الفصول القصيرة، ودلالة لانفلات الفرصة وضياع الشخصيات في تراشق الاتهامات المتبادلة، بينما والدتهم "ترقد محتضرة".

ضبط صالتي قمار واعتقال 15 متهماً في بغداد
27-حزيران-2024
الصحة العراقية.. 65 مليون مراجع في 2023 وسط أزمة تمويل حادة
27-حزيران-2024
النموذج الأمريكي ينذر العراق بأيام من نار
27-حزيران-2024
الداخلية تعلن إصدار نحو 39 مليون بطاقة وطنية و تقترب من انتهاء الجواز الإلكتروني
27-حزيران-2024
أكوام نفايات حي دجلة بين “بخل” بعض السكان واهمال البلدية!
27-حزيران-2024
"المقاومة العراقية" تتعهد لوزير الخارجية الايراني الجديد بالانخراط في الجبهة اللبنانية اذا دخلت حربا ضد إسرائيل
27-حزيران-2024
أطراف العاصمة بحاجة لمستشفيات.. السوداني يجمع شيوخ المعامل ومسؤولي بغداد ويوجه بمتابعة المشاريع الخدمية
27-حزيران-2024
محافظ بغداد يفتتح المركز الصحي الرئيسي في ناحية الزعفرانية
27-حزيران-2024
النزاع يحرم الأطفال في مخيمات النازحين شمال سوريا من التعليم
27-حزيران-2024
نقطة تؤهل فرنسا وهولندا وإنجلترا إلى ثمن نهائي "اليورو"
27-حزيران-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech