المواطنة الإيجابية والإسهام في الشأن العام
11-أيلول-2022
د. علاء إبراهيم محمود الحسيني
استخلف الله سبحانه وتعالى الإنسان في الأرض ليصلحها وقد حباه الله بالعديد من الإمكانات الذهنية والجسدية التي إن أحسن استعمالها ستنعكس إيجابا على المجتمع والأفراد قال تعالى "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" فمن المؤمل إن يخلف الإنسان خالقه بالخير والإحسان والبر والتقوى، وليس فقط التشريع السماوي أقر له بما تقدم بل قوانين الأرض كذلك بدرجات متفاوتة.
إذ تشير المادة (21) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى "لكلِّ شخص حقُّ المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إمَّا مباشرةً وإمَّا بواسطة ممثِّلين يُختارون بحرِّية. لكلِّ شخص، بالتساوي مع الآخرين، حقُّ تقلُّد الوظائف العامَّة في بلده. إرادةُ الشعب هي مناطُ سلطة الحكم، ويجب أن تتجلىَّ هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دوريًّا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السرِّي أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرِّية التصويت "وقد أشار الدستور العراقي النافذ لبعض تطبيقات المواطنة الإيجابية في المادة (20) التي انتهت إلى "للمواطنين رجالاً ونساءً حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح".
وما تقدم يلقي على المواطن والدولة التزامات محددة فالأول يفترض به المبادرة إلى المشاركة بالشأن العام بكل تجلياته لاسيما الجماعية أما الدولة فيقع واجباً عليها تضمين دستورها وقوانينها الأساسية ما يلزم من قواعد قانونية من شأنها إن تتيح الفرصة أمام الناس في العمل الجماعي لصالح المجتمع، بغض النظر عن طبيعة حكمها أهو ديمقراطي شمولي، ملكي أم جمهوري، وسواءً أكانت دولة موحدة بسيطة أم اتحادية.
ولا يمكن أيضاً تناسي دور المؤسسات العامة التابعة للدولة في تبني ودعم وإنجاح المشروعات والمبادرات التي تهتم بالشأن العام، ومن شأنها إن تحقق الأهداف العامة التي تقف في مقدمها تحقيق الرخاء والحياة الحرة الكريمة، وفي العراق بادرت الحكومة في العديد من المناسبات مبادرات كانت الأهداف والغايات من ورائها نبيلة وان شابها في بعض الأحيان انحرافات بسبب التطبيقات من قبل بعض الموظفين والمسؤولين غير الملتزمين من أمثال المبادرات الراعية للزراعة أو للتعليم أو إقراض الخريجين أو المبادرات الإسكانية للفقراء وغيرها كثير.
ولأهمية المبادرات العامة ربط البعض بينها وبين الحق في تقرير المصير، إذ ينبغي ترك الخيار للشعب لتقرير مصيره السياسي والتأسيس للمقومات اللازمة لذلك، ومنها الاستفتاء على الدستور والانتخابات الحرة النزيهة، وتبني الدستور للآليات القانونية التي تمكن الأفراد من الإسهام في الشأن العام ومن صور الإسهام في الشأن العام ما يأتي:
1- تولي الوظائف العامة: بعد وضع معايير موضوعية وشروطا تنظيمية من شأنها إن تضمن إشغال الوظائف على أساس الكفاءة والمؤهلات وتبعد شبح المحسوبية والمجاملات، ولا يتحقق ما تقدم إلا بصياغة إستراتيجية التوظيف في العراق بإعادة النظر بنصوص قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 المعدل، الذي تقادمت أحكامه وتوالت التعديلات المتتالية عليه حتى بات غير قادر على تلبية متطلبات تنظيم العلاقة بين الموظف العام والحكومة، كما ينبغي تمكين مجلس الخدمة العامة الاتحادي من ممارسة دوره المرسوم في الدستور بشأن تنظيم شؤون الوظيفة العامة.
2- الإسهام الإيجابي في الانتخابات: حيث يقع واجباً على المواطن السعي الجاد إلى إنجاح الاستحقاق الانتخابي سواء أكان يحمل صفة المرشح أم الناخب، بالتهيؤ للمشاركة أولاً والحد من السلبيات أو المخالفات التي ترافق مثل هذه المناسبات بكل الوسائل المشروعة الممكنة، وحين يتم انتخاب ممثلين في المجالس التمثيلية يفترض إن العلاقة لا تنقطع بينهم وبين قواعدهم الجماهيرية، ويقع واجباً على أفراد الدائرة الانتخابية مراقبة الأداء لممثلهم هذا ومحاسبته فيما بعد بطريقة سياسية تتمثل بعدم إعادة الانتخاب لمن فشل في حمل الأمانة وتمثيل الإرادة العامة.
أضف إلى طرق رقابة أخرى ممكنة ومتاحة في بعض النظم القانونية، وبما إن الدستور حدد مدة الدورة الانتخابية بأربع سنوات بموجب المادة (56) بالنص على أنه "تكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب أربع سنوات تقويمية تبدأ بأول جلسة له وتنتهي بالسنة الرابعة "فمن الواضح إن المؤسس الدستوري كفل حقاً أساسياً للمواطن ليكون له إن يحاسب الممثلين ويكون هؤلاء تحت ضغط احتمالية التغيير إن لم يحققوا إنجازات واضحة تضمن المصلحة العامة، ومنها إن يأخذوا على عاتقهم الاهتمام بالشأن العام لتكون عضويتهم بالمجلس إيجابية وهادفة إلى التغيير الحقيقي في الشأن العام.
3- المشاركة الواعية في الاستفتاءات: التي تحصل سواء منها الموضوعية أو الشخصية، فقد يستفتى الشعب على مشروع قانون أو دستور، وقد يؤخذ رأي المواطنين في قانون يراد تشريعه أو معاهدة يراد الانضمام إليها، وأحياناً يستفتى الشعب على شخص معين كرئيس للدولة أو للاستمرار من عدمه في إشغال منصب معين، وفي جميع الأحوال نجاح هذا الاستحقاق يتوقف على وعي الشعب ومشاركتهم الإيجابية الهادفة إلى حصول التغييرات الإيجابية التي من شأنها ان تنعكس على البلاد والعباد بشكل إصلاح للأوضاع العامة وترشيد للسياسات العامة وكذا حماية للحقوق والحريات، وقد تضمن الدستور العراقي بعض المفاهيم المتقدمة إذ ورد في المادة (126) أنه "لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين أو لخمس أعضاء مجلس النواب اقتراح تعديل الدستور...وموافقة الشعب بالاستفتاء العام" والمادة (119) والتي تنص على "يحق لكل محافظة أو أكثر تكوين إقليم بناءً على طلب بالاستفتاء عليه".
4- الإسهام الفاعل في الشأن المحلي: إذ تتضمن القوانين والدساتير بالعادة تنظيما محلياً يتولى مهمة إشباع الحاجات ذات الطابع الجغرافي المحدد ويتم إنشاء هيئات محلية يوكل إليها بسلطة إدارة مصالح معينة من شأنها إن تشبع الحاجات المتقدمة، وعندها يبرز الدور المنشود للمواطن في الإسهام الفاعل بالشأن العام من خلال حسن اختيار القادة المحليون والمشاركة بتلك الأعمال بكل ما هو متاح وممكن إذ أشار قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008، إلى إن مجلس المحافظة يتكون من عدد من المقاعد يجري انتخابهم دوريا كل أربع سنوات.
5- الإسهام في تأسيس الأحزاب الوطنية: التي تعد وبحق الأداة الأهم في التكوين الديمقراطي والتنشئة السياسية وترفع الوعي السياسي والثقافي للأفراد ومن شأن الأحزاب ان تلعب دوراً على جميع المستويات ومنها الخارجية وتؤثر في الشأن العام بما تكشفه عند معارضتها للحزب الحاكم إلى الرأي العام من بيانات ومعلومات من شأنها إن ترشد الأداء الحكومي، وقد كفل الدستور العراقي حرية تأسيس الأحزاب بالمادة (39) بالنص على أنه "حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية أو الانضمام إليه مكفولة" وبالفعل صدر قانون الأحزاب رقم (36) لسنة 2015 بيد انه لا يزال يحبو بسبب الانحرافات الحزبية الكبيرة التي عانى ويعاني منها العراق، واعتقد إن الانتقال إلى مرحلة العمل الحزبي الحقيقي تحتاج إلى مقومات لا تخرج عن دائرة المبادرات الإيجابية من قادة الأحزاب الحاليين بالتنازل عن قواعد إدارتهم التقليدية القائمة على التوارث أو التسلط والانتقال إلى العمل الديمقراطي داخل الحزب ليكون ذلك مدخل إلى تنمية السلوك الديمقراطي في العراق ويكون مقدمة للإصلاح الحقيقي.
6- الإسهام في تأسيس النقابات المهنية: فالعمل النقابي يعد أحد أهم مقومات المجتمع المدني التي أشار لها دستور العراق النافذ بالمادة (22) "تكفل الدولة حق تأسيس النقابات والاتحادات المهنية" والعراق يزخر بالنقابات التي تأسست بموجب قوانين عدة سابقة إلا أنها لا تزال مقيدة بقيود العمل ضمن إطار مؤسسات الدولة وليست حرة في اتخاذ قراراتها أو رسم سياساتها بل إن العديد منها يعاني من التدخلات في اختيار القيادات والهيمنة على المقدرات ولذا لتكون النقابات فاعلة في الشأن العام ينبغي إلغاء جميع القوانين التي تأسست بموجبها وسن قانون تنظيمي واحد يعطي الحق لذوي المهنة أو الحرفة أو العمل بتأسيس النقابة وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة لانتخاب قياداتها التنظيمية لترسم مساراً خاصاً بها بعيدا عن تدخلات الحكومة أو البرلمان في عملها.
7- فتح قنوات مناسبة للحوار مع ممثلي الشعب في المجالس البرلمانية والتمثيلية والبلدية، بما من شأنه إن يوصل صوت الشعب إلى ممثليهم بشكل مباشر وفعال، وما تطلب بحاجة إلى تنظيم حيث يفترض بالمواطنين إن يحرصوا على الانخراط في تلك الحوارات والمناقشات فعلى سبيل المثال نص قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم العراقي رقم (21) لسنة 2008 على أنه "ما يتطلب من الفئات الشعبية جميعا إيصال المطالبات الحقة والموضوعية إلى الجهات المختصة لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة، كما إن ما تقدم ولا شك يعد تفعيلاً لحرية الرأي والتعبير التي كفلها المشرع الدستوري بيد أنها تحتاج إلى ضمانات وأتصور إن أنجع تلك الضمانات هي الشعبية التي تتمثل في الدفاع الجماعي عن المكتسبات وممارسة التطبيقات المختلفة بآليات واعية وأوقات مناسبة علة إن تكون هادفة إلى إصلاح الشأن العام.
8- ممارسة حرية التعبير عن الرأي وحرية التجمع: التي كفلها الدستور في المادة (38) ومن أهم تطبيقاتها النشر والإعلام والإعلان والتظاهر السلمي وغيرها كثير، إذ يمكن إن تمثل أداة تغيير حقيقي بالدور الإيجابي للمواطن في مواجهة الممارسات العامة السلبية، كما تمثل الصحافة الحرة أهم الأدوات القادرة على متابعة الشأن العام والتأثير فيه إيجابياً بالسعي إلى تشكيل الرأي العام المناهض للواقع السلبي أياً كانت تجلياته.
9- المعارضة الإيجابية في المؤسسة التشريعية التي من شأنها إن تراقب وتحاسب المسؤولين لاسيما التنفيذيين، والإقلاع عن الحكومات التوافقية التي تسببت بخراب البلد وتفشي الفساد الإداري والمالي وفشلت في تقديم نموذج حقيقي للحكم الراشد.
10- النوادي الثقافية والرياضية: التي تمثل نواة التغيير الثقافي الهادف إلى التحول نحو لغة الحوار.
11- مراكز البحث والتطوير على مختلف الأصعدة: والتي تمثل مراكز بحوث ورسم سياسات وتنبؤ بمسار الإحداث ومن شأنها إن تزود المسؤول بالاستراتيجيات اللازمة في التعامل مع الواقع الوطني والدولي.
الاقتصاد النيابية تبحث المواصفة العراقية لاستيراد المركبات مع جهاز التقييس
3-نيسان-2024
وزير العدل خالد شواني لـ"العالم": نعمل على "أتمتة" عمل التسجيل العقاري وكتّاب العدول
25-آذار-2024
الحسناوي لـ"العالم": حصة المواطن من الموازنة العامة سنويا 4 آلاف دينار
23-آذار-2024
وزير الداخلية لـ"العالم":نخطط لاستبدال المنتسبين الرجال في المطار بكادر نسوي
12-آذار-2024
حادث سير يودي بحياة "مشرفين تربويين" على طريق تكريت - موصل
12-شباط-2024
العراق يتأثر بحالة ممطرة جديدة تستمر لأيام تتبعها ثالثة "وربما رابعة"
12-شباط-2024
هزة أرضية تضرب الحدود العراقية التركية وسكان يستشعرون قوتها في دهوك والموصل
12-شباط-2024
العراق يدعو إلى تدخل دولي لمنع خطط التهجير الجماعي لسكان جنوب غزة
12-شباط-2024
بمشاركة السوداني وبارزاني إنطلاق قمة عالمية بدبي للحكومات
12-شباط-2024
الأمن والدفاع: العراق لا يستطيع حماية أجوائه من المسيرات
12-شباط-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech