اواصل في هذه الحلقة استلهام دروس الهوية من خلال المقارنة بين الهوية البريطانية والهوية العراقية.
3. المؤسسات الراسخة كحامية للهوية الوطنية
البرلمان، القضاء، الإعلام العام (BBC)، المؤسسات التعليمية… كلها تلعب دورًا في ترسيخ “Britishness”. هذه المؤسسات تعمل كـ”ناقلات للهوية”، وتُعلّم الأجيال قيمًا محددة مرتبطة بالانتماء الوطني.
لا يمكن للهوية الوطنية أن تنمو من دون مؤسسات مستقلة وفاعلة تقوم بوظيفة تربوية وثقافية مستمرة. المطلوب تحييد المؤسسات السيادية والتربوية عن المحاصصة، وإعادة بنائها على أساس وطني.
4. ربط الهوية الوطنية بالقيم الديمقراطية والمدنية
الهوية البريطانية ترتبط بمفاهيم مثل حرية التعبير، حكم القانون، التسامح، لا فقط بالتاريخ أو اللغة. وهذا ما جعلها قابلة للتمدّد لاستيعاب مهاجرين ومسلمين وآسيويين ضمن “الهوية البريطانية الحديثة”. يجب ألا تُربط الهوية العراقية فقط بالتاريخ القديم أو المكوّنات، بل بـ قيم حضارية مشتركة مثل العدالة، الكرامة، المشاركة، والإنتاجية. وهذا ما يمكن أن توفره فكرة الدولة الحضارية الحديثة.
5. الهوية ليست جامدة، بل تُعاد إنتاجها في كل جيل
بريطانيا تتعامل مع الهوية كـ”نص مفتوح”، قابل للنقد والتطوير وإعادة التعريف. يتم تكييف الهوية مع التحولات العالمية (حقوق الإنسان، البيئة، المساواة الجندرية…) دون فقدان الجوهر الوطني. ينبغي تجاوز الفهم السلفي للهوية، الذي يربطها بالماضي فقط. المطلوب هو فهم حضاري حيّ للهوية، يدمج بين التاريخ والرؤية المستقبلية، ويتيح للأجيال الشابة أن تصوغ “عراقيتها” بمعايير جديدة. والخلاصة: الهوية الوطنية المستقرة لا تُصنع من خطب سياسية أو نصوص دستورية فقط، بل من رؤية حضارية شاملة تستثمر الرموز، وتبني المؤسسات، وتُغذّي الانتماء المشترك عبر القيم لا القسر. التجربة البريطانية تبيّن أن الهوية يمكن أن تكون مركّبة، غير منغلقة، لكنها تحتاج دائمًا إلى إطار مرجعي حاكم وقواعد لعبة متفق عليها.
بناء على هذه الدروس يمكن اقتراح العناصر التالية للهوية العراقية:
1. المواطَنة المتساوية: أن يكون الانتماء للعراق مبنيًا على الحق القانوني والسياسي والإنساني، لا على الطائفة أو القومية.
المواطن هو وحدة البناء، بصرف النظر عن خلفيته الدينية أو الإثنية.
“العراقي أولًا، قبل أن يكون شيعيًا أو كرديًا أو سنيًا.”
2. اللغة العربية (مع الاعتراف بالكردية والسريانية والتركمانية كلغات وطنية): اللغة ليست فقط وسيلة تواصل، بل وعاء ثقافي جامع.
تعزيز مكانة العربية باعتبارها لغة الدولة الرسمية، دون المساس بحقوق المكونات اللغوية الأخرى، يساهم في تقوية اللحمة الوطنية.
3. الرموز الوطنية الجامعة: علم، نشيد، عملة، ومناسبات وطنية يُتفق عليها شعبيًا لا حزبيًا. إعادة تعريف الرموز العراقية بما يُعبّر عن كل العراقيين، لا عن نظام أو طائفة.
4. التاريخ المشترك مع نقد الاستبداد: سردية وطنية جديدة تعترف بتاريخ العراق المتنوع، وتفصل بين الانتماء الحضاري وبين فترات القمع أو الإقصاء.
تبنّي رموز حضارية جامعة مثل: حمورابي، الوركاء، المتنبي، الإمام علي، أبو تمام، الزها حديد… لا تثير الانقسام بل الفخر الجمعي.
5. القيم الحضارية المشتركة: العدل، الكرامة، الحرية، الإنتاج، التعايش، احترام القانون. هذه القيم تشكل النواة الصلبة للهوية العراقية الجديدة، وتنسجم مع فكرة الدولة الحضارية الحديثة.
6. العيش المشترك والتنوع الإيجابي
تحويل التعدد الديني والقومي إلى ثراء حضاري لا تهديد سياسي.
ثقافة “نحن المختلفون المتشاركون”، لا “نحن في مقابلهم”.
7. المصلحة الوطنية كأولوية
تغليب مصلحة العراق على أي ولاء خارجي أو فئوي.
ربط الهوية الوطنية بمفهوم السيادة والتنمية: من هو العراقي؟ من يريد خير العراق قبل كل شيء.
يتبع