عزام صالح
ليس للسينما العراقية طعم ولا لون ولا رائحة، فهي لم تؤثر بالمحيط الاقليمي ولا بالوطن العربي ولا على مستوى العالم ولا على مستوى الوطن. وهذا يرجع الى المسيرة غير المدروسة التي سارت عليها، ما جعلها غير مميزة، ولا تحوي الاسلوبية، وليس لها شكل او خصوصية مميزة على المستوى الشكلي، ولا على المستوى الفكري؛ إذ لا تزال حتى لحظة كتابة هذا المقال مفككة ومتناثرة، او تكاد تكون لا وجود لها الا إعلام لا نعرف مصداقيته، يرفع بهذا بايدي بعض الصحفيين الذين لا يمتلكون الامكانية في الكتابة عن السينما، انما يمتهنون ذلك من اجل الكسب المادي وحضور المهرجانات، علما ان الافلام القصيرة التي تشارك في المهرجانات العربية والدولية لها من يروجها لقاء بضعة دولارات، او أن يكون ثمن ترويجها أو قبولها في المهرجانات أو الحصول على الدعم المادي: الاساءة للبلد.
اذا رجعنا تاريخيا، نجد أن بداية السينما العراقية لم تكن عراقية بحتة، إذ كان المخرج والفني أجنبيين، ورأس المال عراقيا (يهوديا)، والممثلون عراقيين، حتى استقرت (محاولات) للسينما بايدي العراقيين، لكنها كانت بمشاركة العرب من الممثلين وحتى الاخراج بل وحتى شكل الافلام.
عندما أنشئ استوديو بغداد تفاءل الذين يعملون بالسينما، لكن كانت هناك خيبة امل بعد ان انتجت ثلاثة افلام، وانتهى بحجة التمويل.
استمرت المحاولات، وكانت هناك نجاحات شكلية ومادية في افلام مثل: "سعيد افندي" و"من المسؤول؟" واخرى استعراضية كفيلم "ارحموني" و"نعيمه" و"خنيجر" وغيرها من الافلام التي حفزت بعض المستثمرين ومحبي السينما على الخوض في السينما من أجل جني الارباح، لكن كل هذه المحاولات كانت انفرادية، ومجردة من سمة التميز او الخصوصية، فسارت على نفس النهج، حتى جاءت مصلحة السينما والمسرح في الستينيات، وأخذت تتعاطى مع موضوعات شعبية امثال فيلم "الجابي" لعرّاب السينما جعفر علي ـ رحمه الله ـ، وهنا بدأت السينما بالتقدم في استلهام الرواية والقصة كما في فيلم "الظامئون" وفيلم "الحارس" وفيلم "المنعطف" في محاولة لتقليد الواقعية المصرية وبقيادة المخرج صلاح ابو سيف.
وبعد أن حولت مصلحة السينما والمسرح الى دائرة، وتدخل الإعلام والأيديولوجية الحكومية حدث تغيير فكري إعلامي دون تغيير شيء بأسلوبية او شكل ما او رفد شباب للاشتغال في هذا المجال وإسنادهم.
ظلت الأفلام مؤدلجة غير معنية بالترفيه ومواضيعه كالحب او الرومانسية او قصص واقعية او رواية.. كما ان من يترأس هذه الدائرة من الشعراء كانوا يستغلون منصبهم لكتابة أفلام عن رواياتهم مثل "الايام الطويلة" وفيلم "اللعبة".
وكانت هناك موجة من الافلام الحربية، غطت على اغلب الانتاج اثناء الحرب العراقية الايرانية، امثال فيلم "الحدود الملتهبة" و"المنفذون" و"القادسية" وغيرها من الافلام الروائية والتسجيلية، ولم تكن هناك اي افلام للقطاع الخاص، وليس هناك سوى شُريْكات استيراد للافلام. انتهت الحرب وكانت هناك صولة للتجديد وللترفيه ولبداية جيدة من الافلام التي خاضها بعض من الجيل الجديد، منها فيلم "ستة على ستة" و"عريس ولكن" و"المدير" و"عمارة (١٣)"، وغيرها من الافلام التي جذبت المشاهد العراقي، وكانت بداية مميزة، لكنها لم تستمر، حيث رجعت السينما والمسرح للعمل على افلام تاريخية مؤدلجة امثال "الملك غازي" و"المسألة الكبرى"، ثم بدات افلام مثل "حفر الباطن" و"العد التنازلي" ولم تكن بمستوى سينمائي ناضج، لكن كانت هناك فسحة لافلام السكرين التي استقطبت الجمهور السينمائي، من خلال اشراك الغجر والراقصات ولبس المايوه والانتاج غير المكلف، والتي سرعان ما حوربت ووئدت في فترة قصيرة وانتهت.
بعد الحرب، خاض بعض الشباب محاولات بدعم من جهات داخلية وخارجية، فلم تؤسس تلك المحاولات لشيء يستحق الذكر، انما استمرت هذه المحاولات دون تأشير جودة او خصوصية او فوز عربي او عالمي، لكن كانت هذه بداية للتأثير بالشباب الذين كان لديهم طموح في صنع افلام، حاملين طموحا كبيرا برغم عدم اكتمال التجربة والثقافة، بينما حاولوا بجهودهم الشخصية صنع افلام قصيرة ومشاركتها في مهرجانات عربية ودولية، ولم تحقق شيئا حتى جاءت عاصمة الثقافة التي فشلت فشلا ذريعا بسبب الفساد وعدم دراسة المشروع والمحاصصة والادلجة.
هذا هو حال السينما العراقية: محاولات بدون دراسة، ومؤسسات غير منتجة، وليس هناك دعم او قانون حكومي يحمي السينما كمشروع تنموي في بناء المجتمع. وهناك دعم بسيط غير ممنهج وبدون تخطيط تسيطر عليه بعض المؤسسات الفنية. علما ان الدعم يجب ان يوجه الى القطاع الخاص او قطاع مشترك. ومحاولة خلق تنافس في القطاع الخاص وجذب الاستثمار ووضعه في المكان المناسب، مع دعم وتغيير ادارات المؤسسات غير المنتجة، بشكل يمهد لصنع سوق محلية وبانتاجيات واطئة الكلفة، لكي نتمكن محليا ونلم بالصناعة، ثم ننطلق نحو العالمية.