بغداد _ العالم
أثار بيان المرجعية الدينية العليا الممثلة بالسيد علي السيستاني، تكهنات سياسية مختلفة منها "إعادة العراق إلى مربع عام 2004 والثورة الدستورية التي دعمها"، و"فشل التجربة السياسية في العراق"، وتحذيره لحكومة السوداني، و"عدم قدرتها على إدارة البلاد وانتشار السلاح وفوضى إدارة الدولة"، فضلاً عن التنبيه إلى إمكانية ذهاب المنطقة إلى "أزمة كبيرة".
وأشاد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، امس الثلاثاء، لدى استقباله الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة محمد الحسان، بأهمية ما طرحه المرجع الاعلى للشيعة في العراق اية الله السيستاني خلال استقباله الحسان، من تشخيص لاحتياجات البلاد.
من جهته، يقول المحلل السياسي، عباس غدير، إنه "من المعلوم تأثير سماحة السيد السيستاني على الوضع العراقي والإقليمي بشكل عام، وكل اللقاءات التي يحظى بها الجميع مع السيستاني تأخذ بعاتقها على الوضع السياسي والاجتماعي العراقي، ولقاء السيستاني اليوم مع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة أطلق مجموعة من الرسائل والتوصيات إلى الداخل العراقي وخارجه".
ويبين غدير، "حيث طلب السيستاني من النخب المتصدية الاستفادة من التجارب الماضية واستثمارها وإيجاد الحلول في بناء الدولة وحصر السلاح، كما تحدث عن ما يجري في المنطقة والعدوان الصهيوني على الشعبين الفلسطيني واللبناني".
ويشير إلى أن "ما صدر في هذا البيان أثر على الوضع السياسي، وبالتالي عبر الإطار التنسيقي في بيانه عن التزامه بتوجيهات السيستاني وبكل ما صدر منه، وسيتم أخذها على محمل الجد لتنفيذها".
فيما يرى المحلل السياسي، أحمد الياسري، أن "بيان المرجعية المرتبط بالوافد الجديد للأمم المتحدة بعد بلاسخارت، هو تأكيد البعثة الأممية لدور السيستاني بأن هناك مركزية روحية مهمة تتأثر بها مفاصل الحياة في العراق، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي، التي هي قيادة السيد السيستاني".
ويضيف الياسري، "كما أن بيان السيد السيستاني هو يعزز فكرة المركزية الروحية، لأن أحداث الشرق الأوسط والمواقف الإنسانية التي أطلقتها المرجعية المنطلقة من مركزيتها الروحية قد جرت محاولة استثمارها خاصة من قبل الفصائل لربطها بفتوى المرجعية عام 2014، أي عسكرة المسار الروحي للمرجعية".
ويوضح، أن "الفصائل العراقية قامت باستغلال خطب المرجعية العامة ومركزيتها الروحية ومحاولة عسكرة خطابها واستثماره في نشاطها ومشاريعها الأمنية والسياسية، لذلك المرجعية في بيانها رفعت الغطاء عن كل من يحمل السلاح ويحاول أن يجد عنواناً لهذا الحمل خارج نطاق الدولة".
ويشير إلى أن "المرجعية في بيانها فصلت خطابها القيمي والروحي عن الاستثمارات السياسية برسم تصور عام عن الحلول في العراق، والتي تنعكس بأن تدعم القيادة الروحية المتمثلة بالمرجعية مركزية الدولة، فهو خطاب مركزي ويمكن تسميته بيان المرجعية المركزي الذي يدعم مركزية الدولة العراقية، ومركزية المرجعية الروحية، وأيضاً مركزية الدعم الأممي".
ويبين، "لأن بيان السيد السيستاني أشار إلى فشل المظلة الدولية باحتواء الموقف الإنساني، وأن البيانات التي تطرحها المرجعية في إطار المساعدة الإنسانية أو فسح المجال لدعم النازحين هو مسار إنساني ليس له علاقة بالسياسة، كما رفض السيستاني التدخلات الخارجية في إطارها العام، أو أن يتحول مسار الأمن القومي العراقي إلى مسار مرتبط بأمن قومي لدول أخرى".
"وهو رد ضمني على بعض التقارير بأن المرجعية الدينية ضمن قائمة الأهداف، وممثل الأمم المتحدة أكد هذا المعنى في خطابه بعد الخروج من الاجتماع عندما قال (نستنكر أي عملية ورود أو إيراد اسم المرجعية في الصراعات السياسية أو الأمنية الحاصلة في المنطقة) في إشارة للتأكيد على أن حضور السيستاني في العراق ليس سياسياً"، يقول الياسري.
ويؤكد، أن "السيستاني لم يستقبل أي سياسي عراقي منذ عام 2015، ولا يزال مصراً على موقفه هذا، لذلك السيستاني اليوم عاد بالعراق إلى مربع 2004 والثورة الدستورية التي دعمها، وهو أكد فشل التجربة السياسية في العراق ولم يشر إلى فشل الديمقراطية، وإنما الفاعلين السياسيين لم يكونوا بمستوى المسؤولية، وهذا ما أشارت إليه المرجعية في مناسبات سابقة أيضاً، لكن اليوم كان تأكيد لهذا المعنى".
وكان المرجع الأعلى للشيعة في العراق السيد علي السيستاني، حدد سبعة عوامل لـ"استقرار البلاد"، مؤكدا أن أمام العراقيين "مسار طويل" لتحقيق ذلك.
جاء ذلك وفق بيان صدر عن مكتبه في النجف، عقب استقباله، يوم الاثنين، محمد الحسان ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثتها في العراق (يونامي) والوفد المرافق معه.
وأوضح البيان، أن الحسان قدّم للسيستاني شرحاً موجزاً حول مهام البعثة الدولية والدور الذي تروم القيام به في الفترة القادمة.
وفي المقابل رحّب المرجع السيستاني، بحضور الأمم المتحدة في العراق وتمنى لبعثتها التوفيق في القيام بمهامها.
وأشار السيستاني إلى التحديات الكبيرة التي يواجهها العراق في الوقت الحاضر وما يعانيه شعبه على أكثر من صعيد.
وقال المرجع إنه "ينبغي للعراقيين - ولا سيما النخب الواعية - أن يأخذوا العِبر من التجارب التي مرّوا بها ويبذلوا قصارى جهدهم في تجاوز اخفاقاتها ويعملوا بجدّ في سبيل تحقيق مستقبل أفضل لبلدهم ينعم فيه الجميع بالأمن والاستقرار والرقي والازدهار"، مؤكداً على أن "ذلك لا يتسنى من دون إعداد خطط علمية وعملية لإدارة البلد اعتماداً على مبدأ الكفاءة والنزاهة في تسنّم مواقع المسؤولية، ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد على جميع المستويات".
وأضاف: "لكن يبدو أن أمام العراقيين مسار طويل الى أن يصلوا الى تحقيق ذلك، أعانهم الله عليه".
وفيما يخص الأوضاع الملتهبة في المنطقة عبّر المرجع عن "عميق تألّمه للمأساة المستمرة في لبنان وغزّة وبالغ أسفه على عجز المجتمع الدولي ومؤسساته عن فرض حلول ناجعة لإيقافها أو في الحدّ الأدنى تحييد المدنيين من مآسي العدوانية الشرسة التي يمارسها الكيان الإسرائيلي".