صناعة الدكتاتور
1-تموز-2025

محمد عبد الجبار الشبوط
في مسيرة التاريخ السياسي للبشرية، تكررت ظاهرة خطيرة ذات طابع نفسي واجتماعي وسياسي عميق، هي ظاهرة تأليه الحاكم وصناعة الدكتاتور، حيث يتحول الإنسان ـ عبر مراحل متدرجة ـ من مجرد قائد سياسي إلى كائن فوق بشري، يُحيط به هالة من القداسة والعصمة، ويُقدَّم للجماهير كرمز خالد لا يُساءَل ولا يُنتقد.
جذور الظاهرة: من الميثولوجيا إلى السلطة: تعود جذور تأليه الحاكم إلى حضارات قديمة مثل السومريين والفراعنة والصينيين والرومان. ففي هذه المجتمعات، كان الحاكم يُقدَّم كـ”ابن الإله” أو تجسيدًا للإرادة الإلهية على الأرض. وقد قال فرعون، متحديًا نداء التوحيد: “أنا ربكم الأعلى”، وهو نموذج تاريخي مبكر للدكتاتور المؤلَّه.
وفي روما القديمة، كان الأباطرة يُعلنون آلهة بعد وفاتهم، وأحيانًا في حياتهم، مما كرس مركزية السلطة المطلقة، وجعل الولاء السياسي عبادة، والنقد خيانة مقدسة.
مراحل صناعة الدكتاتور: تتشكل شخصية الدكتاتور في العادة عبر مسار تراكمي يشمل:
1. الشرعية الشعبية الأولية: يأتي بعض الحكام إلى السلطة بانتخابات أو نضال ثوري، ما يمنحهم تأييدًا جماهيريًا أوليًا.
2. احتكار وسائل الإعلام والتعبئة: تُغلق سبل التعبير الحر، ويُحتكر الخطاب العام لصالح تمجيد الحاكم، وتُهمّش أو تُخوَّن الأصوات المستقلة.
3. تحويل الزعيم إلى رمز مقدس: تبدأ عملية صناعة الهالة: التمجيد اليومي، الصور والتماثيل، الكتب المدرسية، الأغاني، الطقوس، وحتى الصلاة عليه أو باسمه.
4. إلغاء المؤسسات: يُضعف الدكتاتور السلطة القضائية والتشريعية، ويقضي على التعددية الحزبية، ويعتمد على جهاز أمني يخدم شخصه لا الدولة.
5. نهاية المسار: الاستبداد المطلق: يصبح الحاكم مصدر السلطات كلها، وربما يدّعي امتلاك الحقيقة أو النطق باسم الله أو التاريخ أو الشعب بطريقة لا تقبل النقاش.
أمثلة تاريخية على التأليه السياسي • أدولف هتلر: رُفع إلى مصاف المنقذ الإلهي لألمانيا، وصوّر كعبقري عسكري وسياسي لا يخطئ، وكانت صورته حاضرة في كل بيت ومؤسسة. • جوزيف ستالين: أحيط بهالة أبوية مقدسة، رغم المجازر والمجاعات التي تسبب بها، وكان نقده يُعد خيانة عظمى. • كيم إيل سونغ ومن بعده كيم جونغ إيل وكيم جونغ أون: تم تأليههم فعليًا في كوريا الشمالية، حيث تُفرض عبادتهم على السكان منذ الطفولة، في مشهد يجمع بين الهوس الجماعي والقهر المؤسسي. • صدام حسين: في العراق، رُفِع إلى منزلة الرمز المطلق، وكان مجرد انتقاد له يعد خيانة تستوجب الموت، حتى امتلأت البلاد بتماثيله وصوره وأناشيده.
الآثار السياسية المدمرة
تأليه الحاكم وصناعة الدكتاتور تؤدي إلى:
1. شلل النظام السياسي: تغيب الرقابة، وتُغتال المشاركة، ويُختزل الوطن في شخص، ما يعطل روح المؤسسات.
2.انهيار الدولة من الداخل: إذ إن النظام كله قائم على فرد واحد، وحين يضعف أو يزول، ينهار البناء بأكمله في لحظة.
3.القمع والعنف: إذ لا مكان في النظام الدكتاتوري للمخالفين أو المعارضين، مما يؤدي إلى انتشار السجون والتعذيب والإعدامات.
4. التحجر والتخلف: حين يُقدَّم الحاكم ككائن لا يخطئ، تتوقف عمليات الإصلاح والنقد والتجديد، ويُخنق التقدم العلمي والفكري.
5. انفجار مفاجئ أو سقوط مدوٍّ: غالبًا ما تنتهي الأنظمة الدكتاتورية بثورات دموية أو انهيارات كارثية، كما حدث في العراق وألمانيا والاتحاد السوفييتي.
مقاومة التأليه: نحو وعي سياسي حضاري
السبيل إلى تحصين المجتمعات من الوقوع في فخ تأليه الحاكم وصناعة الدكتاتور يكمن في:
• بناء دولة مؤسسات لا أفراد، تقوم على القانون والفصل بين السلطات. • ترسيخ الثقافة الديمقراطية وحرية التعبير وتعددية الفكر السياسي. • تعزيز التربية السياسية لدى الجماهير، وإعادة تعريف المواطنة باعتبارها مشاركة لا تبعية.
• استقلال الإعلام والقضاء عن السلطة التنفيذية، كي تبقى آليات الرقابة فاعلة.
• دسترة تداول السلطة والرقابة عليها، عبر آليات واضحة وشفافة.
خاتمة: صناعة الدكتاتور ليست مجرد خلل سياسي، بل أزمة حضارية وأخلاقية. إنها لحظة انهيار للعقل الجماعي، واستقالة من المسؤولية، وخيانة لمفهوم المواطنة. إن مقاومة التأليه، وحماية السياسة من القداسة الزائفة، ضرورة للحفاظ على الإنسان والكرامة والدولة معًا.

السفارة الأميركية حول رواتب الحشد: على المؤسسات المالية معرفة عملائها وانتماءاتهم
3-تموز-2025
مساع وزارية لخفض التراكيز الملحية في البصرة
3-تموز-2025
7900 مرشح لانتخابات البرلمان
3-تموز-2025
نصب كاميرات مراقبة سرعة المركبات في بغداد
3-تموز-2025
ذا ناشيونال تتساءل: حياد محسوب أم مؤشّر على تبدّل موازين القوى؟
3-تموز-2025
شلل تشريعي في البرلمان.. الدورة النيابية الخامسة تلفظ أنفاسها الأخيرة
3-تموز-2025
ذا ناشيونال تتساءل: حياد محسوب أم مؤشر على تبدّل موازين القوى؟
3-تموز-2025
الإعلام الحكومي: اعتماد الدفع الالكتروني يستند لرؤية حكومية في تطوير التعاملات المالية
3-تموز-2025
ليبيا تعرب عن استعدادها لتعزيز التعاون مع العراق في قطاعي النفط والطاقة
3-تموز-2025
حين يصبح النفط طوق نجاة ومصدر تهديد هشاشة الموازنة العراقية تحت المجهر
3-تموز-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech