د. موفق مجيد
في زمنٍ لم تعد فيه الكاميرا حكراً على المحترفين، أصبح الهاتف المحمول أداة سينمائية محتملة بيد كل شاب عراقي يملك رؤية وشيئاً من الجرأة. لم يعد السؤال: "أين الكاميرا؟"، بل أصبح: "ماذا تريد أن تقول؟"… وهنا تبدأ الحكاية.
السينما التقليدية كانت حلمًا مؤجلاً، رهينة الاستوديوهات، والتمويل، والموافقات، والرقابة. لكن جيل الهاتف، بما يمتلكه من أدوات رقمية سهلة، كسر هذه الحواجز وخرج إلى الضوء. أفلام قصيرة، تجارب وثائقية، مشاهد تمثيلية، وحتى مونتاجات درامية تُنتَج يومياً في أحياء بغداد والبصرة والنجف والموصل، تُصوَّر بهاتف، وتُمنتَج على تطبيق، وتُعرض على منصة.
في العراق، لم يأتِ هذا التغيير من المؤسسات، بل من الفراغ ذاته. لأن الدعم السينمائي الرسمي شبه معدوم، ولأن الكليات والمعاهد ما زالت تعتمد على معدات قديمة وروح بيروقراطية،
كان على الجيل الجديد أن يخترع طريقه بنفسه، فوجد في الهاتف شريكًا غير مكلف، ومتاحًا دائمًا.
الفن لا يُقاس بالأدوات، بل بالرؤية. ما يميّز السينمائي الحقيقي ليس فقط جودة الصورة، بل الوعي البصري، واختيار اللقطة، والإحساس بالزمن، وإدارة المعنى.
كثير من التجارب الشابة التي نراها اليوم على "يوتيوب" أو "إنستغرام" أو "تيك توك" تحمل طاقة عظيمة، لكنها بحاجة إلى تأطير، توجيه، ونقد بنّاء. لا تكفي الحماسة وحدها، فصناعة الفيلم هي مسؤولية فكرية وجمالية، حتى وإن كان مدته دقيقة.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن الهاتف بات نقطة انطلاق فعلية لصناعة سينمائية جديدة.
جيل ما بعد 2010 في العراق، نشأ في ظل العنف، لكنه وُلد في زمن الهواتف الذكية، ولذا فإن صوره الشخصية غالباً ما تكون نضجًا من الوجع، لا من الترف.
لقد رأينا خلال السنوات الأخيرة أفلامًا قصيرة صُوّرت بالهاتف العراقي ونالت جوائز عربية، ورأينا مهرجانات شبابية تعتمد على هذه التقنية، لأن الأهم ليس الكاميرا، بل الزاوية التي ترى بها العالم.
فهل يُمكن للهاتف أن يُنتج سينما عراقية حقيقية؟ الجواب: نعم، لكن بشرط أن نؤمن بأن السينما ليست فقط شاشة كبيرة… بل فكرة، وموقف، وشغفٌ يُنقذ صورة العراق من التلاشي.
جيل الهاتف لا ينتظر إذنًا من أحد، إنه يصوّر، يُخرج، ويحرّك الواقع، بحثاً عن مكان له في ذاكرة هذا الوطن.