بغداد ـ العالم
يشكو ذوو الاحتياجات الخاصة في العراق من نقص الخدمات الحكومية، على صعيد ارتفاع تكاليف العلاج وضعف مراكز إعادة التأهيل؛ إذ ظهرت حاجة العراق على مدار السنوات الماضية إلى مراكز جديدة لتأهيل المعوقين، لا سيّما مع تزايد أعدادهم، بسبب الحروب وعدم الاستقرار في البلاد.
وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في تقرير أرسلته لـ"العالم"، يوم أمس، إن العراق يتقاعس عن تنفيذ قوانينه الوطنية التي تضمن حقوق العمل للأشخاص ذوي الإعاقة، ما يجعل حصص الوظائف المخصصة للعراقيين ذوي الإعاقة غير مستغلة ويترك مئات الآلاف عاطلين عن العمل.
يشار الى ان القوانين النافذة تحدد حصة دنيا قدرها 5% من وظائف القطاع العام للأشخاص ذوي الإعاقة.
وقالت سارة صنبر، باحثة العراق في هيومن رايتس ووتش: إن "الوعود القانونية بتوظيف الأشخاص ذوي الإعاقة في العراق لا تُترجم إلى فرص عمل حقيقية. الفجوة بين القانون والممارسة تجعل مئات آلاف العراقيين ذوي الإعاقة يكافحون من أجل كسب لقمة العيش".
وفي 2019، قدّرت "لجنة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة"، التي تُراقب المعاهدة الدولية ذات الصلة، أن في العراق أحد أكبر أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة في العالم، نحو 3 ملايين شخص، نتيجة عقود من النزاعات المسلحة.
وقالت منظمات حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في العراق لـ هيومن رايتس ووتش إنها تعزو عدم تنفيذ القانون رقم 38 لسنة 2013 إلى تقاعس "هيئة رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة"، وهي مؤسسة تابعة الى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مكلفة بضمان تنفيذ القانون.
وتشير صنبر الى انه "برغم أن العراق لديه أكبر عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة في العالم، إلا أن السلطات العراقية لا تلبي احتياجاتهم. ينبغي للحكومة ضمان ألا يكون التزامها بتوفير فرص العمل للعراقيين ذوي الإعاقة وعدا فارغا".
ويذكر موفق الخفاجي، رئيس (تجمع المعوقين في العراق): "عندما نطلب من مجلس الخدمة العامة الاتحادي توظيف المزيد من الأشخاص ذوي الإعاقة، غالبا ما يجيبون بأنه لا توجد فرص عمل كافية".
ويدير موفق الخفاجي، رئيس تجمع المعوقين في العراق، ورش عمل لتثقيف أصحاب العمل في القطاعين العام والخاص حول حقوق التوظيف للأشخاص ذوي الإعاقة، وتشجيعهم على توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة.
وكان محمد علي المياحي، الرئيس التنفيذي لشركة "مخابز باب الآغا" في بغداد، قرر الاستجابة لدعوة الخفاجي إلى التحرك بهذا الخصوص.
وقال المياحي لـ هيومن رايتس ووتش: "في البداية، قمنا بتعيين خمسة موظفين صم، ولم ينقطعوا عن العمل. رأينا أنهم يعملون بشكل جيد للغاية، لذلك قمنا بتعيين خمسة موظفين آخرين ليصبح العدد عشرة. والآن وصلنا إلى 30 موظفا أصما تقريبا، وما زال بابنا مفتوح للتوظيف. كفاءتهم وطاقتهم عالية جدا. يجب علينا أن نضمن أن هؤلاء الناس يمكنهم أن يعيشوا حياتهم مثل أي شخص آخر هنا في العراق. آمل أن تحذو جميع الشركات حذونا".
وعيّن المياحي أيضا فاطمة محمد (22 عاما) للعمل كمترجمة لغة إشارة للموظفين. تعلمت فاطمة لغة الإشارة من والديها الصم، ما ألهمها للدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
وقالت فاطمة: "في البداية، كانت هناك تحديات في التواصل بين الموظفين الصم والموظفين الذين يسمعون. لكنهم [الأشخاص الذين يسمعون] بدأوا في تعلم لغة الإشارة، والآن يتواصلون مع الموظفين الصم حتى عندما لا أكون موجودة!".
وقال موظفون صم لدى باب الآغا لـ هيومن رايتس ووتش، إن عملهم كان له تأثير إيجابي هائل على حياتهم. قالت شيماء (24 عاما) لـ هيومن رايتس ووتش: "منذ أن تم تعييني هنا، تغيرت حياتي. اليوم، أستطيع التواصل مع الناس وكسب العيش والاعتماد على نفسي".
وقالت شمس (28 عاما): "نأمل أن نكسر كل الحواجز أمامنا. نحن نعلم أننا أذكياء ويمكننا القيام بجميع أنواع العمل، لكن الكثير من الناس يعتقدون أننا غير قادرين على العمل. نحن ممتنون لباب الآغا لأنه رأى أننا مجتهدون وقادرون على العمل وتحقيق أهدافنا".
وتُلزم المادة 27 من "اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة"، التي صادق عليها العراق في 2013، الدول الأطراف بالاعتراف بحق الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل على قدم المساواة مع الآخرين، ويشمل هذا الحق إتاحة الفرصة لهم لكسب الرزق في عمل يختارونه أو يقبلونه بحرية في سوق عمل وبيئة عمل منفتحتين أمام الأشخاص ذوي الإعاقة وشاملتين لهم وميسّرة لاحتياجاتهم. لتحقيق ذلك، ينبغي للحكومات اتخاذ الخطوات المناسبة لتوظيف الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع العام وتعزيز توظيفهم في القطاع الخاص. قد تشمل هذه البرامج برامج العمل الإيجابي والحوافز والمبادرات المختلفة لتعزيز فرص العمل الهادفة للأشخاص ذوي الإعاقة.
وأوصى تقرير المنظمة بـ"إنشاء آلية للرصد والإبلاغ للوزارات الحكومية لتقديم تقارير دورية عن أدائها في تلبية حصة التوظيف"، مشددة على ضرورة "فرض غرامات على الشركات الخاصة التي لا تلبّي حصة التوظيف البالغة 3%".
كما أوصى بـ"التنسيق مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، لإنشاء آلية مراقبة وتقييم لضمان أن ظروف عمل وأجور الموظفين ذوي الإعاقة تتساوى مع الموظفين الآخرين"، الى جانب "النظر في إعطاء الأفضلية للشركات التي تفي بالتزاماتها في توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة في منح عطاءات المشتريات الحكومية".