قوض إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على إبقاء ممر فيلادلفيا تحت السيطرة الإسرائيلية الجهود الجديدة للتوصل إلى صفقة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. وحتى في الوقت الذي يُقدم فيه هذا المطلب كحاجة أمنية لإسرائيل، إلا أن رفض حماس ومصر له يُشير إلى أن نتنياهو أراد من خلاله إفشال الجولة الجديدة من المفاوضات بقدر أكبر من التوصل إلى صفقة مقبولة لجميع الأطراف.
وهذه الخلاصة ليست مفاجئة؛ لأن نتنياهو يواصل منذ البداية – ولا يزال – لعبته المخادعة في المفاوضات من أجل إطالة أمد الحرب لأطول فترة مُمكنة. كما أن تزامن التحرك الأميركي لاستئناف المفاوضات بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، وتزايد مخاطر تصعيد إقليمي أكبر للصراع، يُشيران إلى أن دافع واشنطن الرئيسي لتحريك مسار المفاوضات تمثل باحتواء مخاطر التصعيد الإقليمي.
وهذا الدافع يُفسر كيف أن نتنياهو يستخدم المفاوضات كوسيلة لتجنب التكاليف الكبيرة لاندفاعته في تصعيد الحرب، وللحفاظ على هامش له للتهرب من استحقاق الصفقة في غزة لأطول فترة مُمكنة. ومع أن الضغط، الذي يواجهه من قبل شركائه الأكثر تطرفًا منه في الحكومة، يَظهر كسبب رئيسي يحول دون التوصل إلى صفقة في غزة، إلا أنه ليس الوحيد.
فمنذ تعثّر أهداف الحرب الإسرائيلية، تحوّلت إستراتيجية نتنياهو إلى مواصلة الحرب حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، لاعتقاده بأن عودة مُحتملة للرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ستمنحه المزيد من الوقت والظروف لتحقيق أهدافه في غزة، ولرفع التكاليف على انخراط إيران بالوكالة في الصراع عبر حلفائها في المنطقة، لا سيما حزب الله. الآن، ومع تبقي شهرين على الانتخابات الأميركية، يظهر أن نتنياهو نجح بالفعل في اللعب على عامل الوقت.
وحتى لو نجحت جهود الوسطاء في إبرام صفقة بشأن غزة في الفترة المتبقية للانتخابات، فإن ذلك لن يعني بأي حال أن الحرب انتهت تمامًا؛ لأن ترتيبات اليوم التالي لما بعد الحرب لا تقلّ تعقيدًا عن الحرب نفسها. كما أن صفقة مُحتملة في غزة قد تؤدي إلى الحد من مخاطر انتشار الحرب في المنطقة بشكل أكبر، لكنّها لن تُنهيها تمامًا؛ لأن مخاطر اتساع رقعة المواجهة بين إسرائيل وحزب الله إلى حرب شاملة آخذة في التصاعد، كما أصبحت مُشكلة كبيرة قائمة بحد ذاتها. ولذلك، فإن نتائج الانتخابات الأميركية ستكون مؤثرة في تحديد مسار الحرب، وسياقاتها الفلسطينية الإسرائيلية والإقليمية. مع ذلك، تتجاهل النقاشات بشأن التأثيرات المُحتملة لعودة ترامب إلى البيت الأبيض، أو فوز المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس نقطتين مُهمتين. الأولى الالتزام الأميركي الصلب والثابت بدعم إسرائيل بمعزل عن هُوية الرئيس الذي يحكم البيت الأبيض.
والثانية أن الخلافات بين نتنياهو وإدارة بايدن لم تمسّ هذا الالتزام أبدًا، علاوة على أنها تتمحور حول النظرة المُختلفة للطرفين إزاء الكيفية التي تضمن تحقيق إسرائيل انتصارًا إستراتيجيًا في الحرب.
ومادام أن الأمر على هذا النحو، فلا ينبغي الإفراط في الرهانات على أن يؤدي فوز هاريس إلى الدفع باتجاه إنهاء الحرب، ومعالجة آثارها الإقليمية بشكل جذري، أو أن يؤدّي فوز ترامب إلى تحسين فرص نتنياهو بشكل قوي لتحقيق نصر بالطريقة التي يُريدها.
من المؤكد أن ترامب سيُظهر قدرًا كبيرًا من اللامبالاة تجاه السلوك الإسرائيلي في الحرب، وسيمتنع عن توبيخ حكومة نتنياهو والمسؤولين الإسرائيليين الذين يُشجعون على احتلال قطاع غزة لفترة طويلة، ويدعمون توسيع الاستيطان في الضفة الغربية، وتهجير الفلسطينيين منها على غرار ما تفعله إدارة بايدن، أو ما قد تفعله هاريس بعد فوزها. لكنّه من غير المتصور أن يدعم ترامب رغبة نتنياهو في إشعال حرب إقليمية واسعة مع إيران ووكلائها في المنطقة؛ لأن مثل هذه الحرب ستجرّ ببساطة الولايات المتحدة إلى التورط فيها.