عشرون عام على حرب العراق.. قراءة في التداعيات الإقليمية والدولية
19-آذار-2023
د. احمد عدنان الميالي
يصادف يوم 17/3 مرور الذكرى العشرون للغزو الأمريكي وحلفاءها للعراق والإطاحة بنظام صدام حسين، أسفرت العملية العسكرية المعقدة والمثيرة للجدل التي سميت (حرية العراق، تحت مبرر تدمير أسلحة الدمار الشامل التي لم يعثر عليها)، عن حصيلة مدمرة للقتلى وزعزعة استقرار البلاد والمنطقة وفراغ في السلطة أدى إلى ظهور الجماعات الارهابية والمتطرفة.
قبل 20 عام في مثل هذه الايام شهد العراق حملة جوية وبرية مكثفة استمرت لثلاثة أسابيع، سقطت العاصمة العراقية بغداد ومعها باقي المحافظات تباعاً، كان من المفترض ان يحل محل نظام البعث الصدامي نظام ديمقراطي ويتم العمل على اعادة بناء الدولة وفقا لذلك لكن بعد وقت قصير من تحرير العراق من ربق هذا النظام اتضحت معالم الاحتلال الامريكي تتجه خلافا لذلك وقررت سلطة ما يعرف بالتحالف حل الجيش العراقي، ثم تبعها تأسيس ما يعرف بمجلس الحكم الذي وضع اللبنات الاساسية للحكم الطائفي والمذهبي والقومي في العراق.
بعدها وضعت سلطات الاحتلال الامريكي التي ترأسها الحاكم المدني للعراق في حينها بول بريمر دستور مؤقت للعراق عرف بقانون ادارة الدولة الانتقالية، كرس فيه ايضا هذه اللبنات التفتيتية، ثم وضع بشكل مستعجل دستور عام 2005 الذي تبنى رسم هياكل نظام سياسي ديمقراطي برلماني لكنه تضمن ترتيبات رسمية لتقاسم السلطة بين المجموعات العرقية والطائفية الرئيسة في البلاد.
رغم ان الطائفية تضخمت في عهد الاحتلال الامريكي الا انها ذات منشأ عثماني قبل ان تصبح برنامج بريطاني فيما بعد، فإعتمد العراق منذ تأسيسه كدولة مصطنعة من قبل الاحتلال البريطاني على تأسيس هذه الدولة من خلال الدمج العشوائي للمكونات وبقي العراق غارقا بالطائفية، والسبب الاساسي في غرقه بالطائفية كان الدعم الامريكي لوصول طبقة حاكمة ليس لديها البصيرة لبناء عراق شامل ومتعدد الطوائف والاعراق بعيدا عن المحددات الضيقة للعروبة السنية والاسلام الشيعي والقومية الكردية.
لم يسعَ أي من الحكام العراقيين بعد الغزو الامريكي بجدية الى بناء الهوية العراقية المركبة من الهويات العراقية والطائفية والقبلية ولم تستطيع هذه القيادات ان تشكل هوية وطنية أفقية جامعة للتاريخ والمستقبل المشترك، وكذلك لم يطرح المحتل الامريكي بنية سياسية لعراق متعدد ولم تأخذ الهوية العراقية المركبة شكلها المطلوب ابدا ولم تطبق آلية سليمة لتشكيل السلطة السياسية.
المشكلة الاخرى وبعد تفكيك حكم سنة حزب البعث بعد (2003) اعقاب الغزو الامريكي، اعتبر الشيعة وهم غالبية السكان أنفسهم اصحاب مطالب مشروعة لتسلم السلطة السياسية، اما السنة لم يتقبلوا لحد الان الى اتفاق مع حكومة يقودها الشيعة ولهذا يدرك السنة في ضوء تصاعد خسارتهم لوضعهم السياسي ان فكرة الاستقلال سواء كان فيدرالي او كونفيدرالي او دولة سنية هو امر مغري جدا، وهذا الخيار لا زال قائما، ويشعر الكرد ايضا بذلك نتيجة سلبيات التعايش السلمي بين العرب والكرد اضافة الى وجود مقومات فاعلة تجعلهم مستقلين الى حد كبير غير منسجمين مع الحكومة الاتحادية ولهذا لم يقفوا مع الدولة بعد سيطرة تنظيم داعش على ثلث اراضي البلد واستغلوا سياقات هذا الوضع وسيطروا على المناطق المتنازع عليها واجروا استفتاءً على الانفصال عام ٢٠١٧، واستمرت اشكاليات هذه العلاقة المتوترة بين الاقليم والحكومة الاتحادية وانعكاساتها السلبية لغاية الان.
لقد ادى الغزو الامريكي الى مأساة في العراق اذ شهد اضطرابات داخلية غير مسبوقة، فقد تفاقم حجم الاضطراب في العراق بسبب الانقسامات العرقية والطائفية الجديدة والتحولات الديموغرافية الرئيسية التي غيرت طبيعة الدولة العراقية ولم تتحدى هذه الاضطرابات النظام السياسي السائد فقط، لكنها تجاوزت حدود الدول وسلامة أراضيها بعد ظهور القاعدة وداعش كمثال قوي ادى الى تدخلات دولية واقليمية في الشأن العراقي، ومنعطف حرج للولايات المتحدة وللبنية الاقليمية والنظام الدولي.
لقد حدثت مجموعة من التغييرات التي وضعت العالم والمنطقة على مسارات جديدة، تتعلق بالآثار الجيوسياسية فعلى مستوى النظام الدولي، أعاد اللاعبون الدوليون وضع أنفسهم في ضوء حرب العراق، لا سيما في الاستجابة لتراجع القطبية الأحادية، اما البعد الإقليمي فإلى جانب التحولات الجيوسياسية التي أحدثتها، كان لتدمير وإعادة بناء العراق الذي كان دولة إقليمية رئيسية، تأثير كبير على توازن القوى الإقليمية، وهو ما انعكس في المشهد المتغير للقوى والتحالفات الإقليمية.
الحرب على العراق كانت نقطة محورية في وضع منطقة الخليج والشرق الاوسط والعالم برمته على مسار مختلف، اذ فمثلما يقال لا يمكن أن تكون هناك عودة إلى العراق القديم، لا يمكن أن تكون هناك عودة إلى النظام الإقليمي والدولي القديم، وكان لحرب العراق دور حاسم في ضمان ذلك. لقد عملت الحرب والأحداث التي رافقتها على تأكيد الادعاء بأن حرب العراق وعواقبها كانت بالفعل نقطة اللاعودة من حيث النظامين الإقليمي والدولي.
فعلى النطاق الدولي عملت حرب العراق وإعادة تشكيل الدولة فيه على تآكل أسطورة القوة المطلقة الامريكية والغربية وفتح الشرق الأوسط كمساحة تنافسية للفرص الاقتصادية والاستراتيجية، وتسهيل الاصطفافات الدولية الجديدة، وتغيير التصورات عن قوة الولايات المتحدة، وفتح الطريق أمام توازن قوى مختلفة.
ان حرب العراق حدثت في وقت كانت الولايات المتحدة في أوجها كقوة أحادية القطبية، لكن شكّلت هذه الحرب أهم مسارات الاختبار للنظام الدولي الجديد، بعد صعود المد الإسلامي المناهض لأمريكا والغرب، اضافة الى طبيعة الحرب المطولة والتكلفة التي تكبدتها واشنطن، بما فيها الفشل النهائي لتلك الحرب في تحقيق أهدافها المعلنة كل ذلك كان له تأثير كبير على نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة والعالم الأوسع، مما قلل من سمعتها الدبلوماسية، ووضع الأحادية القطبية على المحك، وتزايد التعددية القطبية وتراجع الهيمنة الأمريكية وفشل مشروعها القائم على اساس التوسع الديمقراطي واحلاله في الشرق الاوسط.
كانت الأحداث في العراق حاسمة في بروز تحالفات اقليمية ودولية جديدة تتعارض مع الاهداف الامريكية، واستثمرت الدول المنافسة سياقات الفشل في حرب العراق، في مناطق أبعد، فروسيا والصين اللتان عارضتا الحرب، وساعدتا في منع أي قرار مؤيد من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كانتا من المستفيدين في النهاية، وإن كان ذلك بطرق مختلفة، لقد شاركوا مخاوف الولايات المتحدة بشأن العراق والاستقرار في الخليج، ولم يكونوا يميلون في ذلك الوقت إلى تشكيل معارضة قوية للتدخل الأمريكي لأسباب تتعلق بالسياسة الداخلية ومكانتهما الدولية ومع ذلك فقد استطاعوا تحقيق مكاسب مادية واستراتيجية من إبعاد أنفسهم عن الصراع وتداعياته اللاحقة، ونشأت فرص جديدة لهاتين القوتين وتطلعاتهما نحو التأثير العالمي، وتعظيم قدراتهما العسكرية والاقتصادية.
بالنسبة للصين كانت الفرصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اقتصادية في معظمها، وأصبحت المنطقة مركزا لمبادرة الحزام والطريق الصينية الطموحة، والتي تم الكشف عنها في عام 2013، وبحلول عام 2020 أصبحت الصين شريكا تجاريا رئيسيا لدول المنطقة ومستوردا لنفط الشرق الأوسط، ولكنها كانت أيضا في المرتبة الأولى في طليعة التعاون مع دول المنطقة مستغلة انشغال واشنطن بالحرب، فالحرب على العراق كان لها تأثير واضح على الصين وشجعها على التفكير عالمياً؛ ودفعها نحو الابتعاد عن الانعزالية والتمتع بمزايا العضوية في مجتمع دولي موسع.
اما بالنسبة لروسيا كانت الفرصة اقتصادية واستراتيجية وسياسية التي وفرتها حرب العراق، لإعادة تأسيس موطئ قدم إقليمي في هذه المنطقة، وبالأخص الدعم الدبلوماسي والسياسي والعسكري الذي قدمته روسيا للعراق وبعدها سوريا ثم ليبيا، وأصبح النفوذ الروسي متنامي في العالم العربي، اذ استغل الروس تراجع شهية الولايات المتحدة التدخل والانسحاب من العراق.
اما بريطانيا فتأثرت سلبا بسبب اسهامها مع الولايات المتحدة في غزو العراق اذ قلل ايضا من مكانتها وسمعتها العالمية وساعدت تلك الحرب على إبعادها عن الاتحاد الأوروبي، وبالتالي الاسهام في نتيجة التصويت على خروجها من الاتحاد الأوروبي، إذا كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يتعلق جزئياً بقرار التدخل مع الولايات المتحدة في العراق، وبدون غطاء من الأمم المتحدة دون تحقيق اي اهداف في منطقة نفوذها السابقة، واصبحت لندن قوة سياسية ضعيفة.
باختصار أنتجت حرب العراق تحولات جيوسياسية كشفت عن المسرح الدولي باعتباره مساحة أكثر تعددية وتنافسية لمجموعة متنوعة من القوى الأخرى، وفرضت تحديات مباشرة على الولايات المتحدة والسلطة الغربية في المنطقة والعالم الأوسع، أدى إلى تقصير اللحظة الأحادية القطب وتآكل ادعاءات واشنطن والغرب لّليبرالية الدولية.
اما على النطاق الاقليمي، كان هناك جوانب وتداعيات إقليمية كبيرة، من أهم هذه الجوانب تقليص مكانة العراق وتمزيقه كدولة إقليمية قوية مما أدى إلى تفاقم العنف الطائفي على نطاق واسع وتعزيز صعود القاعدة وداعش وجماعات متطرفة اخرى، واضافة الى التقسيم الطائفي الداخلي في العراق انعكس ذلك على تمحورات هذا الانقسام صوب المحاور الدولية والاقليمية، فظهر الكرد في كردستان كقوى شبه إقليمية مدعومة من الولايات المتحدة والغرب متقارب مع تركيا، وفي الجانب الآخر ظهرت القوى الشيعية وعُمِقَ اصطفافها نحو محور شيعي مع إيران، وما صاحب ذلك من تغييرات في ميزان القوى الإقليمي بما في ذلك تعزيز الموقف التنافسي لدول الخليج الأخرى المطلة على الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية، التي تقاربت وتموضعت معها اغلب القوى السنية العراقية.
وتجاذبت هذه القوى الثلاثة سياسيا وحتى اجتماعيا وخضعت لاستراتيجيات الهيمنة لإيران والمملكة العربية السعودية وتركيا فضلا عن الأدوار المتناقضة لإسرائيل، طالبة التمكين في مواجهة كل قوى للأخرى، لتتنافس وتتصارع وتتدخل هذه الدول الثلاثة اضافة الى واشنطن في الشأن العراقي على نحو مستدام.
الاقتصاد النيابية تبحث المواصفة العراقية لاستيراد المركبات مع جهاز التقييس
3-نيسان-2024
وزير العدل خالد شواني لـ"العالم": نعمل على "أتمتة" عمل التسجيل العقاري وكتّاب العدول
25-آذار-2024
الحسناوي لـ"العالم": حصة المواطن من الموازنة العامة سنويا 4 آلاف دينار
23-آذار-2024
وزير الداخلية لـ"العالم":نخطط لاستبدال المنتسبين الرجال في المطار بكادر نسوي
12-آذار-2024
حادث سير يودي بحياة "مشرفين تربويين" على طريق تكريت - موصل
12-شباط-2024
العراق يتأثر بحالة ممطرة جديدة تستمر لأيام تتبعها ثالثة "وربما رابعة"
12-شباط-2024
هزة أرضية تضرب الحدود العراقية التركية وسكان يستشعرون قوتها في دهوك والموصل
12-شباط-2024
العراق يدعو إلى تدخل دولي لمنع خطط التهجير الجماعي لسكان جنوب غزة
12-شباط-2024
بمشاركة السوداني وبارزاني إنطلاق قمة عالمية بدبي للحكومات
12-شباط-2024
الأمن والدفاع: العراق لا يستطيع حماية أجوائه من المسيرات
12-شباط-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech