فايننشال تايمز: الخصوم الليبيون يعدّون خطواتهم التالية بعد اشتباكات طرابلس
7-أيلول-2022
بغداد ـ العالم
رأت صحيفة "فايننشال تايمز" في تقرير لها أعده سامر الأطرش إن احتمالات حدوث انفراجة دبلوماسية في ليبيا، ضعيفة في الوقت الذي يتنافس فيه رئيسا وزراء محتملان على السلطة.
وخلال اشتباكات بين ميليشات في العاصمة الليبية مؤخراً، عقدَ فتحي باشاغا، وهو واحد من اثنين سعيا إلى شغل منصب رئيس وزراء ليبيا، الآمال على أن تنتهي المعركة بعزل خصمه من منصبه.
ومع انحسار المواجهات كان 32 شخصاً على الأقل قد لقوا مصرعهم في اشتباكات هي الأكثر دمويةً منذ انتهاء الحرب الأهلية الليبية في عام 2020. غير أن باشاغا وحلفاءه لم يتمكنوا من إطاحة عبد الحميد الدبيبة، رجل الأعمال المُعين العام الماضي رئيساً مؤقتاً للحكومة في طرابلس.
جولة من الأعمال الأعدائية
وحذَّرَ دبلوماسيون ومحللون من أنه ما لم تفض الهدنة المضطربة إلى محدثات سياسية بين الخصمين، فقد يتعين على الدبيبة أن يتيح لنفسه فسحة من الوقت قبل الجولة التالية من الأعمال العدائية.
وأشار التقرير إلى أن ليبيا العضو في منظمة "أوبك" تحمَّلَت حروباً أهلية متعاقبة منذ أطاح التدخل العسكري الذي قاده حلف شمال الأطلسي، الديكتاتور معمر القذافي عام 2011.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن محمد الجارح مدير "آفاق ليبيا للاستشارات والأبحاث"، قوله: "لا أحد يحتفل بالنصر. غير أن الأوضاع حاليّاً توحي بأن الدبيبة وكل مَن حوله سيزدادون جرأة. وسيتعين على باشاغا إما أن يتنازل ويعترف بانسحابه، وهو أمر مُستبعد، وإما أن يزداد عنفاً ويأبى أن يتنازل بقدرٍ أكبر".
ليبيا باتت معتركاً للقوى الخارجية
وأوضحت الصحيفة أن الدولة الشمال إفريقية باتت معتركاً للقوى الخارجية التي تدعم الحكومات والمليشيات المتنافسة.
ففي عام 2019، سعى خلفية حفتر إلى إطاحة الحكومة المُعترف بها من الأمم المتحدة في طرابس. لكنه أخفق في مسعاه، والفضل في ذلك يرجع إلى التدخل العسكري الروسي.
في عالَم السياسة الليبية المُعقَّد، يمكن أن تتبدل الولاءات بسهولة. ويقول دبلوماسيون إن المرتزقة الذين تربطهم علاقات وثيقة بموسكو وينتمون إلى مجموعة فاغنر شبه العسكرية التي دعمت في فترة من الفترات حفتر لم تعد تسمع له، وأمست تتصرف من تلقاء نفسها الآن.
وتدعم تركيا الدبيبة أيضاً، وتشهد ليبيا التي تستقر على قمة هرم أكبر احتياطات إفريقيا النفطية انقساماً بين منطقتي النفوذ الروسي والتركي. وخلال المعركة التي دارت مؤخراً، كانت ميليشيا تؤيد باشاغا، تحت قيادة أسامة الجويلي تتقدم، قبل أن تتعرض لوابل من نيران طائرات مُسيَّرَة تركية. وصرح الجويلي قائلاً لصحيفة "فاينانشيال تايمز": "تأكدنا من إطلاق 18 صاروخ. ويمكنك أن تذكر اسمي صراحةً في اقتباسكم".
وأكد مسؤول غربي روايته، ولو أن هناك مصادر ليبية أخرى أنكرت أن تركيا التي نشرت جنوداً لها في غرب ليبيا تدخلت لإنقاذ الدبيبة.
وأفاد مسؤول أمني على دراية بالموقف أيضاً، لم تسمه الصحيفة، بأن تركيا أنكرت تدخلها أمام مصر. ولم تستجِب وزارة الخارجية التركية لطلبات التعليق على الأحداث.
وعُيِّنَ الدبيبة في محادثات برعاية الأمم المتحدة في أوائل عام 2021 لقيادة ليبيا إلى الانتخابات بنهاية العام الماضي، وكان من المقرر أن تنتهي ولايته صيف هذا العام.
لكنّ الانتخابات تأجلت لأجل غير مُسمى، مما دفع البرلمان الذي يتخذ من الشرق مقراً له ويدين بالولاء لحفتر أن يختار باشاغا رئيساً للوزراء منافساً. وزعم أحد مساعدي باشاغا إن رئيسه قد يحظى بدعم مصر، إذ أعرب بعض المسؤولين سراً عن خيبة أملهم لعجزه عن الاستيلاء على العاصمة. وقال المساعد نفسه أيضاً إن باشاغا الذي حاول أن يدخل العاصمة في مايو (أيار) لن يلجأ إلى العنف في المرة القادمة.
ونقل معد التقرير عن عن فضيل الأمين، مستشار الأمن القومي لباشاغا، قوله إن رئيس الوزراء المنافس سيسعى بدلاً من ذلك إلى استمالة مؤيدي الدبيبة في طرابلس، حيث يمكن أن تتبدَّل ولاءات العديد من الميليشيات، كجزء من مساعيه لتعزيز حِلفه. وأضاف: "الشعور السائد الآن هو أن الوضع القائم تعجيزي".
وجدير بالذكر أن الشعب الليبي الذي ظل يرزح تحت وطأة المعاناة منذ فترة طويلة قليل الحيلة في مواجهة هذه القوى وقت مُني اقتصاده الذي يعتمد على النفط بضربات قاسية. ولقد استؤنِفَ إنتاج النفط حتى بلغت القدرة الإنتاجية 1.2 مليون برميل يومياً بعد أشهر طويلة من حصار مؤيدي حفتر.
انفراجة غير مبشرة
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن هناك مخاوف من أن تتمكن المليشيات من إغلاق حقل الشرارة الأكبر في ليبيا، احتجاجاً على القتال الذي دار مؤخراً. وفي ظل تعثُّر الجهود الدبلوماسية الدولية، نجد أن احتمالات حدوث انفراجة دبلوماسية غير مُبشِّرَة. وفي تلك الأثناء، تُخطط الأطراف المُتحاربة تحركاتها التالية.
ونقلت "فاينانشال تايمز" عن عماد الدين بادي، محلّل أول في "المبادرة العالمية لمحاربة الجريمة المنظمة"، وباحث أول في المجلس الأطلسي، قوله: "لم تحلُّ الاشتباكات الأخيرة شيئاً على الصعيد السياسي، غير أن التحركات العسكرية ستفضي إلى التغيير. ويمكن توجيه هذا التغيير لبدء عملية سياسية جديدة، حتى لو كانت احتمالات حدوث ذلك ضئيلة".