محمد عبد الجبار الشبوط
أسعدتني عودة عجلة الاعمال الدرامية في شبكة الاعلام العراقي الى الدوران بعد توقف او شبه توقف دام عدة سنوات منذ خروجي من ادارة الشبكة في عام ٢٠١٦ تنفيذا لرغبة رئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي الذي كان يرغب بتعيين ادارة للشبكة من "فريقه".
ولا يخفى ان الانتاج الدرامي يشكل فقرة أساسية في نشاط الشبكة، وجانبا مهما في النشاط الفني لعموم البلد.
ومنذ توليتي لرئاسة شبكة الإعلام العراقي في أواخر عام ٢٠١١ أوليت الإنتاج الدرامي اهتماما خاصا بدعم كبير من رئيس مجلس الوزراء آنذاك السيد نوري المالكي ووزارة المالية ممثلة بالسيدة طيف سامي الشكرجي يوم كانت مدير عام دائرة الموازنة. وذلك إيمانا مني بان الفن يلعب، بأشكاله المختلفة، دورا كبيرا في النهوض الحضاري للمجتمع. ولا جديد نضيفه في هذا المجال. وبإمكان الاستقراء التاريخي للنهضة الأوروبية ان يبرهن بالدليل الحسي الملموس على صدق هذه المقولة. الحراك الحضاري في اي مجتمع يبدأ بالفن. فاذا مارس الفن دوره بالشكل الصحيح والسليم، سار المجتمع بخطوات كبيرة وواثقة في طريق بناء حضارته الجديدة. الفن أداة تعبيرية وترفيهية وتثقيفية وتغييرية عظمى تؤثر في المجتمع اكثر مما تقوم به وسائل التأثير والتعبير الأخرى. إضافة الى ان الفن في مرحلتنا الراهنة يشكل مساحة مهمة من مساحات العمل السياسي الوطني الذي يهدف الى تسليط الأضواء على مرحلة مهمة من مراحل تاريخنا الحديث. فالإنتاج الدرامي ليس عملا ترفيهيا فقط إنما هو عمل تثقيفي وتوعوي وطني يكمل ما تقوم به وسائل التوعية والتثقيف الأخرى في الدولة المجتمع.
يضاف الى ذلك: ان الفنانين العراقيين اضطروا بعد سقوط النظام الدكتاتوري الى العمل اما خارج العراق أو في وسائل إعلام وإنتاج غير مؤيدة للعملية السياسية. وهذا ما يفرض التفكير والعمل على استقطاب الفنانين وغيرهم من العاملين في مجال الإنتاج الدرامي وتشجيعهم على العمل والتعاون مع الدولة التي تمثلها في هذا المجال شبكة الاعلام العراقي. ويمثل هذا دعما حكوميا لهذا القطاع المهم. وهو امر مطلوب بذاته.
ووضعت في زمني خطة سنوية للإنتاج الدرامي تستهدف تقديم ١٥ عملا دراميا في السنة تتوزع بين ما هو انتاج خاص بالشبكة او انتاج لحساب الشبكة من قبل شركات منتجة او عن طريق شراء بعض الاعمال المنتجة. وقد ادار العمل اليومي في مديرية الانتاج الدرامي مدراء أكفاء هم على التوالي نوفل عبد دهش وعلاء الماجدي وثائر چياد الذين اكن لهم كل الاحترام والتقدير.
ومنذ البداية وضعت في رأس قائمة اهتماماتي وخطتي العملية ان تقوم الشبكة بالدور الممكن، في أقصى درجات إمكانه وفق القوانين النافذة، وهي قوانين معيقة ومعرقلة، بتنشيط الحركة الفنية في البلد ودعم الفنانين العراقيين في مجالات الإنتاج الدرامي التلفزيوني والإذاعي، والسينما، والمسرح، والأغنية الوطنية، والفن التشكيلي، فضلا عن التعاون مع وزارة الثقافة ودائرة السينما والمسرح، في هذا المجال.
ولم يكن هذا مجرد اجتهاد شخصي مني إنما هو ضمن واجبات ومهام الشبكة المنصوص عليها في الأمر رقم ٦٦ وهو قانون الشبكة الذي كان نافذا في الفترة التي اكتب عنها والذي يكلف الشبكة بتشجيع الإنتاج المحلي.
وعرضت خطتي للإنتاج الدرامي على مجلس الأمناء الذي وافق عليها وباركها (قبل ان تنطلق مؤامرات احدهم لإعاقة المشروع الفني لشبكة الإعلام). وتضمن الخطة الإشارة الى ضرورة توفير ١٥ عملا دراميا بالسنة. وهو رقم محسوب بعناية على أساس ان الشبكة تعرض شهريا وبصورة يومية عملا واحدا، ما يتطلب توفير ١٢ عملا بحد أدنى، يضاف اليها ٣ أعمال تعرض في شهر رمضان، فيكون الحد الأدنى المطلوب سنويا هو ١٥ عملا.
وقد انخرط المعنيون من منتسبي الشبكة بحماس منقطع النظير في هذا المشروع الكبير.
ومن اجل انطلاق مشروع الإنتاج الدرامي عقدت عدة اجتماعات في مقر الشبكة بحضور ومشاركة عدد كبير من الفنانين العراقيين، أسفرت عن بلورة تصورات أولية لخطة الإنتاج الدرامي لشبكة الإعلام العراقي.
كان من مفردات التحرك الجديد في مجال الإنتاج الدرامي في عهدي ما يلي:
١. تشكيل مديرية خاصة بالإنتاج الدرامي. وكان الاستعدادات للموسم الدرامي تبدأ قبل فترة كافية من خلال تحضير خطة درامية شاملة للموسم الدرامي ابتداء من لجنة التخطيط الدرامي الى لجنة فحص النصوص ولجنة المتابعة للأعمال التي تكون موجودة في مواقع التصوير الى لجان الفحص الهندسي والفني.
٢. دعم الفنانين العراقيين ذلك عن طريق:
ا. زيادة الأجور، حيث وضعت الشبكة جدول أجور منصف للفنانين وألزمت الشركات المنفذة به (٣٥٠ الف دينار للحلقة الواحدة). ولضمان التزامها بهذا الجدول جعلت الشبكة من نفسها شاهدة على هذه العقود وحامية لحقوق الفنانين. وكانت الشبكة تتابع تنفيذ عقود واتفاقات الفنانين مع الشركات المنتجة وحل المشاكل التعاقديّة او تسديد الأجور. وكانت الشبكة حريصة على استلام الممثلين لأجورهم كاملة من خلال حضورهم للشبكة لتوقيع عقودهم خوفا من استغلال بغض المنتجين لهذا الموضوع.
ب. أشركت الشبكة الفانين في قراراتها المتعلقة بهذا الجانب.
ج. حرصت الشبكة على استضافة الفنانين في البرامج المنوعة.
ج. وفِي حالات كثيرة تحملت الشبكة نفقات سفر بعض الفنانين الذين كانوا يقومون المشاركة بنشاطات فنية وعرض أعمالهم خارج البلد.
د. كما زجت الشبكة بعدد من الفنانين في تقديم برامجها مثل الاء حسين وسولاف وماجد ياسين.
٣. ونفذت الشبكة خطة إعلانية للترويج عن المسلسلات التي تقوم بإنتاجها وعرضها. وقد أسهمت هذه الخطة كثيرا في تعريف المتلقي بالأعمال الفنية العراقية ومن ثم زيادة نسبة مشاهدة العراقية بدرجات غير مسبوقة.
٤. المشاركة في المهرجانات الفنية المحلية والعربية بعد فترة طويلة من العزلة التي فرضت على العراق والفن العراقي لأسباب سياسية.
٥. شجعت الشبكة الفانين الشباب وقامت اما بشراء بعض أعمالهم مثل أعمال المخرج العراقي الشاب محمد الدراجي، او المساعدة في إنتاج بعض أعمالهم.
٦. وبموازاة هذا العمل تم تفعيل ستوديو الموسيقى وزجه في الإنتاج والعمل حيث تم إنتاج العشرات من الأغاني والأناشيد الوطنية التي أسهمت أيضا في تشجيع ودعم العاملين في هذا المجال. وقدم الأستوديو دعما مجانيا للفنان العراقي بهذا الصدد.
٧. وهكذا تم استقطاب أكثر من ١٢٠٠ شخص عملوا لصالح الشبكة في موسم درامي واحد. وعمل هؤلاء في إنتاج العديد من الأعمال والمسلسلات منها: انا والمجنون، فدعة، النبي أيوب، سفينة سومر، وادي السلام لأحمد سعداوي) البوكر)، سامكو، البنفسج الاحمر، رازقية، باب المراد، الطوفان ثانية، رباب، اعماق الأزقة، حفيظ، تيتي، نزف جنوبي. هذا اضافة الى مسلسل دولة الخرافة الذي يحتاج الى وقفة مستقلة.
وقد حازت بعض هذه الأعمال جوائز قيمة في المهرجانات العربية.
٨. وتم إنشاء بنك للنصوص يعمل لصالحه فاحصون من خارج الشبكة ويمنح لكل فاحص ٥٠٠ الف دينار للنص الواحد.
لكن ما أسفت له ان تقرير صحيفة "العالم" الذي تحدث عن عودة الإنتاج الدرامي في شبكة الإعلام، اورد تصريحا غير دقيق لمسؤول في الشبكة قال فيه: "ان سوء التخطيط لدى الادرات السابقة قاد ايضا الى تعطيل وإيقاف عجلة الأعمال الدرامية". وهذا اجحاف بجهود الآخرين وتشويه للتاريخ لمن لا يعرفه. لا أتحدث عن إدارات ما بعد عام ٢٠١٦ لأني لا اعرف تفاصيل عملها، لكني اعرف قصة الأعمال الدرامية في زمني بكل تفاصيلها وكيف أنها توقفت بسبب توقف التمويل الحكومي لكل نشاطات الشبكة (ماعدا الرواتب) بسبب الأزمة المالية التي حلت بالدولة بعد انخفاض سعر النفط. والمعروف ان الشبكة تمّول بالكامل وبحساب سنوي من قبل الدولة، إضافة الى الإيرادات المالية التي تحقّقها الشبكة لنفسها عن طريق الإعلانات والنشاطات الأخرى.
٩. وهناك امر بالغ الأهمية وهو ان العمل في هذا المجال كان يتم بشفافية عالية ووفق آلية عمل وخارطة طريق تم وضعها بالتعاون مع مجلس الأمناء ومكتب المفتش العام الذي كان يراقب ويدقق في كل التفاصيل بطريقة كنا نعتبرها في بعض الأحيان قاسية، لكنها طريقة تطلبتها ضرورة الشفافية ونظافة العمل وخلوه من الفساد.
وعلى سبيل المثال أنفقت الشبكة حوالي ١١ مليار دينار وخصوصا في موسم ٢٠١٣-٢٠١٤ وكانت الإجراءات تسير بشكل سليم. وعبثا حاول البعض إثارة تهم وشبهات فساد كيدية دون جدوى حيث تم التحقيق بكل هذه الشبهات من قبل مكتب المفتش العام وهيئة النزاهة.