مقتطفات من «الآنسة تيدي» لـ قصي الشيخ عسكر
26-كانون الأول-2022
قصي الشيخ عسكر
في آخر لقاء لي معه، قال ابن عمتي لم يعد الوقت مثلما عهدناه. الجماعة القدامى تغيروا بعد السقوط فقدوا سطوتهم وامتيازاتهم، انقلبوا مع الأحزاب الجديدة والميليشيات.. توقف تهريب الديزل إلى عبادان وانقلب الزمن من توريد الحشيش إلى الحبوب .. عالم آخر نجهل دهاليزه وفنونه. هناك غيرنا من يتولى الأمر. كان قد أعطاني آخر غصن ثم فارقني لأجد أنني أصبحت أملك عشرين ألف دولار، الناس في فوضى عارمة، من يعرف منا رأسه من رجليه ويميّز بين الخطأ والصح؟. يمكن أن أسافر إلى إيران أو تركيا أعالج نفسي، غاب عن ذهني ما الذي يمكن أن أعمل بعد ما تغيّرت الأوضاع تغيرا مفاجئا ولابد من أن أغتنم بعض الفرص الجديدة التي لاحت في الأفق:
لا شرطة
لاجيش
لا رقابة
كنت في المنزل وقد فرغت قبل بضع ساعات من بيع معظم الغصن الذي عندي وبقيت منه كسرة صغيرة، في هذه اللحظة بالذات ورد نعي ابن عمتي.
مات في حادث سير!
يقال طارده مسلحون فاندفع إلى الشارع فصدمته شاحنة.
كان الخبر صدمة لي.
شئ لا أعقله أو أتصوّره.
غير أني احتفظت مع حزني عليه بثمن الغصن الذي بعته. كان يمكن أن أعطيه لأمّه أو زوج عمتي فأدعي أنه دين له بذمتي.
بكيت
ابتسمت
صفنت
وخطر في ذهني أن أدخن للمرة الأولى. كسرة الحشيش الأخيرة ستكون من نصيبي، الأوضاع تغيرت ولا أعرف الآخرين الذين تعامل معهم ابن عمتي من حزبيين ورجال أمن.
لن أغامر قط.
بيتنا في ضحيج وصخب.
وأنا أخرج وأنزوي بعيدا أدخن اللفافة.
في المدرسة مع التلاميذ جربت التدخين وحده. سعلت وشعرت بدوار.
خفنا من المدرسين والعقوبة. بعضنا واصل فأصبح مدخنا مدمنا ولم أعاود الكرة. ثم وسط الغيبوبة الشفافة. ويداي. والخدر وأيضا بعض النشوة والفرح الغريبين رحت أقود دراجتي إلى بيت عمتي، كيف وصلت لا أدري.. سرادق العزاء ينتصب أمامي مثل بعير قديم. سنام بعير يجثم في الزّقاق، الكراسي، أقاربي الواقفون، المروحة التي تدور نحو اليمين واليسار، أصوات البكاء، ويطالعني من غير أن أحتسب تسجيلا لتلاوة آيات من القرآن.. مراسم حزن أعرفها عايشتها لمعارف أو أصدقاء نحبهم أو لانشعر تجاه بعضهم بأي إحساس .. المهم أنهم رحلوا. الآن تبدو لي بشكل آخر.. تفاصيل أخرى ممزوجة بدوار وصخب.
هدير محرّك يأتي خفيفا من بعيد.
وثمّة دبيب نمل في جسدي.
وفي تلك اللحظة وسط الضجة وتقبل التعازي، تهادى إلى سمعي صوت القارئ… عن اليمبن والشمال.. جنتان… بأيّ آلاء ربكما تكذبان … كل من عليها فان.
.Put fan in good sentenc.
أنا وضعتها قبل سنوات في جملة مفيدة.. ما الذي جاء بها هنا؟.
I bought fan.
افتخرت في البيت أني ألفت جملة باللغة الإنكليزية. نحن في الصف السادس الإبتدائي نعوِج أفواهنا ونؤلف جملا في أذكرها تلك اللحظة وقد
good very good أو stupid الإنكليزية والمعلم إما يصرخ بأحدنا.
استفزني الصوت الذي أعرفه وأخشع له.. إنها مروحة ما الذي جاء بها هنا والدليل هذه المروحة التي على المنضدة تدور بين المدرسة وسرادق العزاء.. بل عدة مراوح عبد الباسط ...الحصري ... هذا المقرئ المزدوج..لا بدّ من أن أضحك وأبكي أبكي واضحك.. أصرخ مروحة. أستغرق في بكاء طويل وضحك هستيري ثم تعلو أصوات حقه والله من حقه إنه يكاد يصاب بالجنون كان المرحوم أقرب الناس إليه… ابن عمته حبيبه.. الحقوه لئلا يفعل بنفسه ضررا ما. لكنني أندفع إلى دراجتي النارية فأنطلق في رمشة عين باتجاه الشارع العام. غشاوة تعلو وجهي. لا أدري لم فعلت التلاوة بي كل ذل. أهي المروحة أم صوت المقرئ.
عند المنعطف استدرت فاختل توازني فارتجفت وسقطت على رجلي اليسرى وأصبت إصابة قوية في ظهري!.
كنت أغيب عن الوعي والعالم يتلاشى من أمام عينيّ ظلام، ولم أعد أشعر بالألم.