السيد عمار ابو رغيف
القسم الثاني
هنا تهمنا الاشارة إلی ملاحظة في غایة الأهمیة:
ان البحث في موضوع «الإلوهیة» یسیر بسیاقین مختلفین علی غرار الاختلاف بین حكمة الشرق وحكمة الغرب، هذا الاختلاف العمیق الذي ترسخت معالمه بدءً بعصر النهضة( ) ومروراً بالحداثة وانتهاءً بما بعدها.. قد سلكت الحكمتان طریقین لا تراضع ولا ترافد بینهما في الحقبة الأخیرة للحكمة الاسلامیة، التي استغرقت حتی الراهن من أیامنا بضعة قرون.. في العقود الأخیرة من القرن المیلادي المنصرم أخذت الفجوة بین السیاقین بالانحسار، لكنها لا تزال واسعة، وتتطلب جهداً اضافیاً لكي یخصب مناخ التعرف علی الآخر، وبغیة تفاهم یسد الاغتراب بین الأفكار، التي لو تركت وحالها لساد التعارف والتعایش الرغید، مهما كان الاختلاف العنید بین الرؤی قائماً.
لقد ترك اختلاف السیاقات آثاره واضحةً علی مناهج الباحثین وفروضهم ومصطلحاتهم، ثمّ ازداد الأمر صعوبةً جراء تنوع الأسئلة واختلاف الاهتمامات بین اللاهویتین وفلاسفة العلم ومنظري ما یُسمی بـ «ما بعد الحداثة»، وتشابك بل تزاحم السیاسي والاجتماعي والاقتصادي بالسؤال الوجودي والمعرفي، حتی اننا نشعر بأسیً جراء غیاب حكمة سقراط وتحدید الحدود، التي یراد لها في فوضی «الدلالة» ان تصبح أوراقاً صفراء، بل موضعاً للسخریة ومدعاة للاستهزاء، وكأننا امام بلطجةٍ أكثر تهذیباً من مطرقة الیسار المتطرف في العقود الغابرة.
أمام البحث الحر في «الإلهیات» مسؤولیات جادة في اعادة هیكلة اشكالیات البحث، والتدقیق الصارم في الاصطلاح عامة وفي حسم دلالته، قبل البدء بورود البحث واستخدام وسائل الاثبات مهما تنوعت. دون أن یكون ذلك علی حساب معاصرة النصوص وسعة الصدر في تحمل ما یتجاوز القناعات العقائدیة الراسخة في عقول الباحثین! إنَّ حریة الرأي في البحث عن «ﷲ» سیاق منسجم مع تراثنا الفلسفي وهو جوهر فلسفة الوجود في الحكمة الاسلامیة...
ثمة عقبة كؤود امام المعاصرة في الراهن من أیامنا... إنها غیاب الوضوح، وفشل جل الترجمات في التوغل النافع في فهم الآخر، ونقل مضمون تجاربه، وسیاحته الفكریة... إن اختلاف منابع التجارب وتنوع زوایا النظر في المعرفة الإنسانیة یقتضینا مهارة فائقة في الاستیعاب السلسل للنصوص الأجنبیة، ونقلها دون تعمیة إلی القارئ العربي ... لقد اُتخمت مكتباتنا بما لا یُفهم من نصوص! والمحزن القاسي أن نصنا الابداعي ینثبق وتراً لا شفع له، ویرد دارته غریباً یفتش عن صدیق! لقد خسرت ثقافتنا في السالف من عقود القرن المیلادي المنصرم، خسرت كثیراً، حیث لم تتعرف بجد علی خطورة الدور الذي لعبه عمانوئیل كنْت في المعرفة الانسانیة الحدیثة، ولم تتمثل التجربة الوجودیة
لـ «هیجل» وتلامذته، بل قرأت الماركسیة بسطحیة، ومرةً أخری إذا كان هناك جهد ابداعي فهو غریب الوجه والید واللسان عند قومه وعلی تراب أوطانه. أما الفاصل بیننا وبین تجارب فلاسفة العلم الذين تركوا آثارهم علی مجمل المعرفة الانسانیة في العالم المعاصر أمثال (بوبر وكوهن وهمبل) فهو فاصل یمثل تكرار الكسل الفضیع الذي لازلنا نئن تحت وطأته!
إن غیاب الانتاج الداخلي ومتابعة المنجز لدی الآخر بدهشة الحائرین، دون متابعة تجاوزه في أرضه جوهر ازمتنا الثقافیة المزمنة. وكأن قدر العقول في دیارنا أن علیها أنْ تتأمل تحت أمرة الشیخ الرئیس (ابن سینا)، وإذا تسامحنا علیها ان تقتفي آثار الحكمة المتعالیة ومدرسة ملا صدرا وبنفس الأدوات، بل حتی لغة الخطاب وایقاع العبارات! وكأن التأمل العقلي الانساني لا أثر للزمان والمكان في تحویر وتغییر معطیاته. بلی هناك خیار آخر هو ان ننتظر سماء المترجمین ولو برطانة جل أصحابها تزخ علینا بعض الرشحات لنعید انتاجها بعد أن تُستهلك في دیار الغرب... هذا الغرب الذي یهیمن بعقله علی العالم لا تتوقف عملیة النقد فیه، وجل ما ینقل إلینا من أفكار وفلسفات تكون قد أُنهكت نقداً في دیارها قبل ان تصلنا. ففي الستینات تعرف العرب علی الوضعیة المنطقیة «حلقة فیننا» بعد أن أضحت حكایة من الماضي في فلسفة العلوم في عالم الغرب، وهكذا...
وعلی سبیل التنبیه الظریف: هل طرق سمع الشیخ الرئیس وابن رشد والغزالي أو صدر المألهین وآخر حكماء سلسلته المبجلة مصطلح الإلحاد الانساني، وهل یمكن أن نتجاوز نزعة أنسنة الالحاد في بحث معاصر عن «الالوهیة». ولعلهم جمیعاً یسخرون من تنویع الإلحاد لدی «ویلیم، ل، ایور» (Ewor.L.Wallim) الی:
* إلحاد صدیق، یقرّ بأن لبعض أتباع الدیانات تسویغاً عقلانیاً للایمان باللّه.
** إلحاد محاید، ینفي امكانیة القول بوجود أو عدم وجود تسویغ عقلاني للإیمان باللّه.
*** إلحاد مخاصم، ینفي وجود تسویغ عقلاني للإیمان باللّه.
وكل هذه الأنواع الثلاثة من الالحاد تدَّعي لنفسها امتلاك تسویغ عقلاني للإلحاد، أعتقد أن جمعاً كبیراً من المشتغلین في المعرفة الدینیة من مشایخنا، وحتی بعض طلاب علوم الشریعة یهزؤون امام هذا اللون من الخطاب، لكن المتابعة الدؤوب والجادة تلزمنا ان نتعامل مع الخطاب المعاصر، واصطلاحاته الجدیدة، والمناخ العام الذي ولد فیه هذا الخطاب.
نحن نبحث عن «ﷲ وحدود الفاهمة البـشریة»، والبحث عن ﷲ أو قل السؤال الوجودي متصلة وجودیة لا انقطاع لها، الا لدی الكسالی، الذین اختاروا الإلحاد سبیلاً لتنشیط القوی اللامسؤولة في حیاتهم، أو لدی المقلدة الذین اتبعوا ما وجدوا علیه آباءهم من الإیمان بعالم الغیب وماوراء الطبیعة. البحث عن ﷲ والتواصل مع السؤال عنه وعن صافته سمة الایمان الحق، السؤال عن ﷲ سلم تصاعدي یرتقیه المجتهدون في معرفته، هذه المعرفة التي بدایتها إذعان فطري (حسب اجتهادٍ في تفسیر هذه الظاهرة) ومسوّغها الدلیل، ولكن لا نهایة لها.. الإیمان القائم علی التقلید والكسل أقرب إلی الالحاد، أن لم یكن صنوه في عالم السلوك ... غیاب ﷲ في سلوك البشر ظاهرة تنخر في جسد مجتمعاتنا في هذا الشرق المتبجح بالإیمان... نعم غیابه كمثال ومسوغ وجودي، رغم أنَّه الحاضر الواهب الشاهد الرقیب.
وهنا یلِّحُ الإستفهام علی قارئي الجاد، ولعله قد قال: لماذا العنوان «ﷲ وحدود الفاهمة البشریة»؟
تأریخیاً: كان البحث في نظریة الوجود عامة أو في اثبات وجود ﷲ یأتي لاحقاً بعد درس المنطق ونظریات الحدود والقیاس والبرهان... لكن نظریة البرهان في مضامینها الجوهریة، وبعض الخلفیات الفلسفیة لنظریة الحد، وجزء یسیر من أبحاث نظریة الوجود في سبكها الكلاسیكي تحولت إلی ما یُعرف بنظریة المعرفة؛ ومن ثم تقدمت كلَّ المفاهیم التي تمثل المبادئ التصدیقیة، والأدوات التي یجب أستجلاؤها قبل الورود إلی میدان الإفادة منها، وهذا التسلسل المنهجي الأوفق للدرس المعرفي عامة.
لكن الفاهمة البشریة خضعت لمبضع النقد والتحلیل لدی بعض الحكماء، وأولوا العملیة النقدیة للعقل ومعطیاته وحدوده أهمیةً فائقةً.. واعتقادي أنها سنة مباركة، علینا اقتفاؤها، وتجدید الحیویة في اطارها.. لقد بدأت ازمة «الالهیات» في عالم الغرب حینما بدأ النقد الجاذ للعقل النظري من قبل عمانوئیل كنْت، وما لم یخضع هذا النقد للنقد، ودون ان تستمر الحیویة في عملیة إعادة نقد العقل، واكتشاف حدوده، وما لم تمتلك الالهیات سلاحها العقلي في ظل جدل الفكر المعاصر تبقی الأزمة قائمة علی المستوی النظري، بل العملي أیضاً. العقل العملي بدوره یستدعي اعادة فحصه والنظر إلی نجوم سماواته، وهي تحمل تاریخ أیامنا الراهنة.
هناك كثیر ممن یعتقد معنا أنَّ اشكالیة وقوع «الـشر» في عالم حیاة الآدمیین هي معقلٌ آخر من معاقل الإلحاد باشكاله المتنوعة، حیث وجدت له اشكال. وجوهر هذه الاشكالیة إنها احدی تطبیقات العقل العملي وصغری من كبری «الحسن والقبح العقلي»، كما جاء في تراث السلف من متكلمي مدرسة العقل الكلامیة. لقد جاءت كثیر من سیاقات الجدل حول قضیة «الإلوهیة». وفي هذا الضوء تتبین أهمیة تمحیص «العقل العملي» وفحص أسسه، واخضاعها للنقد، وصیاغة قواعد هذا العقل صیاغة في غایة الدقة المنطقیة، علی غرار العقل النظري.
أجل نتطلع الی الصیاغة المنطقیة الصارمة لقضایا الدرس علی مختلف منابعها ـ سواء رضعت من قواعد العقل النظري أم العقل العملي ـ ذلك إننا لم نعمد إلی هذه الدراسة لتكون منبراً لضجیجٍ خطابي، بل المقدس لدینا في هذه الدراسة هو أنْ نكتشف حقیقة الحقائق، ووجوهها وتجلیاتها، وقدرة العقل الانساني علی تقلیب هذه الوجوه والوقوف علیها... وسنجد أن «المنطق»
ـ بوصفه المجرد من العناصر الفلسفیة الخلافیة ـ سیكون الأداة الأساس في ضبط سبل المعرفة إذا اُتیحت امام الباحثین.
تأسیساً علی ما تقدم تتحدد خطة بحثنا في هذه الدراسة، حیث ستركز في فصولها المتتابعة علی معطیات الفكر الحدیث، وسیكون فصلها الأول بادئاً بعمانوئیل كنْت، لنرد درسنا من مؤسس النزعة النظریة لنقد المیتافیزیقیا، بغیة اكتشاف میتافیزیقیاه، ذلك ان نفرز العناصر القبلیة ـ حیث یسعنا الفرز ـ عن معطیات «كنْت» النقدیة البعدیة، التي ستكون مركز اهتمامنا البالغ في تفسیرها ونقدها وفق معاییر نسعی بدورنا ان نتحرر فیها من دوغما میتافیزیقیا غیر مُدلَلَةٍ!
یُسوّغ لي هذه البدایة ـ رغم سبق كنْت فلسفات واتجاهات متنوعة أفاد منها كنْت ـ ان صاحبنا كان وفیاً لشعار عصر التنویر الذي رفعه بنفسه «كن جسوراً علی التفكیر لنفسك» مضافاً إلی ما أكدت علیه في أكثر من مناسبة، وقد وجدت أخیراً من یؤید ما أكدته، وهو أحد كبار الباحثین حیث قال:
«عند ایمانویل كانت (1724 ـ 1804) تتلاقی دروب الفلسفة الحدیثة جمیعاً، لتتفرع عنه مرّة أخری. ولیست مشكلة ﷲ استثناء من هذه المركزیة التاریخیة. ومن یفهم نظریته عن ﷲ، یشاهد الحقبة السابقة من النظر اللاهوتي ملخصةً، كما یشاهد التطورات اللاحقة علی هیئة نواة»( ).
سنعكف علی درس «كنْت»، حیث یؤسس للإیمان أخلاقیاً، ویُفلِسُ الإیمان معرفیاً، فیضحی لنا ایمان وتضحی لدینا معرفة، أحدهما مختلف عن جنس الآخر، اختلاف جنس الملائكة عن جنس الجن! وسنتابع في الفصول اللاحقة أبرز معالم ومدارس الغرب الحدیث والمعاصر في میدان اشكالیة بحثنا. لكن هذه المتابعة المجهدة والتي تتطلب صبراً قد لا یتاح لنا ونحن علی عتبة شیخوخةٍ، انهكتها الأیام... لکنها لا تعفینا من الوقوف بجد وبشكلٍ مستقل علی موضوعٍ طالما طُرح ویطرح بصوتٍ عالٍ حول اشكالیة البحث، وهو: العلاقة بین العلم والایمان.. والعبور من منجزات العلوم إلی اثبات وجود «ﷲ».. أو العكس التشبت بمنجزات العلوم لإنكار العقل المبدع المنظم لوجود الكون! سوف نمر مروراً عابراً علی تاریخ هذا الجدل القدیم الجدید، بل المتجدد! لكن كل تركیزنا سینصب علی معالجة الاشكالیة منهجیاً، وهل هناك امكانیة منطقیة حقاً تتیح الانتقال من عالم العیان والمسلمات التجریبیة إلی عالم الوجود المتعالي علی الحس والتجربة؟ وأخیراً:
لا یسعني الا ان أقرر أن الجهد الذي اسعی لبذله في هذه الدراسة هو تأملٌ عقلي حر، سأجتهد بكل جرأة فیما أقول، وسأعرب عن قناعاتي كما هي... وأيُّ جهدٍ یدور في إطار معالجة اشكالیة البحث خارج هذه الروح الحرة الاجتهادیة مجانب للصواب مهما اختلفنا في تعریف الصواب! علی أن لا یفوتني التأكید انني سألتزم بمعاییر المعاصرة، وسأعمد ما استطعت الی الإیضاح والوضوح، عسی أنْ أفید واتعلم، مما أبذله من جهد في أخطر اشكالیات المعرفة والحیاة علی طول تأریخ المعرفة الانسانیة المدید.
ولا یفوتني ان اسجل ما یخالج خاطري من شعورٍ عمیق بالأسی، جراء محاولات بعضهم صوب جر هذا البحث إلی هرج، وضوضاء الاعتراض السلوكي، حیث استغلال عناصر المراهقة الجسور، دون وعي أو دون رحمة من ضباط الایقاع بأن عزفهم علی وتر الالحاد وما یستتبعه من ردود العصبیة الدینیة له آثاره المخربة علی المعرفة ونموها، وعلی خفض حدة التوتر في مجتمعاتنا، التي تمزقها الحروب الدینیة والطائفیة.
الفصل الأول
الالوهية في الفلسفة النقدية الحديثة
یُعتبر «أمانویل كانط» Immanuel Kant (1724 ـ 1804) بصفة عامة أعظم الفلاسفة المحدثین. ولا یمكنني أنا نفسي أن أوافق علی هذا التقدیر، ولكن من الحماقة الا أقر بأهمیته العظیمة.
برتراند رسل
لعل هناك اتفاقاً بین المختصین علی الترابط الوثیق بین نظریة المعرفة لدی «عمانوئیل كنْت»، وبین مواقف كنْت من وسائل الإثبات النظریة للإذعان بوجود ﷲ. فالتفرقة بین الإیمان والمعرفة التي استحدثها «كنْت»() هي نتیجة التلاقح المنتج بین المعرفة وبین مواقف كنْت الأساسیة في الحكمة العملیة. ومن ثمَّ نحن امام فلسفة مترابطة العناصر في المعرفة والوجود وحكمة التدبیر.
إنَّ استیعاب درس كنْت في المعرفة ونقد العقل النظري وفحصه للعقل العملي أمرٌ استدعی مواكب من الباحثین والدراسات، ونافس أرسطو في حجم ما اُستهلك من جهود ودروس لمقاربة فهمه وبسط نظریاته.. أمام هذه الظاهرة وحجم الدراسة التي عزمت علی انجازها تزاحمٌ لابد من معالجته.. والإصرار علی نجاح هذه المعالجة یتوقف علی عنصرین أساسیین:
الأول: الحرص علی توثیق المقولات الأساسیة بشكل صارم، والاعتماد علی المصادر الأساسیة.
الثاني: الجمع بین درجة معقولة من الایجاز المنسجم مع حجم دراستنا، وبین رسالتنا في الوضوح والایضاح وانسجام تسلسل العرض.
اذن! نحن امام فیض من الافكار، التي تتطلب متابعة عقلانیة، نتدبر عبرها تحقیق الهدف الرئیس من هذه المتابعة.. امامنا نظریة في المعرفة ونقد محترف للعقل النظري وللعقل العملي... ویزید ذلك تعقیداً أنَّ امامنا موقف نقدي تاریخي لإرثٍ ضاربٍ في جذور الحكمتین الغربیة والشرقیة بشأن البراهین علی اثبات وجود الباري (الخالق المدبر للعالم)... وتفرقة حاسمة بین المعرفة والعلم وبین الایمان!
استمدت مواقف كنْت الأساسیة ازاء البراهین العتیدة علی وجود ﷲ، استمدت مرتكزاتها من نظریته في المعرفة وخریطته، التي رسمها لحدود العقل النظري. اما الایمان فقد وجد كنْت حاضنته في العقل العملي، بل علی وجه التحدید وجدها علی هامش هذا العقل، فیما یتطلبه من مصادراتٍ ضروریة، حسب الهیكلیة التي رسمها كنْت له. دون أن تكون لهذه المصادرات علی ضرورتها قدرة علی الإثبات الوجودي!
لكن كنْت ـ علی كل حال ـ كان مؤمناً بإله یدبر عالم «نیوتن» الذي حَكَمْتهُ الضرورة، واستحكمت ارجاؤه بسلسلةٍ حتمیة من العلل. لقد استوثقت فلسفة كنْت وتشبثت بعُری نظریة العلم في عـصره، حیث كان نیوتن... ان
لـ «كنْت» عبر تجربته ورحلته ومرحلته التاریخیة قصة یمكن ان نبدأ منها، عسی أن تكون معیناً لنا في اكتمال تصوراتنا عن أحد رواد المعرفة الكبار، ولعلنا نتعرف علی صورة من صور نمو المعرفة لدی رجال الفكر وقادة الرأي، الذین تركوا آثاراً بالغة العمق والأهمیة في المعرفة وفي حیاة الناس.