عدّ خضير الحميري أحد أبرز الرسامين العراقيين في مجال الكاريكاتير، حيث أسهم بشكل لافت في تشكيل ملامح هذا الفن في العراق والعالم العربي. رسوماته التي تميزت بالخطوط المتشابكة والتفاصيل الدقيقة، أصبحت من السمات البارزة في الصحف والمجلات، وتعكس آراءه الخاصة تجاه قضايا متعددة، متناولاً في أعماله الكثير من المواقف السياسية والاجتماعية بطريقة ساخرة، تسهم في نشر رسائل فكرية جادة تتجاوز مجرد التسلية البصرية.
منذ بداياته الأولى في نهاية السبعينيات، شكلت رسومات الحميري علامة فارقة في هذا المجال، حيث اخترع أسلوبًا مميزًا يعتمد على السخرية وطرح القضايا بأسلوب بعيد عن التعقيد، ولكن في ذات الوقت عميق في معانيه. لا تقتصر أعماله على تقديم صورة سطحية، بل تسعى إلى إحداث تأثير فكري لدى المتلقي. وهو يرى أن فن الكاريكاتير ليس مجرد رسومات تسلية، بل هو رسالة توازي المقالة أو حتى دراسة، تعكس الواقع وتطرح الأسئلة المحورية بأسلوب مبتكر.
ما يميز خضير الحميري عن غيره من الرسامين هو اعتماده على خطوط متشابكة ومميزة تساهم في تشكيل الوجوه والملامح التي تميز شخصياته الكاريكاتيرية. اختار الحميري هذه الأسلوب كوسيلة للتعبير عن أفكاره، متفردًا بذلك عن تجارب أبناء جيله في هذا المجال. كما لا يقتصر الحميري على نمط واحد من الرسم؛ بل ابتكر العديد من الأشكال والأنماط التي لها طابع خاص، مثل "زوايا ثابتة"، و"روتين التعقيدي"، و"شعيط ومعيط"، و"شاهدتُ"، وغيرها من التسميات المبتكرة التي تحمل في طياتها لمسة سخرية ودعوة للتفكير العميق.
حصل خضير الحميري على العديد من الجوائز التقديرية خلال مسيرته الفنية، حيث نال الميدالية التقديرية من أولمبياد الكاريكاتير الذي أقامته جريدة "يوميوري" اليابانية في عام 1986. كما تم اختياره كأفضل رسام كاريكاتير عراقي في استفتاء نقابة الصحفيين العراقيين لعام 2000-2001، وحاز على لقب أفضل رسام كاريكاتير عراقي عام 1992. شارك أيضًا في لجان تحكيم العديد من المسابقات الكاريكاتيرية، مما يعكس مكانته البارزة في هذا المجال على المستوى المحلي والعالمي.
ولد خضير الحميري في مدينة الحلة (مركز محافظة بابل) عام 1955، وبدأ مسيرته الفنية في مجلة "ألف باء" عام 1979، ليبدأ مشواره في الصحافة العراقية والعربية، متنقلًا بين الصحف والمجلات. استمر الحميري في هذا الطريق حتى أصبح أحد الأعمدة الرئيسية في جريدة "الصباح" العراقية. أصدر عدة كتب كاريكاتيرية، منها "كاري كاتير" الذي ضم مجموعة من رسومه المنشورة في مجلة "ألف باء" عام 1988، و"رسوم مندسة" الذي صدر عام 2021.
شارك الحميري في العديد من معارض الكاريكاتير المحلية والدولية، حيث عرض أعماله في عدة دول مثل بلغاريا، المكسيك، بلجيكا، اليابان، ومصر، مما جعل اسمه معروفًا في الأوساط الفنية العالمية.
حينما يُسأل خضير الحميري عن نفسه، يختصر إجابة حياته الفنية في جملة واحدة: "إن خضير الحميري فنان عراقي امتهن الفن المناسب في الزمن غير المناسب". وهو يعتقد أن فن الكاريكاتير هو أداة قوية لنقل الرسائل السياسية والاجتماعية بشكل غير مباشر، مما يمنح هذا الفن قدرة على إحداث التغيير والتفاعل مع المجتمع.
يبقى خضير الحميري أحد أعلام فن الكاريكاتير العراقي الذي أضاف لهذا الفن بصمة مميزة تُعدّ مصدر إلهام للأجيال القادمة. وبينما تمر السنوات، تظل رسوماته شاهدة على قدرة الفن على تجاوز الحدود وتقديم رسائل ذات مغزى عميق، مما يعكس أهمية هذا النوع من الفنون في عالمنا المعاصر.