بغداد - العالم
تزهو كسوة الكعبة المشرفة بالخط العربي، الذي يعد أحد عناصر الجانب البصري للغة العربية، حيث يتم استخدام خط الثلث الجلي المركب في كتابة الآيات على الكسوة بأحجام مختلفة وأشكال متعددة، إذ يعد هذا النوع من الخط العربي الخط الأنسب والأجمل والأصعب والأكثر طواعية في التشكيل والتنفيذ وإظهار الجمال.
وقال خطاط كسوة الكعبة الشيخ مختار عالم شقدار في وقت سابق إن أول إشارة إلى ظهور الكتابة على الكسوة تلك التي أوردها مصعب الزبيري (ت 236 هـ) أنه كان يكتب في ديباج كسوة الكعبة المشرفة العبارة التالية “لعبدالله أبي بكر أمير المؤمنين، كساها عبدالله بن الزبير”، ثم تأتي إشارة الفاكهي (272 هـ) المتعددة التي تؤكد ظهور الكتابة على الكسوة بشكل ثابت خلال العصر العباسي، ثم توالى ظهور النصوص الكتابية بعد ذلك على الكسوة.
وكُسيت الكعبة المشرفة من الداخل بقماش أخضر كتب عليه بعض الآيات والأدعية، حيث كتب بخط الثلث “إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ”، وعبارة “يا حنَّان يا منَّان يا ذا الجلال والإكرام”، وأيضًا عبارة “لا إله إلا الله محمد رسول الله”.
وتمت مراسم تغيير كسوة الكعبة المشرفة بمشاركة 159 صانعًا مؤهلًا من أبناء المملكة، قاموا بصناعتها في مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة بأيد فنها الإتقان إذ جُمع نسيجها فيما يشبه البنيان المرصوص على مدار 365 يومًا لضمان خروج الكسوة بأعلى درجات الإتقان والجودة.
ومرت مراسم التغيير بعدة مراحل بدأت بالتجهيزات التحضيرية عند الكعبة المشرفة عقب صلاة عصر يوم 30 – 12 – 1445 هـ، حيث تضمنت إنزال ستارة باب الكعبة المشرفة والصمديات والقناديل والحليات، وجاءت المرحلة الثانية بعد صلاة العشاء، حيث نُقلت الكسوة الجديدة من مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة إلى المسجد الحرام، واستكملت جميع المراحل بتغيير الكسوة بعد الساعة 12 صباحاً غرة محرم 1446 هـ بمشاركة مسؤولي الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.
وتم تغيير كسوة الكعبة برفع الكسوة الجديدة إلى سطح الكعبة ثم إنزال الكسوة السابقة تدريجياً وإزالتها، واستعملت في مراسم التغيير 8 رافعات، إلى جانب حواجز بلاستيكية بارتفاع 2.2 متر، وشاحنتان لنقل الكسوة، ونُقلت الكسوة إلى المسجد الحرام وصولاً إلى منطقة المطاف عبر مقطورة طولها 13 متراً.
وأنتجت كسوة الكعبة المشرفة، البالغ ارتفاعها 14 مترا ووزنها 1350 كيلوغراما، بأفخر أنواع الحرير الطبيعي، وتم تطريزها بخيوط من الذهب والفضة، وتضمنت كمية أسلاك فضية بلغت 100 كيلوغرام، بالإضافة إلى 120 كيلوغراما من أسلاك الفضة المطلية بالذهب، واستُخدم فيها 1000 كيلوغرام من الحرير. ويحتوي حزام كسوة الكعبة المشرفة على آيات ويبلغ عرضه من جهة باب الملتزم 11.85 متر وبين الركنين 10.33 متر، وجهة باب إبراهيم 12.20 متر، وجهة حجر إسماعيل 10.10 متر، ويبلغ طول الحزام من كل جهة 94 سنتمترا، ما يبرز حجم العمل الكبير في تصنيع هذه الكسوة.
وتمر الكسوة بعشر مراحل لإنتاجها بدءا من قسم التحلية وقسم الصباغة، وفي المختبر تُجرى اختبارات على عينات الحرير قبل وبعد الصباغة لضمان مقاومتها للعوامل المناخية، وقوة الشد، ومطابقتها للمواصفات والمقاييس المعتمدة. وفي قسم النسيج الآلي يتم تحويل خيوط الحرير إلى بكرات بواسطة مكائن اللف الآلي، إضافة إلى القسم اليدوي، حيث تُجهز خيوط القطن لحشو الآيات القرآنية والزخارف الإسلامية. وتُجهز الملفات بأسلاك الفضة والفضة المطلية بالذهب، وفي قسم الحزام تُطرز الآيات القرآنية والزخارف بأسلاك الفضة المطلية بالذهب وتُحشى بخيوط القطن لبروز الحروف، ثم تُسلم القطع المذهبة إلى قسم تجميع الكسوة، وفي وحدة الجودة تُحدد معايير الجودة المطلوبة لجميع المدخلات والمخرجات، مع متابعة ميدانية في جميع أقسام المجمع لضمان مطابقتها للمواصفات، وفي قسم تجميع الكسوة تُجمع قطع ثوب الكعبة وتُوصل ببعضها البعض.
وتُثبت القطع المذهبة على الكسوة، وأخيراً في عملية تلبيس ثوب الكعبة المشرفة يتم تغيير الكسوة القديمة بالجديدة في اليوم الأول من شهر محرم، وتُسدَل على جدران الكعبة وتُثبت من الأركان وأسفل الكعبة، مع تركيب ستارة باب الكعبة.
وقد شاركت في مراسم تغيير كسوة الكعبة المشرفة لأول مرة في هذا العام منسوبات من الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.
يذكر أن مراسم تغيير كسوة الكعبة المشرفة جرت مع إطلالة العام الهجري الجديد، حيث تابع العالم الإسلامي في بث مباشر مراسم تغييرها التي استغرقت أربع ساعات.