بغداد _ العالم
تعد كركوك من المحافظات الغنية بالآثار التي تعود لحقب زمنية مختلفة عمرها آلاف السنين، ومن هذه المواقع الأثرية ما راح ضحية لتجاوزات المواطنين من خلال بناء مساكن عليها أو استغلالها بطرق مختلفة، حالها كحال مواقع أخرى متفرقة في العراق.
موقع "عرب كومبت" الأثري الذي يقع في حي الواسطي وسط مدينة كركوك، يعتبر مثالاً حياً على تغييب الآثار بسبب تجاوز البعض وبناء منازل لهم فوق آثار تعود إلى عصر فجر السلالات والحضارات السومرية والأكدية والآشورية المتعاقبة.
يشغل الموقع، وهو عبارة عن تلّ يرتفع عما يحيطه من الأراضي، وتبلغ مساحته 50 دونماًن وسبق وأن أجرت العديد من الفرق التنقيبية أعمالاً فيها وعثرت على قطع أثرية فيه، لكنه الآن محاصر بمنازل بعضها يمتلك أصحابها سندات رسمية تؤكد ملكيتهم للأرض، وآخرين زحفوا على التل تجاوزاً دون مسوغ قانوني.
يقول عمار خميس، أحد سكان حي الواسطي، إن "المكان الذي أعلنت عنه دائرة الآثار في منطقة عرب كومبت يقع بين عشرات الدور التي حاصرته وتعود ملكيتها لعدد من الأشخاص يقولون أنهم يملكون الأرض على الرغم من أن تحتها آثار".
ويضيف "هذا التل كان قبل العام 2003 محمي بسياج وتحت رعاية دائرة الآثار والتراث في كركوك، وبعد دخول القوات الأمريكية بدأت ظاهرة التجاوز على أراضي الدولة وغيرها ومنها المواقع الأثرية وموقع عرب كومبت أحدها".
ويشير إلى أن "هناك شخصان قاما ببيع الأراضي على الأهالي بسعر 25 مليون دينار لأرض بمساحة 100 متر مربع، وهكذا تم بيع أطراف التل وما تبقى منه قامت دائرة الآثار والتراث بتطويقه بسياج لحمايته وإجراء عمليات التنقيب فيه".
يقول مدير دائرة الآثار والتراث في كركوك، رائد عكلة محمد، إن "الهيئة العامة للآثار والتراث في وزارة الثقافة شكلت فريقين للتنقيب في موقع عرب كومبت وتم استخراج 250 قطعة أثرية ما بين أواني وأختام وجرار مختلف الأنواع تعود لعصر فجر السلالات والعصر السومري والبابلي الأول".
ويبين "أعمال التنقيب مستمرة في الموقع لكن الزحف السكاني قلص مساحة التنقيب وبعد الانتهاء منها سيتم تشكيل لجنة مختصة لإعادة الأرض لأصحابها بعد التأكد ملكيتهم لها بشكل رسمي".
ويكشف محمد أن "في كركوك 1150 موقعاً أثرياً تعود لحقب تاريخية مختلفة وغالبيتها لم يتم التنقيب فيها وهي بحاجة إلى تنقيبها لغرض استخراج ما فيها من آثار لكونها مواقع مهمة على الخارطة الآثارية العراقية والعربية والعالمية ويمكن لها أن تكشف معلومات عن حقب تاريخية مهمة".
ويتابع "هذه المواقع تحتاج إلى حماية من حالات التجاوز أو نبشها وقد سجلنا في عاميّ 2018 و2019 حالات نبش لمواقع أثرية في كركوك والدائرة لديها فقط تسعة حراس على الملاك الدائم".
وكانت الهيئة العامة للآثار والتراث، قد أعلنت يوم الثلاثاء 22 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، عن اكتشاف موقع أثري يعود إلى فجر السلالات والعصر البابلي القديم، وذلك في تل ضمن محافظة كركوك.
وقالت في بيان، إنها تمكنت من تحقيق اكتشافات أثرية مهمة في تل "عرب كومبت"، حيث أظهرت التنقيبات أن الموقع يعود إلى أكثر من أربعة آلاف عام، وهو ما يعزز فهم تاريخ المنطقة الممتد بين عصر فجر السلالات والعصر البابلي القديم (الألف الثالث والثاني قبل الميلاد).
ويؤكد المؤرخون أن عمر مدينة كركوك التي تقع على بعد 250 كيلومتراً شمال شرق العاصمة بغداد، يقدر بنحو 5000 عام، ويعتقد البعض أن أصل تسميتها يعود إلى الحقبة الآشورية حيث أطلق عليها اسم "كرخاد بيت سلوخ" التي تعني "المدينة المحصنة".
من جانبه، يقول المختص في شؤون الآثار، علي عباس، أن "الآثار المكتشفة في موقع تل عرب كومبت هي جزء من الحضارات التي تعاقبت في العراق وفي غالبها تعود للحضارة السومرية والأكدية والآشورية وغيرها"، لافتا إلى أن "مناطق جنوب كركوك وآثارها تعود للحقب التاريخية التي ظهرت في بلاد الرافدين".
ويلفت إلى أن "المواقع الأثرية الموجودة في كركوك بحاجة إلى توسيع نطاق التنقيبات العاملة فيها وخاصة مناطق جنوب غرب كركوك، حيث هناك مواقع وتلول أثرية تعتبر منجم للحضارات التاريخية وما تحويه من قطع أثرية يمكن لها تغيير الكثير من المعلومات والحقائق التاريخية للحضارات التي عاشت على أراضي العراق مهد أقدم الحضارات الإنسانية".