سلام عادل
يصل الرئيس الإيراني الجديد الدكتور مسعود بزشكيان إلى العراق يوم الأربعاء من الأسبوع الحالي، على رأس وفد رفيع المستوى يضم 150 شخصاً، وتشمل زيارته النجف الى جانب العاصمة بغداد، والتي من المزمع أن تتكلل بتوقيع ما لا يقل عن 40 مذكرة تفاهم، إلى جانب الإعلان عن اتفاقية نوعية تتعلق بشؤون الأمن، فضلاً عن توسعة تفاهمات الشراكة الصناعية لتصل إلى مرحلة إنشاء مدن صناعية مشتركة، من المتوقع أن تربط البلدين على طول الحدود الطويلة الممتدة من الجنوب العراقي حتى شماله.
وشهدت العلاقات بين العراق وايران تطوراً ملحوظاً خلال العشرين سنة الماضية، تعتبر الأفضل من نوعها في تاريخ العراق السياسي الحديث، بل ولم يشهد العراق مثل هكذا علاقات خارجية مع أي دولة أخرى، سواء مع دول الغرب أو المنظومة العربية وحتى الإسلامية، وتؤكد الأرقام حقائق مذهلة عن التواصل المتحقق بين طهران وبغداد، من بينها زيارات مليونية بين الشعبين تحصل سنويات لأغراض سياحية ودينية، ودفعات لا حد لها من الدارسين بلغت العام الحالي رقما يصل إلى 100 ألف طالب عراقي، جميعهم يدرسون في جامعات الجمهورية الإسلامية، والرقم في تزايد مستمر.
واللافت للنظر أن (بورد الرحلات) في خمسة مطارات عراقية (مطار بغداد، البصرة، النجف، السليمانية، أربيل)، يشهد يومياً وجود رحلات قادمة ومغادرة لخمسة مطارات إيرانية (مطار طهران، مشهد، أصفهان، رشت، كيش)، مع حركة نقل أخرى للركاب والبضائع عبر الحدود البرية، من أبرزها (معبر الشلامچه، مهران، سنندج، حاج عمران)، مما يعطي مؤشرات واضحة عن عمق وسعة التواصل الحاصل في ظل رفع تأشيرات الدخول، بل ووصل الحال عدم وضع ختم الدخول والمغادرة على جواز المسافر العراقي، وهي حالة تكشف عن حجم الثقة والاحترام الذي تبديه السلطات الإيرانية للمواطنين العراقيين.
وفي كل الأحوال، تعتبر زيارة الرئيس الإيراني إلى العراق مرحّب بها كثيراً، باعتبار أن الجمهورية الإسلامية أبدت أفضل المواقف الداعمة والساندة للعراق خلال السنوات الماضية، وهي لطالما بحثت عن التكامل مع العراق وفق قواعد الشراكة وحسن الجوار والاحترام المتبادل، وهي حالة نموذجية في العلاقات الدولية لطالما كان العراق يأمل أن تتعامل معه وفقها بقية الدول، على رأسهم دول الجوار، والأهم دول المجموعة الغربية، من بينهم الولايات المتحدة الأمريكية، والتي مازالت تتخبط بنوع من الغطرسة والسلوك المتعالي والإجرامي حتى، من دون أن تفكر بنزع وجهها القبيح الذي يحمل ملامح المحتل.
وكان الرئيس الإيراني في مقابلة تلفزيونية قبل أيام أشار إلى أن زيارته الخارجية الأولى ستكون الى العراق، وقد يتم استقباله في مكاتب المرجعيات الدينية في النجف أثناء زيارته حضرة أمير المؤمنين، فيما ستكون الدولة العراقية وجميع القوى السياسية في استقباله أثناء وصوله القصر الحكومي، ولعل البلدين بهذه الزيارة يبعثان رسائل واضحة إلى العالم تؤكد على عمق العلاقات، خصوصاً أن الرئيس مسعود بزشكيان يحظى بدعم غير مسبوق من السلطات والشعب الايراني، وهو طبيب جراح يمثل سياسة الاعتدال والإسلام الحضاري الوسطي الذي يتميز به المذهب الشيعي.
ومن هنا تعد زيارة الرئيس الإيراني إلى العراق، بهذا النوع من الاهتمام وما تنطوي عليه من شراكات مستقبلية، إنما هي زيارة مفيدة للعراق، الذي يتطلع للتنمية والبناء والشراكات الاقتصادية، ويكفي في هذا الإطار النظر إلى النهضة والتطور الإيراني المتواصل في كافة القطاعات، رغم الحصار المفروض بشكل ظالم عليها بسبب مزاجيات واشنطن وسياساتها المعادية للشعوب الشرقية، الأمر الذي يجعلنا كعراقيين ننظر إلى زيارة الدكتور مسعود بزشكيان، إلى بغداد والنجف، بكونها زيارة دين وسياسة ومحبة.