أحمد رامي... حكاية شاعر اشتعل حبا فأضاءت «كوكب الشرق»
27-آب-2022
مي إبراهيم
حينما يذكر اسم أحمد رامي لا يتبادر شيء إلى الأذهان سوى صوت أم كلثوم يشدو بكلمات في غاية العذوبة، تفيض بمشاعر الحب والهجر واللوعة، كتبها رامي على مدار سنين طويلة، عبر بها بصدق عن أحاسيسه تجاه "كوكب الشرق"، فكانت كل أغنية بمثابة توثيق لحال من العشق يعيشها الشاعر الذي عانى أقسى أنواع الحب مع أم كلثوم، إذ كان "حباً من طرف واحد".
ولد الشاعر أحمد رامي الذي تحل هذا العام ذكرى ميلاده الـ130 في عام 1892 بحي السيدة زينب بالقاهرة، ودرس في مدرسة المعلمين التي تخرج فيها عام 1914 ليسافر بعدها إلى باريس ببعثة لدراسة اللغات الشرقية ونظم الوثائق والمكتبات ويحصل على شهادة من جامعة السوربون.
إلى جانب نظمه الشعر عين أحمد رامي في مناصب عدة، من بينها أمين مكتبة دار الكتب المصرية، وأمين مكتبة بعصبة الأمم في جنيف بعد انضمام مصر إليها، كما عمل مستشاراً للإذاعة المصرية، ونائباً لرئيس دار الكتب المصرية، ومن أهم مؤلفاته "ديوان رامي"، بأجزائه الأربعة، و"أغاني رامي"، و"غرام الشعراء"، و"ترجمة رباعيات الخيام".
حصل أحمد رامي على عديد من التكريمات في حياته، حيث منح جائزة الدولة التقديرية عام 1967، وحصل على وسام العلوم والفنون، والدكتوراه الفخرية، كما حصل على وسام الكفاءة الفكرية من الطبقة الممتازة من الملك الحسن ملك المغرب، وحصل على وسام الاستحقاق اللبناني المرموق، ومنحته جمعية الملحنين، ومقرها باريس، درعاً تذكارية.
كان رامي من رموز عصره من الشعراء، وأهم من كتبوا الشعر الغنائي في القرن العشرين، وأطلق عليه شاعر الشباب، وشكلت أعماله وأغنياته التي كتبها لكبار النجوم علامات في تاريخ الغناء العربي، وكان من ضمن رواد عملوا على تطويره منذ بدايات القرن العشرين.
وعن بدايات رامي في عالم الكتابة يقول الشاعر علي عمران لـ"اندبندنت عربية"، "شهدت فترة نهاية القرن الـ19 ميلاد مجموعة من العظماء في مصر بشتى المجالات، ومن بينها الفن والأدب، مثل طه حسين، وعباس محمود العقاد، وسيد درويش، وبيرم التونسي، وأحمد رامي، وبدأ إنتاجهم الفني في الظهور مع بدايات القرن العشرين ليحدثوا نهضة ثقافية كبرى نعيش على أثرها حتى الآن، وفي مجال الشعر يمكن القول إن نهضة شعرية جديدة تأسست بعد نهضة الكلاسيكية الشعرية على يد محمود سامي البارودي الذي تتلمذ هو وأمير الشعراء أحمد شوقي على يد الشيخ حسن المرصفي، فجاء رامي والأرض ممهدة بجهود هؤلاء العظماء".
ويضيف، "ظهر إنتاج رامي الأول وهو في سن الـ20، وعرضه على حافظ إبراهيم الذي دفعه للتطوير من نفسه وإيجاد صور شعرية جديدة، ويمكن القول إن رامي كان أقرب لشعراء المدرسة الرومانسية التي لم تكن قد تأسست بعد عند بداياته في عالم الشعر وروادها هم علي محمود طه، وإبراهيم ناجي، ومحمود حسن إسماعيل، لكن المنطقة الأساسية التي برع فيها رامي، وكان رائداً وغير مقلد، هي الشعر الغنائي، أو القصيدة المغناة".
مع بدايات القرن العشرين بدأ ظهور السينما في مصر، إلا أنها ازدهرت مع مطلع فترة الثلاثينيات، وكان أحمد رامي من بين الرواد في الكتابة للسينما، سواء كتابة الأغاني أو كتابة قصص الأفلام والحوار، حيث شارك في نحو 30 فيلماً من كلاسيكيات السينما المصرية، ومن بين أشهر الأفلام التي كتب لها الأغنيات "الوردة البيضاء"، عام 1932، و"يحيا الحب" من إنتاج عام 1938 لمحمد عبدالوهاب، وبعض أفلام ليلى مراد التي حملت اسمها وحققت نجاحات كبيرة، وأفلام لفريد الأطرش، إضافة إلى أفلام أم كلثوم.
عن تجربة رامي السينمائية يشير عمران إلى أنه "كان من أوائل من تعاملوا مع السينما الوليدة في هذا الوقت، فكان كاتباً شاباً قادماً من فرنسا ومطلع على أحدث ما وصلت إليه الفنون، فكتب كثيراً من أفلام هذه الفترة مثل "عايدة"، و"وداد"، و"دنانير"، كما كتب أغنيات كثيرة لأفلام المرحلة لمطربي هذا العصر الذين اتجه كثير منهم للسينما".
ومن تجارب رامي المتميزة التي ينبغي الإشارة إليها أيضاً ترجمته لرباعيات الخيام التي نقلها من الفارسية مباشرةً، وتعتبر الترجمة الأفضل والأقرب إلى الشعر والشاعرية باعتبار أن رامي كان شاعراً ومتقناً للفارسية مما جعله متمكناً من أدواته واستطاع نقل المعاني والحفاظ عليها بدرجة كبيرة.
رامي ومطربو عصره
يا دنيا يا غرامي يا دمعي يا ابتسامي
مهما كانت آلامي قلبي يحبك يا دنيا
الكلمات السابقة من أشهر أغنيات محمد عبدالوهاب التي كتبها أحمد رامي، حيث كتب لمعظم كبار المطربين في النصف الأول من القرن العشرين، إلا أن جميعها وعلى الرغم من تميزها وكونها حالياً من أجمل كلاسيكيات هذه الفترة، فإنها لا تقارن بتجربته في الكتابة لأم كلثوم، فهي التجربة الأبرز والأشهر والأكثر تألقاً.
عن تجربة رامي مع فناني عصره، يقول عمران، "كتب رامي لمطربي عصره من أمثال ليلى مراد وأسمهان وفريد الأطرش، وكتب أيضاً لمحمد عبدالوهاب الذي كان له معه تجارب ناجحة، وكتب له مجموعة من أشهر أغنياته مثل (يا دنيا يا غرامي)، و(يا وابور قولي)، و(هان الود). إلا أنه في تلك الحقبة كان هناك قطبان للغناء في مصر هما أم كلثوم وعبدالوهاب، ولم ترض أم كلثوم عن كتابة رامي لعبدالوهاب الذي يعد منافسها الأقوى، وعندما ثار غضبها من هذا الأمر اتجه رامي إلى قطب أم كلثوم التي تألقت وأبدعت في غناء كلماته وقلل التعاون جداً مع غيرها، وعلى رأسهم عبدالوهاب الذي اعتمد بعدها بصورة كبيرة على الشاعر حسين السيد".