أسرار بلاد الرافدين.. كيف تمكن الذكاء الاصطناعي من قراءة النصوص المسمارية القديمة؟
28-تشرين الأول-2024

سمية زاهر
وراء باب مغلق في المتحف البريطاني بلندن، تقع مكتبة جميلة ذات أسقف مرتفعة ومقوّسة مستترة داخل غرفة سرية، هناك حيث يفتح الدكتور إيرفينغ فينكل، مساعد أمين المتحف البريطاني للنصوص ولغات وثقافات بلاد الرافدين القديمة، أحد الأدراج ليُخرج لوحًا من الطين مُحترقًا ومتصدعًا يحمل أحرفًا صغيرة تنتمي لأقدم لغة في العالم، يتضح أنها قائمة بالتنبؤات المستقبلية، أو نصوصا تحمل دلالة على حدوث شيء ما في المستقبل. بعدها يفتح درجًا آخر ليكشف عن لوح ثانٍ. يقول فينكل الذي يُعتبر من عدد قليل جدًّا من المختصين الذين يمكنهم قراءة هذا النص المندثر منذ زمن طويل والمعروف باسم الكتابة المسمارية: "إن هذه النصوص عبارة عن دعاء للإله مردوخ" (كبير آلهة قدماء البابليين).
غير أن الوضع تغيّر الآن بفضل التطورات التي طرأت على مجال الذكاء الاصطناعي، إذ تُدرَّب الحواسيب على قراءة وترجمة الكتابة المسمارية، وجمع الألواح القديمة المتناثرة والمُحطَّمة معًا على نحوٍ مبتكر لإعادة إنشاء مجموعات من النصوص والوثائق التي تعود إلى المكتبات القديمة، وحتى القدرة على التنبؤ بأجزاء من النصوص المفقودة. ولأول مرة منذ العصور القديمة، ستساعد هذه الأدوات في قراءة أقدم الأعمال الأدبية كاملة، وهو ما سيكشف النقاب عما كانت عليه الحضارات منذ فجر التاريخ. تبدأ قصة الكتابة المسمارية التي يعود تاريخها إلى 6000 عام في بلاد الرافدين، تلك المنطقة الخصبة الواقعة بين نهري دجلة والفرات، التي هي العراق حاليا. تبدأ القصة مع تحول شكل حياة الناس بانتقالهم من العيش في مستوطنات زراعية صغيرة إلى مراكز حضرية كبيرة. وانطلاقًا من هذا المكان، بنى السومريون أولى مدن العالم، وكانت أوروك من أهمها. وبفضل المعابد والنظام المائي في القنوات، كانت المدينة موطنًا لما يصل إلى 50 ألف شخص بحلول عام 3000 قبل الميلاد، كما كانت المركز الإداري للمنطقة ببنية بيروقراطية لإدارة نظام العمل المعقد الذي تطور مع الوقت. على الرغم من أن هؤلاء الأشخاص تحدثوا بلغة تُدعى السومرية، تختلف تمامًا عن أي لغة أخرى نعرفها، فضلًا عن أنها انقرضت منذ فترة طويلة، فإننا مع ذلك نملك سجلًّا مدهشًا عن حياتهم، فعلى ما يبدو قد اشتعل أول فتيل للكتابة من هنا. في ذلك الوقت، كانوا يستخدمون نهاية قصبة لضغطها في الطين الرطب لصنع أشكال تشبه المثلثات أو الإسفين (أداة بسيطة مثلثة الشكل تستخدم في البناء والنجارة للفصل بين جسمين*)، وهو ما أعطى هذه الكتابة اسمها الحديث: الكتابة المسمارية (Cuneiform)، المشتق من الكلمة اللاتينية (Cuneus)، التي تعني الإسفين. صحيح أننا نربط الآن الكتابة بالشعر والأدب، إلا أن الكتابات المبكرة لم تكن لأغراض كهذه، بل تمحورت حول أغراض إدارية مثل تتبع نقل العبيد، على سبيل المثال، أو تسلُّم الحيوانات. بمعنى آخر، تمحور هدفها الرئيسي في تسجيل المعاملات الاقتصادية والإدارية.
الكتابة المسمارية هي في الأساس نظام كتابة وليست لغة في حد ذاتها، بمعنى أنها أشبه بكيفية استخدام الحروف الإنجليزية في كتابة الفرنسية أو الألمانية. وعلى الرغم من اندثار اللغة السومرية فيما بعد، فإن الكتابة المسمارية واصلت سعيها متلمسة طريقها إلى هذا الشكل الذي كُتبتْ به العديد من اللغات الأخرى، مثل الأكادية والحثية والفارسية القديمة. واستُخدمت هذه الكتابة مدة 3000 عام قبل أن تندثر مخلِّفةً وراءها سجلات لمواليد ووفيات الممالك القديمة. وفي النهاية، تمكنا من التوصل إلى هذا التاريخ بفضل الطين الذي نُقشت عليه هذه الكتابة، وهو مادة رخيصة الثمن ومتوفرة بسهولة.
ومن جانبه، يقول فينكل: "إننا محظوظون جدًّا لأن أي لوح منقوشة عليه هذه الكتابة يبقى على حاله ما لم يُلقَ في النهر أو يُحطَّم تماما". واليوم ما زالت آلاف من هذه الألواح الطينية موجودة هناك، وتشكِّل جزءًا أساسيًّا من التراث الثقافي العالمي. وهي عبارة عن سجلات لأولى الإمبراطوريات العظمى في العالم، إضافة إلى ترانيم ورسائل وقوائم تسوق وحتى شكاوى العملاء. وعن ذلك، يقول إنريكي خيمينيز أستاذ الآداب القديمة والشرقية في جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ بألمانيا: "يقولون إن النصف الأول من تاريخ البشرية لم يسُجِّل إلا على هذه الألواح المسمارية".
ربما كان سيتعذر على الخبراء فك رموز الكتابة المسمارية لولا نقش بيستون. ويُعد هذا النصب المنقوش بثلاث لغات والقابع بأعلى جبل يتعذر الوصول إليه في إيران، المفتاح الرئيسي لفك شفرة الكتابة المسمارية. إنه أشبه بحجر رشيد الذي كان مفتاحًا أساسيا أيضا لفهم الهيروغليفية المصرية. يعود النقش المنحوت إلى حوالي 520 قبل الميلاد لتخليد ذكرى تمرد أخمده الملك الفارسي داريوس. ويتضمن النقش ثلاث نسخ من النص نفسه كُتبت بثلاث لغات مختلفة من الكتابة المسمارية التي لم تكن سوى ألغاز في ذلك الوقت الذي تسلق فيه المستكشفون الغربيون لأول مرة سلالم متأرجحة لنسخ النصوص من أعلى الجبل عام 1764.

الضوء الشاحب في نهاية النفق
28-كانون الثاني-2025
ألمانيا والإبادة الجماعية عبر العالم
28-كانون الثاني-2025
قبالة ساحل صقلية العثور على سفينة قديمة عمرها 2500 عام
28-كانون الثاني-2025
الذكاء الاصطناعي يحمي الهواتف من السرقة!
28-كانون الثاني-2025
الفرقة السمفونية: سنقدم حفلا عربيا مذهلا في اختيار بغداد عاصمة السياحة
28-كانون الثاني-2025
خبراء يحذرون من خطورة الانتفاخات تحت العين
28-كانون الثاني-2025
وفاة المخرج السينمائي الكبير محمد شكري جميل
28-كانون الثاني-2025
السوداني: فككنا الفصائل عبر الحوار الوطني بقيت ثلاث أو أربع مجموعات
28-كانون الثاني-2025
النزاهة تفكيك شبكة بكركوك استولت على «720» مليون دينار
28-كانون الثاني-2025
مراقبون يشككون بقدرة المفوضية على اجراء الانتخابات في موعدها
28-كانون الثاني-2025
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech