علي علي
يقول الشاعر العباسي علي بن الجهم:
من ذا الذي تُرضى سجاياه كلها
كفى المرء نبلا أن تُعد معايبه
ما أسعدك ياابن آدم إن قلّت معائبك وكثرت خصالك المحمودة! فالأخيرة سلاحك في الوجود مع أبناء جنسك، فالصدق والأمانة والنزاهة والشهامة والكرم، وغيرها كثير مما لا يحصرها قوسان، أفضل ما يُنعت به الإنسان وسط معيته، وقطعا ينضوي الالتزام بالمواعيد، والوفاء بالعهود المقطوعة تحت هذه الخصال، ولطالما نقل لنا العراقيون المسافرون بعد إيابهم من السفر، عن أهمية الموعد لدى الغربيين والشرقيين من سكان المعمورة، وأظننا نحن العراقيين أولى بهذه الخصال من مجتمعات كثيرة، وكيف لا وعمر موطننا موغل بالقدم، ولحضاراته بصمات طُبعت على حضارات أمم تلته. وسواء أكان الموعد مقيدا بالوقت، أم بتنفيذ عمل، أم بتحقيق منجز، فإن الإيفاء به، والالتزام بتنفيذه على أتمّ وجه، خصلة رائعة تضاف الى الخصال الحميدة التي من المفترض أن يتحلى بها الإنسان السوي، لاسيما إذا كان الموعودون رعية، يتحتم على الراعي إتقان واجباته تجاههم، فهو أولا وأخيرا مسؤول عن رعيته.
ولا يخفى أن العراقيين قد تعودوا طيلة عقود -بل قرون مضت- على إخلاف بعض أرباب مؤسسات البلد بمواعيدهم، إزاء ما موكل على عاتقهم من مهام، كذلك غدت خصلة نقض العهود سمة بارزة، يتسم بها بعض ساسة عراقنا -ولاسيما الجديد- بل هم يتفاخرون بعدم الاكتراث بمواثيق تربطهم مع ملايين العباد، الى حد بات المواطن يناشدهم بملء فيه:
لا تدعني ككمون بمزرعة
إن فاته الماء أغنته المواعيد
إن ما يؤسف له أن التأخير في تنفيذ الوعود ليس عفويا ولا مصادفة ولا ظرفا طارئا، بل هو مقصود ومتعمد، وقد مل العراقيون سماع مفردات التصبير والتطمين السرابية، وتحديدا تلك التي يواري المسؤولون بها تقصيرهم، فقد تشعبت تلك المفردات كثيرا في الخطابات والتصريحات، حتى ناءت بحملها المايكروفونات، وباتت الكلمات الجارية على ألسنة الناطقين بها، محفوظة واسطوانة مشروخة في أذن المواطن، مقابل أعذار جاهزة، وشماعات عديدة يميلون معها حيث مالت، وهم يظنون ان اتباعهم هذا السلوك في التملص من إتمام المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، ينجيهم من وضعهم في قفص الاتهام عاجلا او آجلا، وقطعا هذا ناتج عن أمنهم واطمئنانهم من سوء العاقبة والعقاب، فقد قيل سابقا: (من أمن العقاب ساء الأدب). فكأن المماطلة والتسويف في المواعيد والعهود، صار ديدن من يتبوأون مناصب صنع القرار والبت فيه، وتشريع ما يخدم المواطن والمصلحة العامة، في الوقت الذي كان حريا بمن يتسنم مواقع كهذه، ان يطلق العنان للخصال الإيجابية، ليصل بها أعلى سقف في الأداء والإنجاز، ويسخِّر طاقاته لاختزال ما يمكن اختزاله من الزمن، من أجل اللحاق بالأمم التي سبقتنا بالتحضر، زمانا ومكانا ومكانة وازدهارا.
اليوم ونحن كما نقول (ولد اليوم) لدينا قياديون منتخبون ديمقراطيا لإدارة مؤسسات البلد، ومن المفترض ان يخرجوا من صومعة سلبيات من سبقهم، وعليهم استبدال الطالح من الأعمال بالصالح منها، وكذلك السيئ بالجيد، و (الشين بالزين)، وأن لا يبخلوا على مواطنيهم بإتمام ما وعدوهم به، فهل هم فاعلون؟ وهل يغيرون الصورة الموحشة التي تعكس سلبيات السابقين؟