محمد عبد الجبار الشبوط
لا اشكال عندي ان الاصلاح السياسي مطلب جوهري منذ انحراف العملية السياسية عن مسارها وهدفها الديمقراطي بعد تشكيل مجلس الحكم في تموز من عام ٢٠٠٣. ولعلي اول من شخّص هذا الانحراف وطالب بالاصلاح السياسي لان تشكيل مجلس الحكم كان اول خطوة تأسيسية للطائفية السياسية على النموذج اللبناني. وضع الحاكم المدني لسلطة الاحتلال بريمر اللبنة الاولى لها ووافق عليها "زعماء" المعارضة السابقة من الشيعة والاكراد خصوصا.
لم تكن الاصوات المطالبة بالاصلاح السياسي مسموعة بسبب ضعفها، و انشغال البلد بالهجمات الارهابية المتصاعدة التي كان يشنها تنظيم القاعدة وبقايا البعثيين التي وصلت ذروتها بالغزو الداعشي للمناطق السنية عام ٢٠١٤ واستسلام هذه المناطق لما سمي بالدولة الاسلامية.
لكن في لحظة تاريخية مناسبة، اندلعت تظاهرات تشرين عام ٢٠١٩ مطالبة بالاصلاح. مهما كان الاشخاص القليلون الذين خططوا للتظاهرات وراء الكواليس، فان التظاهرات اكتسبت زخما شعبيا كبيرا توجه الموقف المتحمس لها من قبل المرجعية الدينية في النجف الاشرف واصبح صوتها مسموعا. كان النظام السياسي والاوضاع الاقتصادية بحاجة الى اصلاح. ووصفت المرجعية الدينية التظاهرات بانها حركة اصلاحية. وكادت التظاهرات ان تطيح بالنظام السياسي كله، لكنها اكتفت بالإطاحة بحكومة عادل عبد المهدي، وخمدت تماما بوصول مصطفي الكاظمي الى دفة رئاسة مجلس الوزراء، وهو اعلى منصب تنفيذي في النظام السياسي. قبل صعود الكاظمي اتصل بي مبعوث اميركي وعرض اجراء صفقة مع المرجعية ، خلاصة الصفقة : ايقاف التظاهرات مقابل موافقة المرجعية على "امر ما" لم يكشفه لي المبعوث الاميركي. سألته: وهل مصير التظاهرات بيدكم؟ قال: نعم! لم تقبل المرجعية اللقاء بمبعوث اميركي رفيع المستوى، وتوقف اتصال المبعوث الاميركي بي. بعد فترة وجيزة من ذلك، تم تكليف الكاظمي برئاسة الحكومة. قبل سياسيو الشيعة الاسلاميون به بالإجماع فرارا من زحف المظاهرات وفشل المرشحين المطروحين بل توسلوا بالكاظمي بالقبول حتى قال العامري جهارا: "عاد الحق إلى نصابه بالكاظمي" ولم يندموا على الخيار ولكن عندما تمكنوا وانفضت المظاهرات عادوا لاستبدال الكاظمي بشخص اقرب لهم منه ورفضوا فلانا وفلانا واسقطوا الخيارات وانتهت للسوداني بادارة فالح وشيخ قيس. لم تستطع تظاهرات تشرين ان تؤسس حركة اصلاحية قادرة على الاصلاح السياسي بسبب ممارسات وتصريحات غير مناسبة نسبت الى المتظاهرين الامر الذي جعل المرجعية الدينية تطالب المتظاهرين بتطهير صفوفهم من الفاسدين المندسين. وكان هذا اشارة واضحة الى اختراق الحركة الاحتجاجية من قبل "فاسدين" استطاعوا افساد الحركة والتسبب بانحرافها عن الطريق الصحيح المؤدي الى الاصلاح السياسي والاقتصادي المطلوب. لكن فشل "تشرين" لا يعني فشل الدعوة الاساسية والاصلية للاصلاح، بل ان الدعوة الى الاصلاح اصبحت اكثر ضرورة من قبل بعد ان تمكن الفاسدون الذين "يدورون حول منافعهم بشكل مقرف"، كما قال لي شخص مطلع، من اعادة مسك زمام الامور والسيطرة على المفاتيح السياسية والاقتصادية للبلد. يعرف كل المختصين في الاقتصاد ان البلد يقف على كف عفريت. فالاعتماد المفرط على العائدات النفطية يجعل البلد اسير سعر النفط المتذبذب في الاسواق العالمية. ومع تزايد جهود الدول الصناعية من اجل اكتشاف مصادر بديلة للطاقة يجعل مستقبل العراق المرتبط بالنفط قاتما ومعتما ومرعبا. وكل هذا يحتم تسريع الخطى نحو تحقيق تنمية اقتصادية واصلاح سياسي يسيران في طريق تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي للعراق. واذا امكن تحقيق مثل هذا الاصلاح بالطريق الدستوري والانتخابي فبها، والا فان الضرورة قد تدعو الى تحرك شعبي جديد بنسخة سليمة تتجاوز وتتجنب اخطاء الماضي.