حارث الحسن
استبداد الأغلبية ليس ظاهرة جديدة، بل هو موضوع جدلي في الكثير من البلدان ... مثلاً، في الهند، يقوم رئيس الوزراء ناريندا مودي اليوم باذكاء مشاعر السخط لدى الأغلبية الهندوسية تجاه الأقلية المسلمة (الكبيرة) في مشروعه لبعث القومية الهندوسية، وفي أوربا تصعد قوى اليمين المتطرف وفق أجندة ثقافوية الى حد كبير تمركز موضوع الهوية القومية والخوف من موجات الهجرة ومشاعر الارتياب من المهاجرين، المسلمين والأفارقة في الغالب.
في العراق، ما حدث خلال العقدين الأخيرين، هو عملية "قومنة" للهويات الطائفية والدينية، فأصبح التشيع يظهر كهوية اجتماعية-سياسية، تم بنائها على سردية مظلومية مبسطة (معظم الحركات القومية تستخدم المظلومية في تشكيل سرديتها، وهي مهمة تقوم بها في الغالب نخب سياسية وثقافية )، ليغدو اليوم مسعى "تشييع" الحيز العام وكأنه تعبير عن إرادة الأغلبية التي صارت تُعرف على أساس طائفي – مذهبي. هنالك الكثير من التفاصيل المهمة التي يتم اغفالها في عمليات تشكيل الهوية والرموز، وهذه العمليات تقوم على الاستذكار الانتقائي والنسيان الانتقائي، لكنها كثيراً ما تقود الى شرعنة استبداد الأغلبية وتكريس الحدود بينها وبين الأقليات، وهي في الغالب وصفات لتعميق التوتر الاجتماعي والشروخ الداخلية، لأنها تنمي إحساس المظلومية لدى الآخر الذي تفرض عليه الأغلبية خيارين: امّا الخضوع أو التمرد، هذه الخيارات تتبلور عبر الوقت وبحسب تغير الظروف والزمن الذي يستغرقه بناء سردية مظلومية مضادة وتحولها الى أداة للتعبئة.
استبداد الأغلبية هو في الغالب خيار التيارات السياسية ضيقة الأفق، التي تركن للشعبوية والغرائزية والقطيعية (تحويل الناس الى قطيع يتجه بمسار واحد، وليس أفراداً لديهم خياراتهم الخاصة). أمّا خيار البحث عن المشترك، وتشكيل هوية وطنية منفتحة ومستوعبة للجميع، خصوصاً بعد عقود من الانقسامات والحروب الداخلية، فهو خيار النخب السياسية التي تميل الى الطريق الصعب، ولديها فهم أفضل للزمن وحركة التاريخ، والأهم، لديها مشروع طويل الأمد لا يقوم على عقيدة "الجماعة المنتصرة".
لا وجود لمثل هذه النخب في العراق اليوم...