علاء الطائي
لطالما شكّك بعض المحللين في جدوى ما يسمّى "استراتيجية الصبر الطويل" التي تعتمدها إيران في مواجهتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل، هؤلاء يرون أن طهران تضيّع الفرص، وأنها تراهن على الوقت بطريقة قد تكون مكلفة، خاصة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية. لكن هل هذا التشكيك دقيق؟
وهل بالفعل وقعت إيران في فخ الانتظار القاتل؟
أم أن المسألة أعقد من ذلك؟
إيران لا تبدأ الحروب لكنها تغيّر قواعدها
بادئ ذي بدء، من المهم التأكيد أن إيران نادرًا ما تكون الطرف البادئ في الحروب المفتوحة، العقيدة الأمنية الإيرانية قائمة على "إدارة التوتر دون الانزلاق إلى الحرب الشاملة". الرد الإيراني على استهداف قنصليتها في دمشق لم يكن تصعيدًا من فراغ بل كان دفاعًا عن معادلة ردع إقليمية نرى طهران أنها الضامن الأساسي لوجودها وحلفائها.
الذين يعتقدون أن إيران تمنح خصومها "مبرر الحرب" ينسون أن الطرف الآخر هو الذي بادر بالعدوان وأن الصمت الإيراني كان سيُفهم كتنازل استراتيجي قد يفتح أبواب تصعيد أكبر مستقبلًا.
"الصبر الطويل" ليس ضعفًا… بل إرهاق للخصم
استراتيجية الصبر الطويل ليست سياسة انتظار سلبي، بل هي عملية تآكل بطيء لقدرة الخصم على الصمود، إيران أدارت هذه الاستراتيجية ببراعة في أكثر من جبهة:
- في لبنان، دعم المقاومة منذ عام 2006 أثبت أن طول النفس الإيراني ساهم في تحصين الجبهة اللبنانية وتحويل أي حرب إسرائيلية مستقبلية إلى مغامرة قد تكون مكلفة جدًا لتل أبيب.
- في سوريا، رغم التحديات الكبرى ثبتت إيران أقدامها في الساحة من خلال دعم النظام وبناء شبكة نفوذ طويلة المدى تشمل القوى العسكرية والأمنية وحتى البنية الاجتماعية وهو ما جعلها طرفًا لا يمكن تجاوزه في أي حل مستقبلي.
- في العراق، يتجلى الصبر الإيراني في إدارة تناقضات المشهد السياسي بما يضمن استمرار حلفائها في السلطة مع الحفاظ على القدرة على التأثير الشعبي والعسكري متى استدعت الحاجة.
- وهم الردع الإسرائيلي… يتهاوى تدريجيًا
الحرب الأخيرة في غزة، وما تبعها من ضربات إيرانية موجعة بعد استهداف قنصليتها، كشفت هشاشة ما يُسمى بـ"الردع الإسرائيلي".
إسرائيل التي اعتادت حسم الحروب خلال أيام، وجدت نفسها في حالة استنزاف مستمر، تعتمد على الدعم الأمريكي المباشر للبقاء في ساحة المواجهة.
حتى داخل الولايات المتحدة، بدأت الأصوات تتصاعد – كما عبّر عنها أعضاء في الكونغرس مؤخرًا – بأن هذه "ليست معركتنا… هذه معركة إسرائيل". لقد أصبحت واشنطن أقل حماسًا لمغامرات تل أبيب، في ظل أولويات أمريكية تتجه شرقًا نحو الصين.
هل أخطأت إيران في الحسابات؟
البعض يقول إن إيران أخطأت حين راهنت على أن قوة ردعها ستمنع إسرائيل من التورط في مواجهة مفتوحة، لكن هذا التقدير يتجاهل أن طهران تدير معاركها على مدى زمني طويل، وتُدرك أن إسرائيل لا تملك رفاهية الحروب الطويلة دون غطاء أمريكي شامل، وهذا الغطاء اليوم لم يعد مضمونًا بنفس القوة.
إيران أيضًا تراهن على تحولات المزاج الشعبي الدولي الذي بدأ يضيق ذرعًا بسياسات الحرب التي تقودها إسرائيل.
التأثير على المشهد اللبناني والسوري
في لبنان:
حزب الله أصبح أكثر رسوخًا من ذي قبل. رغم التصعيد الحالي، إلا أن الحزب لا يبدو في عجلة من أمره لخوض حرب شاملة، لكنه في ذات الوقت يواصل تقويض قدرة الجيش الإسرائيلي على الحركة الحرة في الجنوب. الدعم الإيراني المتواصل، سياسيًا وعسكريًا، يجعل أي مواجهة محتملة مع لبنان مكلفة جدًا لتل أبيب وهو ما يعزز من فعالية "الصبر الطويل" كخيار إستراتيجي.
في سوريا:
الوجود الإيراني كان أعمق من أن يُستأصل بضربة عسكرية أو صفقة سياسية، حتى محاولات إسرائيل بالسابق لاستهداف مواقع إيرانية في سوريا، ولو أنها كانت تمسك بالمشهد بشكل كامل وتمتلك من الصلاحيات لكان الامر مختلفاً تماماً.
الخلاصة
استراتيجية الصبر الطويل التي تعتمدها إيران ليست مجرد خيار تكتيكي، بل هي عقيدة متكاملة في إدارة الصراع وتراكم القوة على المدى البعيد:
- إنهاك الخصم تدريجيًا للاستفادة من التحولات الدولية
- والبقاء في حالة جاهزية دون الاندفاع لمعارك خاسرة.
قد يختلف البعض حول مدى فاعلية هذه الاستراتيجية، لكن الوقائع على الأرض – حتى اللحظة – تثبت أن طهران تدير المشهد برؤية طويلة الأمد يصعب على خصومها كسرها في المدى القريب، قد تكون هذه حرب استنزاف طويلة لكنها ليست حربًا خاسرة بالنسبة لإيران.