التقييم من الوهلة الأولى
26-تشرين الأول-2022
محمد عبد الجبار الشبوط
في العشرين من شهر تشرين الاول الجاري أعلنت رئيسة الحكومة البريطانية ليز تراس، استقالتها من رئاسة حزب المحافظين ومن رئاسة الحكومة. حصل ذلك بعد ٤٥ يوما فقط من توليها رئاسة الحكومة وزعامة الحزب. ومما يُستفاد من هذه الحادثة المهمة انه بالامكان تقييم اداء او القدرة على اداء الزعماء ورؤساء الحكومات في وقت مبكر دون الحاجة الى انتظار وقت طويل قد يشهد المزيد من الخراب اذا كان الزعيم او الرئيس غير مؤهل لمنصبه.
مرت على العراق منذ سقوط النظام الدكتاتوري في عام ٢٠٠٣ ثمان حكومات بستة رؤساء. ولم يعد من الصعب ان "نقرأ المكتوب من عنوانه" كما يقول المثل اللبناني. بمعنى انه ليس من الصعب ان نتصور تقييما اوليا للحكومات ورؤسائها منذ الوهلة الاولى. واعني بعبارة "الوهلة الاولى" مرور فترة قصيرة على تولي الحكم يمكن في اثنائها صناعة تصور اولي لمدى قدرة الحكومة على تحقيق نجاحٍ بدرجة ما.
يمكن استخدام بعص المعايير لبناء هذا التصور الاولي، منها:
اولا، شخصية رئيس الحكومة: عرفنا رؤساء حكومات اقرب الامية منهم الى المعرفة والثقافة. ضعاف الشخصية. والعراق يحتاج الى رئيس حكومة قوي الشخصية، قادر على المواجهة واتخاذ القرارات الصعبة. على درجة من الثقافة والمعرفة في السياسة والاقتصاد والشؤون الدولية. يؤمن بالديمقراطية والمواطنة والعلم الحديث. صاحب رؤية مستقبلية. وبالاضافة الى نحتاج آلى رئيس حكومة قادر على مواجهة امراء الحرب والسياسة عندنا اذا تدخلوا في شؤون الحكم والادارة مما لا يقع ضمن صلاحياتهم. وان يقول لهم لا حين تتطلب مصلحة البلاد ذلك.
ثانيا، طريقة تشكيل الحكومة او هويتها: عرفنا الحكومات التوافقية المشكلة على قاعدة المحاصصة والتوافقية والاستحقاق الانتخابي والتقاسم الحزبي والولاء الفئوي او الشخصي. والعراق بحاجة الى حكومة تشكل على الطريقة الديمقراطية. اي حكومة اغلبية سياسية يشكلها حزب وطني كبير وليس حزبا فئويا، او تحالف حزبي وطني كبير ايضا، بحيث تبقى مساحة مؤثرة للمعارضة السياسية.
ثالثا، كفاءة الوزراء: عرفنا وزراء جاءت بهم الاقدار (اي الانتماءات الحزبية) الى المناصب الوزارية. عرفنا وزراء غير مختصين باختصاص وزاراتهم. عرفنا وزراء كرسوا انفسهم لخدمة مصالحهم الشخصية او الحزبية او الفئوية، ماعدا العدد القليل جدا منهم بطبيعة الحال. العراق يحتاج الى وزراء خبراء في مجالات وزاراتهم، ذوي انتماء وطني، واحساس عالٍ بالمسؤولية. لا يهم ان يكون حزبيا او مستقلا، او شيعيا او سنيا او كرديا او عربيا او مسلما او غير مسلم، من داخل العراق او من خارجه. لكن من المهم جدا ان يكون مهنيا، كفؤا، قديرا، مخلصا، نظيفا، نزيها، ولاؤه للدولة والوطن والمواطن وليس للحزب او الزعيم.
رابعا، المنهاج الوزاري: يلزم الدستورُ رئيس الحكومة بتقديم منهاج وزاري ينال الثقة على اساسه. لم يحصل ان قدم رئيس وزراء مكلف منهاجا وزاريا حقيقيا. نحتاج الى منهاج وزاري معلن يشتمل على مصفوفة اهداف او مهام واقعية ممكنة التحقيق ضمن جدول زمني معلن وتستجيب لحاجات وطموحات ومشاكل الناس بعد تكييفها مع الامكانات المتوفرة وضمن اختصاصات وصلاحيات الحكومة في المجالات المختلفة.
يستطيع المواطن ان يشرع بتقييم الحكومة منذ اليوم الاول لتوليها الحكم على اساس هذه المعايير ويستطيع رئيس الوزراء المكلف ان يضع هذه النقاط وهو يشكل حكومته ويكتب منهاجها. ويضع منذ اليوم الاول اقدامه على الطريق الصحيح بشجاعة كافية. فان وجد انه غير قادر على ذلك، فعليه ان ينسحب ويستقيل ويصارح الشعب كما فعلت ليز تراس انه غير قادر على تحقيق ما يأمله الناس منه. وكفى الله شر الحكومات الفاشلة.