بغداد ـ العالم
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقررة في خريف 2025، تتجه أنظار الأحزاب العراقية نحو فئة الشباب، التي باتت تشكّل ما يقرب من 60٪ من المجتمع، بحسب إحصاءات رسمية.
وفي مقدمة هذه الفئة، يأتي طلاب الجامعات، كقوة تصويتية مؤثرة لم تُستثمر بعد بشكل كافٍ في الدورات السابقة، هذه الحقيقة دفعت عددًا من الكيانات السياسية إلى التمدد داخل الحرم الجامعي، لا من بوابة البرامج الأكاديمية أو التثقيف المدني، بل عبر أنشطة طلابية تبدو في ظاهرها خدمية أو ترفيهية، لكنها تخفي خلفها أجندات انتخابية واضحة، تستبق انطلاق الحملات الرسمية بفترة طويلة.
ولم تعد ظاهرة "التسييس" داخل الجامعات حديثًا هامشيًا، بل باتت مشهدًا مألوفًا في كثير من المؤسسات التعليمية، لا سيما الأهلية منها، التي تعاني من ضعف الرقابة وانعدام الرقابة النقابية والطلابية، في هذه الجامعات، تظهر روابط وجمعيات تحت مسميات متعددة، تمارس أنشطة جماهيرية بتمويل لا تخطئه العين، في وقت يعجز فيه الطلبة عن تمويل مبادرات بسيطة من دون غطاء سياسي. يقول الأكاديمي رباح اليساري، إن "الاختراق السياسي للجامعات لم يعد مسألة فردية أو طارئة، بل تحوّل إلى منظومة متكاملة يجري الإعداد لها بشكل مبكر، عبر جماعات طلابية تتلقى دعمًا مباشرًا من شخصيات سياسية نافذة".
ويضيف اليساري أن "كثيرًا من النشاطات التي تُقام اليوم داخل الحرم الجامعي لا تخضع لأي رقابة فعلية، خصوصًا في الجامعات الأهلية التي تفتقر إلى أنظمة داخلية صارمة، ما يسمح بتسرب التأثيرات الحزبية دون موانع".
ولا تخلو الجامعات الواقعة بمناطق النفوذ السياسي التقليدي، هذه الأيام من ندوات "تنموية" أو مسابقات "ثقافية"، تُنظم برعاية كيانات طلابية مدعومة من جهات حزبية، هذه الفعاليات، التي يُفترض أن تكون جزءًا من النشاط الأكاديمي، تحوّلت إلى أدوات تعبئة انتخابية ناعمة، تُستخدم فيها صور لمرشحين، أو رسائل ضمنية تُروّج لأحزاب بعينها.
يرى الخبير في الشأن الانتخابي أحمد العبيدي أن "التمويل الانتخابي في العراق بدأ يتخذ أشكالًا جديدة، تركز على بناء نفوذ داخل البيئات الشبابية، وعلى رأسها الجامعات، عبر ما يسمى بالأنشطة الخدمية أو دعم الجمعيات الطلابية".
ويقول العبيدي أن "الخطورة تكمن في أن هذه الممارسات لا تُصنّف رسميًا ضمن الحملات الانتخابية، ما يجعلها تمر دون محاسبة، رغم أنها تصنع رأيًا عامًا مُوجّهًا، وتؤثر فعليًا في اختيارات الطلبة ومواقفهم السياسية".
واللافت أن هذه الجمعيات أو "الاتحادات" الطلابية لا تتمتع في الغالب بأي اعتراف من وزارة التعليم، بل تظهر فجأة وتختفي فجأة، وفق الحاجة الحزبية، وبعض هذه الكيانات تمول من مكاتب حزبية معروفة، وتستخدم كمنصات اختبار لرؤية مدى تقبّل الخطاب السياسي داخل الوسط الجامعي. وفي حالات كثيرة، تنتهي هذه التجربة بترشيح أحد القيادات الطلابية في الانتخابات المحلية أو البرلمانية، بعد سنوات من العمل في الحقل الجامعي.
ويكشف طلبة من محافظات الجنوب والفرات الأوسط عن تلقيهم دعوات متكررة لحضور ورش تُنظم في قاعات جامعية، وتقدم فيها وجبات مجانية، مع محاضرين يرتبطون بأحزاب دينية أو تيارات سياسية صاعدة، وكل ذلك دون رقابة تُذكر من الجهات الأكاديمية.
وتؤكد شهادات بعضهم أن هذه الورش تنتهي غالبًا بفتح حوارات حول "التغيير السياسي" و"العدالة الاجتماعية" و"المرشحين الشباب"، في رسائل مباشرة أو غير مباشرة يُراد لها أن ترسخ انطباعًا معيّنًا في ذهن الطالب.
ومنذ أن أعلنت المفوضية العليا للانتخابات عن إضافة مواليد 2007 و2006، بات واضحًا أن قاعدة الناخبين الشباب تشهد اتساعًا غير مسبوق، ومع استمرار حملات التحديث البايومتري، يُتوقع أن تشكّل الفئة العمرية بين 18 و25 عامًا كتلة تصويتية تتجاوز 8 ملايين ناخب، ما يجعلها هدفًا مباشرًا للأحزاب التي تسعى إلى كسب أصوات جديدة.
لكن في ظل غياب جمعيات طلابية مستقلة، وبيئة أكاديمية تعاني من التسييس، يجد كثير من الشباب أنفسهم أمام خيارين؛ فإما الانخراط في شبكات حزبية تأمل أن تقدم لهم مستقبلًا وظيفيًا، أو الانكفاء والانفصال عن الفعل السياسي كليًا.
وبرغم إصرار وزارة التعليم العالي على أن الحرم الجامعي "فضاء حيادي"، فإن الواقع على الأرض يشير إلى حالة اختراق متواصلة، تتجدد في كل موسم انتخابي، ومع ضعف البيئة القانونية، وصمت بعض الإدارات الجامعية عن الخروقات، يتساءل مراقبون، عن آلية حماية الجامعات من التوظيف السياسي، والجهة التي تراقب حجم التأثير الذي تمارسه القوى السياسية على الطلبة.