الكويت تستقبل الإسكندر الأكبر في معرض لفنان يوناني
12-شباط-2023
العالم - وكالات
هل كان #الإسكندر_الأكبر مجرد قائد عسكري أراد إنشاء #إمبراطورية كبرى عبر القارات، أم أنه قدم رسائل خاصة بالحوار الحضاري وتفاعل الثقافات؟ وما يجب تذكره هنا أنه كان تلميذاً مباشراً للفيلسوف الإغريقي الأشهر #أرسطو. هذا السؤال واحد من أسئلة طرحها مؤرخون وأكاديميون وفنانون أيضاً ممن أثارت سيرة الإمبراطور المقدوني اهتماماتهم على مدى قرون.
ولعل معرض "الإسكندر الأكبر في الكويت... جسر بين الشرق والغرب" الذي يقام في منصة الفن المعاصر "كاب" في الكويت بالتعاون مع السفارة اليونانية وجامعة الكويت، أضاف جانباً فنياً إلى هذه الأسئلة من خلال تجربة فنان من رواد الفن المعاصر في اليونان والنمسا وهو ماكيس فارلاميس الذي ترك تراثاً فنياً ضخماً أقيم له متحف في النمسا يحمل اسمه "متحف الفن فارلاميس".
لطالما اعتقد فارلاميس، بعد أعوام طويلة من التأمل والدراسة والبحث، بأن الإسكندر المقدوني قدم رسالة حضارية وإنسانية من خلال الأعمال الحربية التي قام بها. فهو يرى أن السؤال السياسي حول الإسكندر ربما يكون سؤالاً إشكالياً، على عكس تأمل سيرته من وجهة نظر أخرى تتعلق بأثر الإسكندر، الحضاري والثقافي، في الدول التي إما قام باحتلالها أو حاول أن يحتلها وأخفق في ذلك. فهو يرى أن ما قام به الإسكندر المقدوني كان مشفوعاً بأسئلة وجودية عن المقدس وعن الروح الإنسانية وعن تفاعل الحضارات.
فكرة الإسكندر
تضمن المعرض نحو 70 عملاً فنياً ما بين التصوير والنحت، تناولت بورتريهات للإسكندر ومشاهد متخيلة من سيرته وبينها أيضا تكرار لعدد من البورتريهات التي يبدو الإسكندر في كل منها بملامح أو بتعبيرات وجه مختلفة. وهو بهذا لم يكن يرغب في محاولة تصور مراحل حياة الإمبراطور المقدوني كافة، بقدر ما أراد أن يعبر عن ثراء الشخصية التي أحيطت أيضاً بطابع أسطوري، والأهم أن يمنح الفرصة للمتلقي أن يبحث عن صورة الإسكندر الذي يخصه، الإسكندر الذي يتصوره شخصياً.
لهذا ففي شرحه لأهمية هذا المشروع بالنسبة إليه يقول فارلاميس إن "هذا العمل الإبداعي المكرس للإسكندر الأكبر هو في جوهره بحث عن المقدس. فهو يتعامل مع الإيمان الإنساني وإيمان الإنسان بالله وحبه الذي لا حدود له. لقد اختار الإسكندر أن يصوَّر عاشقاً للفن، وفيلسوفاً إنسانياً، هيللينياً تحكمه روح التسامح واحترام حضارات الشعوب الأخرى. الإسكندر الخاص بي هو الإسكندر كما صوره المؤرخ بلوتارخوس، الإسكندر رمز الإنسانية اليونانية والفلسفة اليونانية، فلسفة أفلاطون، وكذلك أرسطو الذي كلفه فيليب المقدوني تعليم ابنه. بالتالي لا أتطلع إلى رسم صورة تاريخية للإسكندر، فما يمس قلبي هو فكرة الإسكندر".
تتمثل إذاً محاولة هذا المعرض في تشخيص شخصية الإسكندر أو تقديمها، بل محاولة تقديم ما يسميه "فكرة الإسكندر"، كرسالة حوار بين الحضارات التي جعلته يتزوج من سيدات بعض المناطق التي مر بها في غزواته. ولم يكتف بذلك بل كان يقوم بتعلم العادات السائدة وارتداء الزي الشائع في تلك البلاد. وهو ما قدم فارلاميس له نماذج فنية عدة، سواء في اللوحات التي نرى فيها الإسكندر وهو يعمم رأسه بعمامة بيضاء كبيرة، أو بنماذج المنحوتات التي صورت وجهه وهو يعتمر أنماطاً من العمامات أو القبعات أو أغطية الرأس، مما يعتمره أهل تلك الدول فوق رؤوسهم.
لكن القيمة الرمزية لهذه الأعمال أكبر من هذه الفكرة، فكان فارلاميس يرى أن الروح الأوروبية لا يمكنها أن تنمو إلا إذا تعلق الأمر بثقافات خارج أوروبا. ووصف هذا الأمر قائلاً، "عملت على تحويل الإسكندر إلى هندي، ومصري وأفغاني، إلى عربي من أجل لفت الانتباه إلى هذه الصفات الفنية الغريبة. وينبغي لنا أن نتذكر أن الأشكال التي خلقتها الثقافات الأفريقية هي التي حولت ’أيام أفينيون‘ لبيكاسو. وتمكن غوغان وكيرشنر وماكي من إيجاد الوصلات العصبية والطرق الجديدة. أنا معجب جداً بالمنمنمات الفارسية والهندية لأنها مليئة بالشعر والسكينة".
بيت الشعر
وبين ما يضمه المعرض أيضاً نموذج خشبي لواجهة بيت عتيق الطراز، يعرف باسم "بيت الشعر"، إذ بين ما يشيع في تراث الإسكندر أنه أراد أن يهدم قرية تدعى طيبة في اليونان ليعيد بناءها. لكنه توقف عند بيت واحد قرر أن يتركه بسبب رمزيته لكونه "بيت الشعر"، تعبيراً عن الرسالة الثقافية التي كان يؤمن بها. ولعله أمر بديهي لمن كان تلميذاً لأحد أبرز العقول في تاريخ الفكر المعاصر وهو أرسطو.
وبين ما يسلط هذا المعرض الضوء عليه ويجعل منه ما يشبه رسالة أراد أن يقدمها فارلاميس إلى العالم، رسالة كان سبق له التعبير عنها بقوله، "فكرة الإنسانية بوصفها الوطن المشترك للبشرية جمعاء. فكرة التسامح هذه التي مثلت الرؤية العظيمة للإسكندر الفيلسوف، تلميذ أرسطو، المقدوني. كل الرجال في كل مكان في العالم لديهم الرغبات نفسها لحياة يعيشونها في سلام ورخاء وجمال وعرفان لله، الخالق العظيم. وكفنان فإنني أمتلك الحرية، حرية أن أضع عملي حول عظمة الله لخدمة الحب والسلام وإرسال رسالة الإيمان هذه إلى كل العالم بأمانة وكرامة وتواضع. اليوم تستعر قوى الشر والبشاعة بالهوس الذي لا يعرف القيود. فلدينا اليوم الظلم والحرب والكوارث الطبيعية، وتفسخ المعايير الأخلاقية مع مذهب المتعة والغطرسة المادية التي لا حدود لها. وهذا الانحطاط الأخلاقي هو الخطر الأكبر الذي يواجه البشرية اليوم".
يتضمن المعرض كثيراً من الإشارات الرمزية، فبينما تشير بعض التفسيرات القرآنية، المختلف عليها بطبيعة الحال، إلى أن ذا القرنين المذكور في سورة الكهف هو الإسكندر، فقد استخدم فارلاميس هذه الرمزية في عملين تناول بهما فكرة القرنين في بورتريه شخصي للإسكندر وحاول دعم ارتباط القرون بالخوذات الحربية التي اشتهر بعضها بوجود قرنين فيها.
وتتضمن أيضاً بعض الأعمال ظهوراً رمزياً لشخصية الأم (أوليمبياس) بوصفها الشخصية التي كان لها تأثير طاغ في الإسكندر على امتداد حياته. وتم تشخيص الأب أيضاً (الملك فيليب) وبعض زوجاته، خصوصاً الأكثر شهرة (روكسانا) التي تعود أصولها إلى بخارى. وهذا في نماذج متباينة من الأعمال الفنية ووفق تصورات الفنان عن العلاقات التي جمعت الإسكندر بكل شخصية مما ذكرناه.
وسائط وتقنيات
والتنوع في المواضيع التي تتحلق حول شخص الإسكندر وجد أيضاً في الوسائط الفنية، بين التصوير والرسم والكولاج والنحت، وعبر فيها جميعاً عن تمكنه من التقنيات الفنية الحديثة، وفي استخدامه للألوان بشكل شديد التميز، بالشكل الذي يقدم به مواضيع لوحاته كأنها تخص الحاضر المعاصر، أو كما لو أنه أراد تمثيل الماضي بما يتلاءم مع قوة المرحلة التاريخية التي عبر عنها الإسكندر.
وتشتهر قصة الإسكندر الذي تمكن من ترويض حصان عرف بأنه ليس قابلاً للترويض على يد أحد، فقبل الإسكندر التحدي، وتبين له أن الحصان يخاف من ظله كلما رأى ظله، فوجّهه بحيث تأتي الظلال من خلفه فلا يراها، فهدأ الحصان وامتطاه الإسكندر الذي يقال إن صفة "الأكبر" التصقت به بعد هذه الواقعة.
تأتي أهمية المعرض في أنه يركز على جانب يجد علاقة خاصة بين الإسكندر وجزيرة فيلكا الكويتية التي اكتشفت بعض الآثار الغارقة حولها قبل أعوام والتي كشفت عن وجود آثار أسطول الإسكندر الذي مر بها في طريقه من الهند باتجاه بابل. ويشيع أنها ذكرت الإسكندر بجزيرة شبيهة في موطنه، لهذا أطلق عليها اسم "إيكاروس"، وفقاً لما يذكره المؤرخون القدامى الذين أرخوا لحملة الإسكندر على منطقة الشرق الأوسط.
وهذا أيضاً ما جعل القائمين على هذا المعرض من الطرفين اليوناني والكويتي، يفكرون في فكرة إنشاء متحف دائم في جزيرة فيلكا يضم أعمال هذا المعرض، خصوصاً أن الفنان فارلاميس أنجز نحو 800 عمل فني تقريباً عن الإسكندر فقط، وتضمن المعرض المقام حالياً في منصة الفن المعاصر نحو 70 عملاً فقط من بين تلك المجموعة الموجودة في متحفه في النمسا.
حظي المعرض باهتمام كبير من قبل الجانبين الكويتي واليوناني، وسوف يستمر المعرض حتى منتصف شهر أبريل (نيسان) المقبل.
ولد الفنان ماكيس فارلاميس (1942- 2016) في اليونان وعاش وعمل لأكثر من 50 عاماً في النمسا.عمل مهندساً معمارياً ورساماً ومصمماً ودرس الهندسة المعمارية في جامعة الفنون التطبيقية في فيينا. حاضر في جامعات وأكاديميات أوروبية مختلفة، إضافة إلى جامعة الفنون التطبيقية في فيينا في قسم الهندسة المعمارية. وعام 1988 عين في منصب أستاذ العمارة في أكاديمية سمركرام الدولية في سالزبورغ وقاد دورة الهندسة المعمارية التجريبية. ومنذ عام 1992 تولى إدارة لايديا، المركز الدولي للفنون والتصميم، النمسا. وفي 2009 أسس فارلاميس متحف الفن في والدفيرتل، وهو المتحف الذي يضم بين جنباته مجموعة فارلاميس.