عامر بدر حسون
شهدت الايام الماضية ردة مخجلة على الديمقراطية من قبل عبيد لم يستسيغوا طعمها ومفعولها في كيانهم وارواحهم.
واقيمت للديمقراطية حفلات رجم على الهواء، وقاد هذه الهجمة حملة نير العبودية والمتباهين بوجوده في اعناقهم، ممن اضطروا، سابقا، لمباركة الديمقراطية كعبيد خانعين وليس كاحرار مقتنعين بها.
وهم هنا، والامثال تضرب ولا تقاس، كانوا اشبه بالأعراب الذين قال فيهم القران الكريم:
"قَالَتِ ٱلْأَعْرَابُ امَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلْإِيمَٰنُ فِى قُلُوبِكُمْ"
الحجرات 14
حدث هذا عقب العدوان الاسرائيلي على غزة واعلان اميركا ودول اوروبية دعمها وتأييدها لإسرائيل، وهو طالما حدث عقب كل عدوان وتأييد غربي له.
والهجمة في الكتابة العربية والعراقية على الديمقراطية هجمة اصيلة في هذه الثقافة والكتابة، في حين ان مطالبتها او قبولها سابقا بالديمقراطية كانت على مضض، وهي جاءت تحت ضغط خارجي مصحوبا بهزيمة وفضائح الديكتاتورية (البديل الطبيعي للديمقراطية).
وتتناقل وسائل الاعلام من تلفزيونات وصحف وكتابة على النيت، اخبار الدعم الامريكي والغربي بنشوة من تحرر من عبء ثقيل.
وكانت العناوين ما تنفك تؤكد على "انكشاف زيف الديمقراطية التي خدعونا بها وحاولوا تسويقها الينا".. والدليل دعم الدول الديمقراطية لإسرائيل في جرائمها وعدوانها.
وهذا الهجوم على الديمقراطية جزء اساسي في ثقافتنا.. الثقافة التي تقوم على خلط الاوراق ببعضها ومعاقبة عمرو بذنب ارتكبه زيد.
فالديمقراطية ليست عقيدة تنبثق عنها مواقف وافكار سياسية واقتصادية وانما هي الية ووسيلة في حكم المجتمعات وتسيير امورها.
ويمكن ان تكون الحكومة المنتخبة، بوسائل ديمقراطية، حكومة جيدة او سيئة.. يمينية او يسارية، حكومة تقف مع الفلسطينيين او تقف مع اسرائيل.. حكومة ذات خطوات وتوجهات رأسمالية او اشتراكية او حتى دينية وعرقية.
مواقف الحكومة مسؤولة عنها الحكومة نفسها وليست الديمقراطية او قيم حقوق الانسان والحرية التي تم شمولها بالهجمة.
ويمكن، بل يجب، ان يقال لبايدن ولحكام اوروبا انهم، بتأييدهم لإسرائيل، ارتكبوا فعلا اجراميا يساعد ويشجع المجرم على المضي في جريمته.. وانهم خالفوا روح ونصوص القوانين الدولية والوثائق التي تبنتها دولهم في اوقات سابقة عن الصراع العربي الاسرائيلي.
لكن روح العبيد مسكونة ومشغولة بروح الديكتاتور المضمر في اعماقها، وهي لا ترى في الذي حصل سوى فرصة سانحة للتبرؤ من الديمقراطية وحقوق الانسان والقوانين الضامنة لها. فتبادر، مستغلة غضب وانفعال الجمهور، للهجوم على الديمقراطية وما يرافقها من قيم واليات.
والهجمة العربية والعراقية لا تريد ان تقول ان دول امريكا واوروبا، وحتى دول عربية، اتخذت مواقف مخزية من قضية الاحتلال والحريات والمساواة لأسباب تخصها وتخص حتى بقايا روح عنصرية في حكوماتها او حتى في جزء من شعوبها.
ولا علاقة لهذه المواقف بالديمقراطية او حقوق الانسان.. فالديمقراطية هي وسيلة واليات لإدارة المجتمع من خلال حكومات منتخبة. والديمقراطية غير مسؤولة عن مواقف ترامب وخصمه بايدن وكذا الامر في كافة الدول الديمقراطية.
اما نحن فنرى، بعمى مبين، ان الديمقراطية هي المسؤولة عن هذه المواقف وننسى، وبتعمد، ان الديمقراطية هي التي اتاحت اليوم وستتيح غدا الفرصة تلو الاخرى في وجود معارضة حزبية او فردية لمواقف حكومات اميركا واوروبا في القضية الفلسطينية.
وصندوق بريدي مثل صندوق بريدكم مليء بالفيديوهات التي تصلنا والتي يتحدث فيها احرار من اوروبا واميركا ضد مواقف حكوماتهم، ويعلنون تاييدهم للقضية الفلسطينية. لكن احدا منهم لم يهاجم الديمقراطية كما فعلت غالبية كتاباتنا.