بغداد - العالم
يعيش حوالي 2 مليون شخص نازح في مخيمات مكتظة شمال سوريا تفتقر إلى الخدمات والإمدادات الأساسية بعد فرارهم من منازلهم بسبب الصراع في سوريا. وتفتقر هذه المخيمات إلى المدارس والمرافق التعليمية، مما أدى إلى تسرب الآلاف من الأطفال من المدارس، وزيادة معدل عمالة الأطفال، والزواج المبكر.
وتشير التقديرات إلى أن 89 في المئة من الأطفال في شمال غرب سوريا يحتاجون إلى المساعدة في مجال الحماية. ويشير وليد الحسين البالغ من العمر اثني عشر عاما، وهو نازح من مدينة كفرنبل إلى مخيم للنازحين في شمال إدلب على الحدود مع تركيا، إلى أن أقرب مدرسة تبعد عن منزله نحو 3 كيلومترات، ويؤكد أن نحو 40 طفلا آخر يسكنون نفس المخيم توقفوا عن الذهاب إلى المدرسة.
ويقول الطفل لوكالة إنتر بريس سيرفس إنه استبدل كتبه وأقلامه بمعدات البناء وتوجه للعمل في أحد مواقع البناء لمساعدة والده في مصاريف المنزل في ظل الفقر وغلاء الأسعار. وسلوى المطر (13 عاما)، نازحة في مخيم كفر يحمول شمالي إدلب، هي أيضا خارج المدرسة بعد أن تبعثر حلمها بإكمال دراستها بسبب بعد المدارس عن المخيم وعدم توفر المواصلات.
وتقول المطر بصوت حزين “كنت طالبة متفوقة، لكن بعد النزوح منعني والدي من الذهاب إلى المدرسة البعيدة عن مكان سكننا لأنها غير آمنة”. وتشير المطر إلى أن والدها يرى أنه لا فائدة من تعليم الفتيات، لأن كل فتاة ستترك منزل والديها لتتزوج وترعى المنزل والأطفال، وسيكون زوجها هو المسؤول عن تلبية احتياجاتها.
وأما فاطمة اليوسف (33 عاما)، نازحة من مدينة معرة النعمان إلى مخيمات كفر شمال إدلب، وهي أم لأربعة أطفال، فقررت إرسال أطفالها إلى المدارس في المناطق المجاورة. وتقول اليوسف “رغم بعد المدارس عن مكان سكننا، إلا أن ذلك لم يمنع أطفالي من مواصلة تعليمهم”. لكن قرارها لم يكن سهلا.
وتواجه اليوسف تكاليف مالية وصعوبة وصول الأطفال في أيام الشتاء بسبب البرودة والطرق الموحلة مما تسبب في إصابتهم بالأمراض. وتؤكد اليوسف أن المدرسة التي يدرس فيها أبناؤها تعاني من نقص حاد في المقاعد والكتب، فاضطر والدهم إلى شراء هذه الأغراض لأبنائه على نفقته الخاصة.
ومع ذلك، هناك بعض المحاولات الشعبية لإعادة تشغيل المرافق التعليمية مرة أخرى للأطفال في مخيمات النازحين. وتطوعت المعلمة سماح العلي (31 عاما)، نازحة من مدينة خان شيخون إلى أحد المخيمات في مدينة أطمة الحدودية مع تركيا، لتعليم الأطفال داخل المخيم. وعلى الرغم من نقص المرافق، فهي مصممة على التأكد من حصول الأطفال على التعليم، تحت شجرة أو في خيمتها.
وتقول العلي “قطاع التعليم في المخيمات مهمل تماما. إذا لم نعتمد على ذواتنا ونعلم الأطفال الحروف والأرقام، فسنجد أنفسنا أمام جيل جاهل. ولذلك تطوعت لتعليم الأطفال دون أي أجر. أقوم بتعليمهم تحت الأشجار أو داخل خيمتي أحيانا، حتى يتمكنوا من اتخاذ خطواتهم الأولى في التعليم”.
وتشير العلي إلى أن مدرستها في الخيمة لا تحتوي على مجلس أو كراسي. ولا توجد أي دفاتر أو كتب مدرسية. أما في الشتاء فالجو بارد لعدم وجود تدفئة. ولم تعد الحصون الأثرية في الشمال السوري وجهة للزوار وشاهدة على حضارة القدماء كما ينبغي أن تكون. والآن تمت إعادة توظيف بعضها كمدارس غير رسمية.
وحولت المعلمة نجلاء معمر (40 عاما)، نازحة من مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، قلعة أثرية إلى مدرسة بوسائل بسيطة. وتقول معمر “العديد من الأطفال النازحين في إدلب ليست لديهم مدارس، لذا فإن مصيرهم هو الجهل الذي يهدد مستقبلهم. لذلك قررت الاستفادة من القلعة التاريخية القديمة القريبة من منزلي وإعادة تأهيلها وتحويلها إلى مركز تعليمي للأطفال في المنطقة”.
وتضيف “سوء الأوضاع المادية، بالإضافة إلى ارتفاع إيجارات المنازل، لم يسمحا لي باستئجار مكان مجهز لتعليم الأطفال، مما دفعني إلى الاستثمار في القلعة الأثرية وتجهيزها بأقل التكاليف. وبمساعدة المعلمين المتطوعين، استقبلت الطلاب الذين تركوا المدرسة لدعمهم بدروس تعويضية حتى يتمكنوا من الالتحاق بالصفوف التي فاتتهم".
وعملت معمر على ترميم أرضية الموقع الأثري وتغطية جدرانه بالستائر لخلق بيئة مناسبة للتعليم، بالإضافة إلى تسقيف المكان بأغطية بلاستيكية (مظلات وعوازل). كما زودت المكان بعدد من الكراسي لجلوس الأطفال عليها وسبورة للكتابة.
ومن جانبها، تطوعت المعلمة نهلة حلاق (25 عاما) لتعليم الأطفال داخل القلعة. وقالت حلاق “أطفالنا خارج المدرسة واقع كارثي، وينتظرهم مستقبل مجهول دون أي مؤهلات لمواجهة تحديات الحياة أو قادرة على المساهمة في بناء وطنهم وإصلاح ما دمرته الحرب”. ويوجد أكثر من 220 ألف طفل في سوريا غير ملتحقين بالمدارس، بما في ذلك أكثر من 340 ألف طفل في شمال غرب سوريا و80 ألف طفل يعيشون في المخيمات.
وكان منسقو فريق الاستجابة السورية قد ذكروا في وقت سابق من هذا العام أن معدل التسرب يعود إلى عمالة الأطفال ومحاولة الأسر إعالة أنفسهم، والزواج المبكر، وبعد المسافة بين منازلهم ومدارسهم. وأشاروا إلى أن هجمات النظام السوري وروسيا أسفرت عن تدمير 870 مدرسة وخروجها عن الخدمة خلال السنوات الثلاث الماضية.
وأكثر من 67 في المئة من مخيمات النزوح البالغ عددها 991 مخيما والتي تضم أكثر من مليوني شخص، لا تحتوي على نقاط تعليمية أو مدارس، حيث يضطر الأطفال إلى السفر لمسافات طويلة ضمن عوامل الطقس المختلفة للحصول على التعليم. وقد فقد أكثر من 55 معلما حياتهم خلال السنوات الثلاث الماضية نتيجة للهجمات العسكرية وهاجر المئات. ونتيجة لذلك، تعاني حوالي 45 في المئة من المدارس نقص المعلمين.