بانتظار البرغي الذي يغيّر الحياة!
10-أيلول-2023
عامر بدر حسون
ايام زمان.. كانت الزراعة هي الشغلة الاكثر انتشارا بين البشر.
وكانت تتم بوسائل بدائية.. ومن تلك الوسائل: رجل الدين!
ورجل الدين هو قارئ الادعية ومعلم الصلوات وصانع الطقوس وهو من يأخذ باسم الكنيسة "التبرعات".
مئات السنوات مرت والفلاح يزرع ويحصد ويحاول ان ينال رضا الله من خلال رضا "ممثله" في الارض.. فقد كانت فكرته ان زرعه وحصاده هو نتاج رضا رجل الدين وادعيته ومباركته..
وعندما يستعصي المطر كان رجل الدين هو من يقوم بصلاة الاستسقاء!
حتى مؤسسة الدولة كانت تحتاج لـ"ممثل" الله هذا، فالملك لا يحكم ان لم تباركه الكنيسة وتمنحه صفة سيف الله في الارض.
وعلى هذا اندمجت السلطة الدينية بالسلطة السياسية الدنيوية، فأصبحت السلطة.. دينية.
كيف انتقل الناس من السلطة الدينية في الحكم الى السلطة المدنية؟
لم يصدر الملوك او الرؤساء قرارات بذلك..
ولم تفكر الكنيسة او السلطة بفك ارتباطهما طوعيا.
لقد حدث شيء خطير وجديد في المجتمع قلب الاوضاع راسا على عقب.
ما حصل ان "البرغي" (رمز الصناعة) إنوجد وتقدم واحتل مكانه في حياة وعقول الناس فتغير كل شيء!
وخلافا للفلاح فان الرجل الذي اشتغل بالصناعة لم يعد بحاجة لرجل الدين في عمله وربما في حياته!
كل ما كان عليه فعله هو اتباع الكاتلوك الذي يحدد الاماكن التي توضع فيها البراغي.
وكانت الالة تعمل سواء كان يقوم بعمله وهو يغني او وهو يؤدي صلواته وادعيته!
مع تقدم الصناعة، وقيامها بتسهيل حتى امور الزراعة، خفت الحاجة لرجل الدين وادعيته.
وخفت حاجة السلطة له تدريجيا، فالذي يشتغل في الصناعة ويستخدم عقله لم يعد يصدق ان مخلوقا ظالما مثل الملك او الرئيس هو ممثل الله.
لقد عرف الله بصورته الجديدة.. عرف ان الله لا يقبل صكوك الغفران التي باعتها الكنيسة لرعاياها.. وعرف ان لا احد تم تخويله من الله بتوزيع القصور والاراضي في الجنة.. فلم يعد يشتريها ولم يعد بحاجة لوسيط بشري بينه وبين الله.
لقد ذهب الى الله مباشرة بعد ان تعلم قراءة الانجيل والتوراة.. وبعد ان عرف ان الله لا يرحب بالواسطة والمتوسطين وخصوصا ان كانوا رجال دين! وعرف ان من "يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره".
فلم يعد بحاجة لرجل الدين!
الحاكم ايضا لم يعد بحاجة له بعد ان ضعف دوره وتأثيره على الرعية.. وتزامن هذا مع نشاط فكري وثقافي جبار زلزل عقول نخب الثقافة السائدة، فتم فض الشراكة وتم فصل الدين عن السلطة..
وهذه كل الحكاية!
مجتمعنا العراقي اليوم هو مجتمع مشوه من الناحية الاجتماعية والاقتصادية.. ونحن دولة ريعية (نبيع النفط وندفع الرواتب ونسرق.. عند توفر الفرصة!) ولسنا في عداد الدول الزراعية او الصناعية.
والواقع ان المشكلة اليوم مشكلة معقدة وعويصة. فهي ليست مشكلة دولة دينية او مدنية (اقرا الدستور كي تتاكد).
جذر المشكلة اجتماعي ثقافي، وما فاقمها ان البراغي (التي غيرت حياة البشر) تأتينا مشدودة من الخارج.
واذا لعبنا بها اصابها الخراب!