حسين فوزي
احتفل المسلمون، من المذاهب جميعاً، من المؤمنين الواعين بجوهر الإسلام بيوم الغدير، ومعهم جمع من غير المسلمين في الوطن العربي والعالم، ممن وجدوا في الإسلام خلاصاً من تسلط اسياد بلا رحمة، في آسيا وافريقيا وحتى في جنوب أوربا.
وقد كان مثاراً للإعجاب، بشكل خاص، تناول السيد مقتدى لمغزى احتفالية يوم الغدير بقوله ما معناه "إن سيدنا الرسول قد اشر في هذا اليوم نعمة إكمال رسالة الدين الحنيف وارتضاء الإسلام ديناً، حيث نزلت الآية الكريمة "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي"، وبهذا يكون السيد مقتدى قد ربط بفطنة بين بين إكمال الدين وبين ولاية الإمام علي ابن ابي طالب، في تخطٍ ذكي لما يستسهل البعض وصف يوم الغدير بالطائفية، كون سيدنا الإمام كان الداعية المتجرد للعدالة بين المواطنين وتوزيع الموارد، مجسداً بعد سيدنا الرسول، جوهر قيم الإسلام في العدالة بمعاملة الناس وتوزيع الموارد بتجرد.
وفي طرح السيد حسم عميق الوعي لمن يجادل بان "الغدير" رمز طائفي، فهو بما شخصه جسد أن هذا اليوم هو من الأيام الأعظم في مسيرة نزول رسالة الإسلام واستكمال ثوابتها.
وفي سياق الحرص الذي يبديه السيد مقتدى في أن تكون طروحاته عنصر جذب لتعزيز وحدة المذاهب الإسلامية، في رسم معاصر لطريق الحكم العادل الرشيد لجميع المواطنين، فأن الوضع السياسي العراقي الراهن يستدعي طروحات مكملة تتناول مفردات حياة المواطنين، بكل أطياف الشعب العراقي، وهي طروحات تحتاج إلى زخم تقبل أوسع الجماهير لها، لتكون نواة تحالف وطني شعبي وسياسي لمعالجة الأزمة المستفحلة في كل مجالات الحياة اليومية والمستقبلة للعراق.
وليس من باب مداهنة أو تلميع التيار الصدري، فأنه القوة الجماهيرية الأوسع من شرائح المجتمع العراقي الأكثر معاناة معيشياً وخدمياً وبقية المجالات كافة. وحين أعلن السيد قيام التيار الوطني الشيعي، فأن الزخم المرتجى له في أن يكون نواة التيار الأقوى لتحقيق الإصلاح والتغيير، يستدعي حشد كل الخبرات العلمية الاكاديمية والعملية والعالمية الصديقة لإنجاز:
1. ضرورة بلورة رؤية منهجية لمعالجة المعاناة المأساوية لغالبية العراقيين، على ان تكون هذه المنهجية مسودة ميثاق عمل قصير/ متوسط الأمد بنقاط واضحة مبسطة، تشخص سبل تلبية الاحتياجات الانية والمتوسطة على طريق الأهداف البعيدة المدى في الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي، تنطلق من تعجيل فائق السرعة، على الطريقة الصينية، لتحقيق صناعة خفيفة شاملة، تكون نواة صناعات متوسطة وثقيلة، بجانب ترشيد الزراعة وترسيخ ارتباط المزارعين بالأرض من خلال تسهيلات الارواء الأحدث، وبقية الخبرات العالمية في مواجهة التصحر وارتفاع درجات الحرارة، في ظل تعزيز وسائط النقل الجمعي، من سكك حديد ومترو ونقل نهري.
2. تعجيل خطط تجاوز تصدير النفط الخام إلى تصنيعه في منشآت تكرير في براري العراق على مسافة من مراكز التجمع السكاني، للحد من نسب التلوث في المدن، وشحذ كل الطاقات لوقف حرق الغاز المصاحب.
3. تعجيل تحويل "توطين الدواء" من شعار يلتف عليه وكلاء الشركات العالمية إلى واقع بدعم القطاع العام والمزيد من التسهيلات للقطاع الخاص، شريطة أن يكون المنتج بأسعار لا تستهدف الربح الباهظ بقدر ما تسعى لخدمة المواطن، من خلال توفير الإعفاءات التشجيعية وتسهيل مستلزمات البحث والتجارب، في تخطي المعايير الجامدة لاستيراد المواد الأولية للصناعة الدوائية وبقية الصناعات الوطنية.
4. استخلاص الجوانب الإيجابية من تجربة مزاد العملة في امتصاص جزء من الكتلة النقدية الجامدة، وترصين التجربة بضبط منصة العملات، لدعم سبل الإنتاج الوطني في كافة المجالات، ما يؤدي إلى الحد من تسرب العملات الصعبة، ويعزز قيمة الدينار وقدرته الشرائية، والتحرر المتزايد من أحادية اقتصاد الريع النفطي، بزيادة موارد الثروة الوطنية.
5. التعامل مع المحيطين الإقليمي والدولي بتوظيف المنافسة بين الخبرات القريبة والغربية والصينية والروسية وبقية ارجاء البلدان المتقدمة والوسيطة، لتسريع الإنجاز وفق مواصفات دقيقة وبكلف اقل.
6. انسجاما مع الطموح في التعايش الإنساني الداخلي والإقليمي والدولي، تأكيد الالتزام بالحرص على احترام المصالح المشروعة لكل الأطراف الدولية، بما ينسجم وتطلعات الشعب العراقي وطموحه في حياة أفضل، وتجنب أي منزلق لمنازعة الجوار وبقية العالم، واعتماد مبدأ التفاوض والتحكيم بعيداً عن تصعيد التوترات التي تستنزف الطاقات والموارد، لكن بدون رضوخ للضغوط والتجاوز على سيادة العراق وترابه ومياهه.
7. العمل على تسريع انجاز ميناء الفاو وحوضه الجاف، مع ضمان تفاهمات مع الجوار، بالأخص تركيا وإيران، بشأن تعزيز مكانة العراق طريقاً رئيساً للتجارة العالمية.
8. تشريع عاجل لقانون سلم رواتب موحد لموظفي الدولة يردم الهوة الساحقة المثيرة للسخط بين رواتب الدرجات الخاصة وبقية الموظفين، والاخذ بتجارب الديمقراطيات العريقة التي لن تزيد فيها رواتب الدرجات العليا الخاصة عن أربعة اضعاف نظرائها، كحد اقصى.
9. تأكيد "حسن الظن" بكل من يقبل منهاج العمل والمواثيق الهادفة للبناء ومحاربة الفساد وضبط الامن والسلاح من قبل السلطات الدستورية للدولة. وتخطي كل شكل من اشكال الشخصنة والاستبعاد، عدا من يدان بجرائم الفساد أو عدم الكفاءة والهدر، من منطلق حشد كل القوى والأصوات لتنفيذ المنهاج، بدون استبعاد أي طرف يتبنى مسيرة التيار الوطني العراقي الجامع بغض النظر عن المذهب أو الجهوية أو القومية أو المعتقد السياسي، والحرص على توظيف خبرات الأطراف المدنية لتوصيف منهاج العمل، في تخطٍ مسؤول للتوصيفات الجاهزة من تراث المعاداة الساذجة للمناهج العلمية الرصينة للبناء والثقافة واحترام قيم حقوق الإنسان، ضمنها المرأة والطفولة، التي كان الإسلام مبشراً مبكراً بها.
إنه تحدٍ كبير يواجه كل من يتصدى للخدمة العامة الوطنية، وفي المقدمة الأطراف السياسية الأوسع جماهيرية، المدعوة لان تكون نواة جذب لتوحيد كل الطاقات لتغيير الواقع المرير وبناء مستقبل أفضل، من خلال تحشيد سلمي جماهيري متزايد الوعي في صياغة كل ما يحقق التغيير، ضمنه قوانين الانتخابات والموازنات العامة والمساءلة عن مصادر الثروة وحسن الأداء في تولي مسؤوليات الخدمة العامة من رئاسات الدولة وحتى اصغر الموظفين، مع بناء نماذج القدوة المشرقة لكبار المسؤولين، وتشديد العقوبات طردياً مع حجم المناصب العامة.