د.صادق السامرائي
العالم ينشغل بالنتائج لأنها ذات ربحية وقدرة على تنمية الإقتصاد وتشغيل مصانع الأسلحة , وإمتهان الأمم والشعوب وإستعبادها بالسلاح وما يتصل به من خدمات , ما دامت تستورده من الآخرين , لتحارب في سبيلهم , لتطوير النتائج وتعقيدها وتغييب الأسباب وتنميتها.
ومن الواضح ووفقا لرؤى جهابذة الفكر والعلم في الدنيا , أن جوهر الويلات المتصاعدة يمكن إختصاره بعاملين أساسيين هما اليأس والفقر أو البؤس , وبنشاطهما تتحقق نتائج فظيعة تعصف في الدنيا , ولن تهدأ ما دامت قدرات تنميتهما أقوى من قدرات تحجيمهما ومعالجتهما.
فالفقر يعصف بمعظم البشر , ويحشره في زوايا خانقة ومظلمة يتساوى عنده فيها الموت مع الحياة , ولا يكاد يفرق بينهما , فيكون هدفه أن يتخلص من معتقل الفقر , فأي زنزانة أخرى أرحم منه وأفضل , ولهذا فأن الفقر طاقة دافعة للقيام بما لا يخطر على بال من السلوك.
والمشكلة التي تواجه البشرية أن الأسود الراتعة المتخومة ترى أن القضاء على الفقر يكون بالقضاء على الفقراء , لأن في ذلك وسيلة لزيادة التأسد والتقدم والإزدهار.
والبؤس من أشد الحالات والعوامل التي تأخذ البشر إلى مهاوي المخاطر , وتدفع به للإتيان بالأعمال المروعة , المنبثقة من براكين اليأس المنحبسة في الصدور والنفوس , وما أكثر اليائسين في المجتمعات التي أوجعها الظلم والقهر والحرمان , وعصفت فيها أمّارات السوء والبغضاء , وهذا يدفع وبقوة عارمة نحو مهاوي الفظائع والآثام.
ويطبق المتأسدون ذات القاعدة على اليائسين بقولهم , لكي تتخلص من اليأس علينا أن نقضي على اليائسين , ونوفر لهم الوسائل الكفيلة بالتعبير عن يأسهم , وسينتحرون حتما بيأسهم , ويدمرون أنفسهم ومجتمعاتهم , وما علينا إلا أن نوفر لهم السلاح الكفيل بالقضاء عليهم أجمعين.
وبهذا تبدو الحالة وكأنها صراعات غاشمة ما بين فقير مسلح ويائس مسلح , وتلك أكبر وأقبح لعبة جرت فوق التراب , ويمارسها الملعوب بهم من اليائسين والفقراء المحرومين , والأسود تتضاحك وتأكل فرائسها السمان , وهي متبخترة بكبريائها في عروشها الخضراء الزاهية بالحياة.
فليأكل اليائسون والفقراء الموت هنيئا , وليتمتع المفترسون بأنخاب سعادتهم الوحشية , وتلك معادلة الحياة عندما يكون البشر فيها عبيدا للبشر المستعبد ببشر آخر , في مسلسل النيل من البشر وقهره وإمتهان وجوده , وتدجينه ليكون أرقاما على يسار أهرامات الإقتدار والسطوة والتسلط , والإستبداد المقنّع بشعارات الديمقراطية والدين , وغيرها من الأضاليل والخداعات والتسويغات لكل عمل مشين.