علي الشرع
فاز ترامب بالانتخابات، ولكن لن يتغير شيء بخصوص سير الحرب مع إسرائيل. فترامب يريد انهاء الحروب ومنها حرب غزة ولبنان حالما يستلم السلطة حسب ما اعلن عنه في حملته الانتخابية، وسنفترض أنه سيفي بها حسب شروطه المعروفة، وهو ما يتعارض مع هدف (حلم) نتينايهو بتشكيل نظام امني جديد في المنطقة يدوم لاجيال من خلال تنظيف المنطقة من كل رافض لوجود دولة إسرائيل. وكي يتجنب نتينايهو مخالفة ترامب -اذا ما اصر على تنفيذ وعوده ولم تحصل ضغوطات حينها عليه- سوف يستغل الفترة الزمنية الى أن يستلم ترامب الحكم فعلياً من اجل تحقيق هذا الهدف، فيضرب بقوة امام انظار العالم المتواطئ معه كل ما يستطيع ضربه من اعداءه المحاربين له والخائف منهم أن يتم تحطيم دولة إسرائيل على أيديهم. وفي ذلك الوقت سيوقف نتينايهو الحرب مع كل الجبهات المقاتلة له التي لم يتبق منها مع اشتداد القصف سوى اطلال ترعب الجميع لن يجرؤ بعدها احد على التحرش بدولة إسرائيل، انها الحرب الأخيرة بالنسبة لجميع الأطراف ثم يعم بعدها السلام، ولكن أي سلام هو!
والمتوقع هو أن ترامب سيوفي بوعده للناخبين في الداخل والداعمين له في الخارج فقد حدث كل الخراب في المنطقة بسبب بايدن وادارته، وعليه اصلاح الوضع حسب رؤيته للإصلاح الذي سيصب في النهاية لصالح بقاء إسرائيل وتحطيم الرافضين لوجودها وبقائها. وامام هذا السيناريو سيكون من الغباء ان يقبل حزب الله وحماس (ومعهم ايران) إيقاف القتال حتى في وضعهم الحالي الذي لا يسر الناظرين. فهم لم يكسبوا شيئاً بعد هذه الخسائر سوى انها اسقطوا اسطورة إسرائيل المتسلحة بسلام امريكي وتقنيات أمريكية، فقد اثبتوا انه يمكن مواجهتها وكسر شوكتها بعد اكثر من سنة على القتال. واذا تساهلوا فسيقبلون إيقاف القتال بشرط ان يطبق حل الدولتين، فاذا رفضت إسرائيل فلابد أن يستمر القتال حتى تتحطم دولة إسرائيل على صخرة الرافضين لوجودها. ومن يريد ان يحتج بضرورة قبول إيقاف القتال كونه مشمول بالاية الكريمة (اذا جنحوا للسلم فاجنح لها)، فهذا ليس بصحيح؛ لأن تطبيق هذه الاية يجري على دولة اسلامية لها استقلاليتها وليست محتلة أراضيها من قبل مجموعة بشرية أتت وتجمعت من الخارج وتسلحوا بالقوة وقاتلوك ثم يطلبوا منك او يفرضوا بالقوة عليك ان تقبل بالسلام معهم؛ لأن هذا استسلام وليس سلام، ومن المؤكد أنه غير مشمول بالاية .
أن قدوم ترامب الى البيت الأبيض يعني أنه سوف يعيد مشروعه التطبيعي للمنطقة؛ لأن إيقاف القتال سوف لن يكون بلا ثمن. وفي جميع الأحوال سواء أسست دولة خاصة بالفلسطينيين او توقف القتال سيساعد هذا نتينياهو في تحقيق هدفه بإعادة تشكيل المنطقة على هواه، ومن ضمن رؤية إعادة تشكيل المنطقة هو تغير هوية أبناءها الثقافية والدينية والسلوكية باتجاه قبول وجود دولة إسرائيل ومستوطنيها بحيث نراهم يتمشون في شوارعنا ونتسامر معهم في المقاهي والملاهي والا لن تكون دولة اسرائيل قادرة على البقاء بمجرد التطبيع على مستوى الحكومات فقط او حصول الفلسطينيين على دولة مستقلة. فايقاف الحرب له نفس النتائج السلبية للقبول بحل الدولتين. وحتى اذا تم قبول حل الدولتين من دون تطبيع رسمي فسيحصل تطبيع نفسي يمتد الى أبناء المنطقة كون هذا القبول يعني انهاء الصراع، وبسببه سيتم إزالة بذرة العداوة من نفوس الناس في النظر الى دولة إسرائيل كدولة مغتصبة لاراضيهم.
ومع كل الاعتبارات أعلاه فأنه من غير المعقول ان تقف هذه الحرب التي تمثل فرصة نادرة للنيل من دولة إسرائيل وتحطيمها مع حجم الخسائر العظيمة التي رافقتها بقتل قادة حزب الله وحماس والمناظر البشعة للحرب والانتهاكات المؤلمة للجيش المجرم لدولة إسرائيل ثم يعود الوضع الى ما كان عليه قبل الحرب بل قد زاد عليه بأن صار الجميع اضعف من قبل من ناحية القوة العسكرية وسيتغير المزاج الشعبي الملتف حولهم، بينما تقوّت إسرائيل وستفرض شروطها على المنطقة التي ستقبل بها مرغمة منهزمة حكامها وغالبية شعوبها على حد سواء. وسيذهب الجميع الى التطبيع حنى من دون الحصول على حل الدولتين. فعلى الاقل في ظل دولة للفلسطينيين يحمون بها اعراضهم من الاعتقالات والاغتيالات يكون ثمناً لهذه الخسائر الضخمة غير المسبوقة. مع الشك في بقاء دولة مبعثرة الأجزاء ونموها الا اذا خضعت لإسرائيل بشكل كامل تأتمر بأمرها وتصطف معها بل وقد تدافع عنها. ومن يريد الاعتراض على حل الدولتين فليدخل في هذه الحرب حتى يساهم في تحطيم دولة إسرائيل اذ ان هذه الدولة المحمية من أمريكا والغرب وتستخدم الالة التكنلوجية التي تزودها بها لقتل الناس لا يمكن تحطيمها بالتصريحات دون الفعل.
لكن ما هي علامة بداية تحطيم دولة إسرائيل؟ الجواب هو دخول الجليل والجولان، اما استمرار القتال على هذه الوتيرة لن ينفع في شيء مادام الغرب لا يتوانى في الدفاع عن إسرائيل والتغاضي عن جرائمها. ولكن كيف ومتى يتم هذا الدخول لهذه المناطق؟ الجواب هو ينبغي توقيته مع الرد الايراني المرتقب على الهجوم الإسرائيلي الاخير عليها حيث يتم تحييد الطائرات الحربية الاسرائيلية من المشاركة في القصف، وحتى تنجح عملية الدخول يجب ان يطول هذا الرد بأن يكون متقطعا على شكل دفعات تسمح بالمقاتلين المحتشدين مسبقا على الحدود في دخول هذه المناطق. فاذا دخلوا يجب ان تستمر ايران بالاسناد. ان من مصلحة النظام السياسي في ايران اذا أراد البقاء من دون مؤامرات إسرائيلي-أمريكية على الداخل الإيراني هو ان تسند بشكل مباشر من خلال جعل الحرب تستعر اكثر ولا تتوقف؛ لأنها ان توقفت ستلتفت أمريكا والغرب الى ايران وسوف يحطمونها وستبقى دولة إسرائيل في الوجود.
ان ما يحدث اليوم هو فرصة أخيرة للمنطقة كي تتنفس بعد تحطيم دولة إسرائيل التي كانت السبب في تخلفنا الاقتصادي حيث فرضت أمريكا والغرب دكتاتوريات وحكومات فاسدة تحكم بلادنا تساهم في بقاء إسرائيل والا لو كانت هناك حكومات وطنية نزيهة تحكم البلاد العربية لما وصلنا الى هذا الحال من التخلف والضعف. لقد كانت ولا زالت هذه للحكومات شرط لبقاء إسرائيل وها هي الفرصة قد أتت فيجب ان لا تضيع فهي لن تكرر في ظل الضغط الكبير على مجتمعاتنا من اجل صنع أجيال من الشباب ميتة الوعي والروح وضائعة بلا هوية ويسهل اقتيادها خدمة لمصالح الغرب.