ثورة العمّال اللودّيين
2-أيار-2024

عضيد جواد الخميسي
اللودّيون الذين سُمّوا على اسم قائدهم الثوري (نيد لود)؛ كانوا عُمّالاً قد احتجوا على مكننة صناعة النسيج خلال الثورة الصناعية، التي اعتقدوا أنها قد صادرت وظائفهم أو هددتها وذلك من عام 1811 وحتى عام 1816 ميلادي . كانت صناعة النسيج منزلية تقليدية ، وتُعرف أيضاً باسم النظام المنزلي؛ حيث كان الغزّالون والنسّاجون يعملون من منازلهم أو في ورش عمل صغيرة ، كما استخدموا معدات بسيطة تعمل يدوياً مثل المغزل و النول اليدوي . بيد أن المخترعين ورجال الأعمال كانوا يفكرون بوسائل أخرى لزيادة معدلات الإنتاج وخفض التكاليف. وقد تم تحقيق ذلك من خلال صناعة مكائن تُستخدم فيها البرواز المائي ( الذي يعمل بفكرة الناعور أو الساقية) أو الطاقة البخارية التي يمكنها إنجاز العمل أكثر بكثير مما يستطيع فرد واحد أن يقوم به باستخدام الطرق الأكثر تقليدية .

المكائن ؛مثل ماكينة “غزل جيني” (التي اخترعها جيمس هارگريڤز في عام 1764)، والبرواز المائي (اخترعه ريتشارد آركرايت في عام 1769 ميلادي، رغماً انه اختراع مصري بدائي قديم استخدم لصناعة المنسوجات القطنية)، ودولاب الغزل (اخترعه صامويل كومبتون في عام 1779 ميلادي)، والنول الآلي (اخترعه إدموند كارترايت في عام 1785 ميلادي) ؛ قد أدت جميعها إلى تسريع عملية غزل الخيوط ونسج الأقمشة بشكل كبير. وكانت الفوارق كبيرة مقارنة بالآلات المستخدمة يدوياً. إذ يمكن لماكينة غزل واحدة أن تجمع 1320 مغزلاً مقارنة بالمغزل المنفرد الذي يُستخدم في دولاب الغزل الخشبي. وقد يحتوي المصنع على أكثر من ستين ماكينة غزل لهذا النوع ؛ وكانت هناك مصانع تستخدم ألف برواز مائي لأعمال النسيج كما في شركة أركرايت .
رغماً من أنه كان هناك العديد من الغزّالين والنسّاجين اليدويين الذين استمروا في عملهم اليدوي ، إلا أنه أصبح واضحاً في أن المستقبل كان يتجه مع المكننة . ولكن الظرف الأسوأ الذي كان يشكل تهديداً حقيقياً لمستقبل العمّال الماهرين في صناعتهم اليدوية ؛ أن مكائن المصانع لا تحتاج لأي مهارة في تشغيلها . حيث أخذ العديد من أصحاب المصانع بتشغيل النساء والأطفال وذلك لتقاضيهم أجور أدنى مما يطلبه الرجال . علاوة على ذلك، فإن اولئك الرجال الماهرون في صناعة المنسوجات الذين تم تشغيلهم في المصانع الجديدة ؛ لم يتمكنوا من الحصول على نفس الأجور التي كانوا يتقاضونها في السابق . وإن المنتجات النسيجية ذات التكلفة المنخفضة التي تطرحها المصانع في الأسواق بأسعار رخيصة ؛ كان لها الأثر البالغ في منافسة المنتجات اليدوية العالية التكلفة . وبالتالي فإن النساجين اليدويين الذين يكسبون أجرهم ما مقداره في يوم واحد ، باتوا يكسبونه في اسبوع . ولم يكن الأمر مجرّد خسارة أموال ووظائف ؛ بل أن عمّال النسيج طالما كانوا يتركزون عادة في مناطق محددة ، فقد دخلت مجتمعات بأكملها في حالة من الاضطراب والقلق . وقد قرر بعض العمّال القتال بشراسة دفاعاً عن مصالحهم ، وكان هؤلاء هم اللودّيون .
لم يكن عمال النسيج اليّدويون بطيئين في مواجهة التهديد الذي تشكله المكائن على مستقبل حياتهم المهنية . فقد كان الرأسمالي روبرت گريمشو في نيته نصب 500 ماكينة من طراز آركرايت في مصنعه الجديد في نوت ميل/ مانشستر، الا انه أُحرق بالكامل في عام 1790 ميلادي بعد نصب 30 ماكينة فقط . كما خطّط آركرايت في بناء مصنعه النموذجي الجديد عمداً في كرومفورد على نهر ديروينت في ديربيشاير، بعيداً عن أي تجمّع لعمّال النسيج ، وذلك حفاظاً على سلامته وأمن مصنعه . وقام فيما بعد بتأمين المصنع ونصب أجراس للإنذار( ميكانيكية) إضافة إلى تحصيناته الواسعة. ولم تكن ظاهرة مهاجمة اختراع المكائن الجديدة غريبة على بريطانيا؛ فقد شهدت فرنسا موجة من تحطيم المكائن على يد مناضلي الطبقة العاملة في الفترة من عام 1789 إلى عام 1791 ميلادي . وقد اُستخدمت نفس التكتيكات التي اتبعها 5000 عامل يدوي من النسّاجين الألمان في سيليزيا في عام 1844 ميلادي .
بين عامي 1811 و 1816 ميلادي ، ظهرت مجاميع احتجاجية جديدة أكثر عنفاً، أُطلق عليها بـ “اللوديون” في المدن والبلدات الصناعية الكبرى في يوركشاير، لانكشاير، ليسترشاير، ديربيشاير، و نوتنگهامشاير. وسُميّت تلك المجاميع على اسم القائد العمّالي المشهور”نيد لودهام”، المعروف أيضاً باسم “الملك لود”، و”الجنرال نيد لود” ، “المتدرّب المفترض في ليستر الذي انتقم لتوبيخ سيده له بتناوله مطرقة وحطّم الماكينة التي كان يعمل عليها ” (هورن ص 146) . وهذه الواقعة قد حدثت في عام 1779 ميلادي، مما جعلت اسمه محفوراً في الذاكرة الشعبية من خلال وصفه رمزاً للاحتجاج ونصرة العمّال .
لم يكن المتظاهرون اللوديون متحدين في قرارهم ، بل كانوا أفراداً من الطبقة العاملة في مناطق مختلفة لديهم نفس المطالب والأهداف مع هموم مشتركة. وقد حدث الانطلاق الأول للحركة اللودية في نوتنگهامشاير، مع تنفيذ هجمات مشابهة في أماكن أخرى . وكانت احتجاجات اللوديين في كثير من الأحيان غير محظورة، وغالباً ما كانوا يهددون أصحاب المصانع شخصياً. وجاء في إحدى رسائل التهديد التي بُعثت إلى صاحب مصنع في هيدرسفيلد/ يوركشاير:
“وردتنا معلومات تفيد بأنك مالكاً لـ براويز القصّ الملعونة تلك . سأرسل أحد رفاقي ومعه ما لا يقل عن 300 رجل لتدمير وحرق مصنعك وتحويله إلى رماد …”(هپلوايت ص 29)
وكانت الرسالة موقعة من قبل الملك لود . وكان اللوديون في كثير من الأحيان جادّين في تهديداتهم ؛ لذا فقد اقتحموا المصانع، وحطموا مكائن الغزل والنسيج بالمطارق والفؤوس .
هل هم ثوّار أم فوضويون؟
رأى بعض المؤرخين أن اللوديين كانوا جزءاً من حركة ثورية أوسع سعت للإطاحة بالنظام الاقتصادي الرأسمالي برمتّه . وفي تلك الفترة ، كانت هناك أعمال شغب وإضرابات بسبب شحة الغذاء والظروف الاقتصادية السيئة للطبقة العاملة بشكل عام . وكان المتظاهرون من مختلف الدوافع يرافقونهم أحياناً أشخاص من مثيري الشغب أثناء تجمّعهم بقصد استهداف المصانع القريبة .
المؤرخ والمفكر الاشتراكي و الداعي للسلام (إدوارد پالمر تومپسون) له رأي في هذا الصدد : “كانت اللودية حركة قريبة من التمرّد ، وكانت تنتفض بإستمرار سعياً في الوصول إلى حافة المبادئ الثورية ” (هيويت ص 50). كما يؤكد مؤرخون آخرون ؛ أن اللوديين لم يكونوا مرتبطين بأي شكل من الأشكال بحركات الاحتجاج الأخرى . ويرى كلاً من ؛ م. توماس ، وبي .هولت :”أن الحركة اللودية كانت بمثابة تشنج في مخاض موت التجارة المتدهورة أكثر من كونها آلام لولادة ثورة” ( هيويت ص 55) .
لقد تم تصنيف اللوديون على أنهم ثوّار من قبل بعض المسؤولين في الحكومة، ولكن علينا أن نذكر في أن النقابات العمالية كانت محظورة رسمياً ما بين عامي 1799 و 1824 ميلادي في بريطانيا. ولم يكن لعمال النسيج سواء الذين كانوا يعملون من منازلهم أو في المصانع؛ أي تمثيل جماعي لمطالبهم المشروعة مثل الأجور المنخفضة وظروف العمل السيئة. ومن المحتمل أيضاً أن بعض اللوديين قد شعروا في أن ليس لديهم خيار آخر لإسماع مطالبهم سوى مهاجمة المصانع والممتلكات الأخرى . وربما كان بعضهم يرغبون في الإطاحة بنظام التشغيل القائم بالكامل، وآخرون كانوا سيقبلون بلا شك بنظام أكثر توازناً ليس متحيزاً تجاه الملّاك وأصحاب رؤوس الأموال .
ردود أفعال الحكومة
في شباط/ فبراير من عام 1812 ميلادي ، واجهت الحكومة احتجاجات اللوديين بالقمع والاعتقال، وذلك عندما أقر البرلمان البريطاني مشروع قانون يقضي بعقوبة الإعدام لأي شخص تثبت إدانته بتحطيم أو تعطيل مكائن الغزل والنسيج. وقد زُّج المخبرين الذين يعملون لصالح قضاة محليين ، ويتقاضون رواتب عالية ، للتعرّف على قادة الاحتجاجات ومتابعة منفذّي الهجمات على المصانع الخاصّة . إذ مُنحت مكافآت نقدية كبيرة تصل إلى (200) جنيه إسترليني (حوالي 14,000 دولار أمريكي حالياً) في بعض الحالات ، وذلك للحصول على معلومات عن اللوديين أو للقبض عليهم . كما تم استدعاء الجيش لحماية مصانع معينة مع أصحابها ، وتفريق التجمعات الاحتجاجية الكبيرة للعمّال . وفي كثير من الأحيان يطلق الجيش النار على المتظاهرين، ما يؤدي إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى . وضَمَنَ نحو (12,000) جندي الحفاظ على النظام بهذه الطريقة العدائية. حتى أن هناك ميليشيات شكلتها الطبقة الراسمالية لحماية مصالحها الخاصة في المناطق التي أهملتها الحكومة. وقد واجه المتظاهرون الذين تم القبض عليهم عقوبات تتراوح بين الغرامات والشنق والسجن لفترات طويلة أو النفي إلى أستراليا.

النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech