علاء كرم الله
بدأ أرجو أن لا يفهم من مقالنا هذا ، بأنها دعوة وتشجيع على الأنتحار! لا سامح الله، بقدر ما هي رؤية مؤلمة تجاه ناس عاشوا حياتهم ويعيشونها بعذاب وبؤس وشقاء وحرمان من أبسط حقوقهم الأنسانية ، بالعيش كبشر فأصابهم اليأس ، وفقدوا الأمل من أن واقعهم الحياتي بكل تفاصيله ممكن أن يتغير نحو الأحسن فآثروا وقرروا الأنتحار للخلاص من عذابات الدنيا(! . لازال الأنتحار يشكل أحد الظواهر الأجتماعية الغريبة ، التي بدأت تلفت أنتباه الجميع ، الدولة والمواطنين على السواء!، حيث لم يشهد المجتمع العراقي هذه الظاهرة منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 ولغاية 2003!! ، وبالتالي يمكن أعتبارها ، كنتاج وأفرازات لسنوات ما بعد الأحتلال الأمريكي والبريطاني الغاصب للعراق وما جّر على العراق من ويلات ومن مصائب! . فعلى مر كل الحكومات التي توالت على حكم العراق منذ تأسيسه ولغاية 2003 ، من ملكية الى جمهورية ، لم تسجل الدوائر المختصة ألا عدد قليل جدا من حالات الأنتحار تكاد لا تذكر، وتعد على أصابع اليد فعلا! . المشكلة أن هذه الظاهرة المؤلمة والمفزعة ، في تزايد واضح بسبب أستمرار وبقاء الأسباب التي تقف ورائها! ، وأهمال الدولة وعدم اهتمامها بهذه الظاهرة ، ومحاولة وضع الدراسات والحلول لمعالجتها من قبل الدوائر والجهات المختصة. ولا شك أن البؤس والفقر والجوع واليأس والحرمان من أبسط مستلزمات الحياة الأنسانية التي أقرتها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية والبطالة ، وتغول الفساد والفاسدين بشكل كبير، وأنتشار المخدرات والأدمان عليها ، هي التي تدفع الناس الى التفكير بالأنتحار، ثم الأقدام على ذلك! ، فظروف البلاد بكل تفاصيلها السياسية والأقتصادية والدينية والعشائرية وغيرها من تفاصيل ، وظروف الحياة ومشاهدها وما يجري فيها من ظلم وغياب العدل وضياع الحق، تلك الحياة التي ندور فيها وتدور فينا منذ 20 عاما ولحد الآن ، وتأخر جولة الحق الألهية! لأنصاف المظلومين والمضطهدين ، وعدم الأستجابة السريعة لدعاء الناس كما يريدون ويتمنون ويعتقدون! ، للأقتصاص من الظلمة والفاسدين وأكلي السحت الحرام ، كل ذلك أضعف أيمان الكثير الكثير من العراقيين!!؟ ، بل زادت قناعتهم بالمثل الشعبي القائل: ( الظالم سالم ، وعتبة الكافر من ذهب!!) ، وكيف لا!؟ وهم يشاهدون المجرم والقاتل والفاجر والزاني والمنافق والكذاب والناهب لبيت المال وأكلي السحت الحرام ، هم أول الصاعدين على جبل عرفات ، وهم أول اللذين يسارعون برمي الجمرات على الشيطان أثناء تأديتهم لمناسك الحج!! ، والمضحك المبكي أن هذا المشهد يتكرر كل موسم حج!! ، وترى الظالم سالم غانم معافى مشافى من كل شيء وفي أحسن حال!! ، والفقراء يزدادون فقرا وبؤسا وجوعا ومرضا وظلما! . أن هذا المشهد ترك أثاره السلبية والنفسية الكبيرة ، على المظلمومين والمضطهدين والجياع والأيتام والأرامل والأمهات الثكلى المفجوعين بأبنائهم والفقراء الذين يفتشون على قوتهم اليومي في مكبات الأزبال والنفايات الذي أصبح منظرا مألوفا في ظل حكومات ما بعد الأحتلال! ، فمن الطبيعي أن يهتز أيمانهم ويضعف ولربما يصل بالبعض منهم الى حد الكفر بكل شيء! ، فلم تعد عبارات وكلمات خطباء المساجد والحسينيات الذين يتكلمون (( بالفضيلة والتقوى والصبر وأن الجنة تحت أقدام الفقراء، وليس المهم أن تكون غنيا في الحياة ، فالجنة هي مثوى الفقراء والمعوزين والبسطاء والمظلومين!)) فهذه الخطب ، لم تعد لها أية قيمة وصدى في نفوس الفقراء والمستضعفين والمظلومين! ، فهي خطب وكلمات صماء بكماء بالنسبة لهم ، بل لم تبلغ طبلة أذن من يسمعها!. ألم يقل الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري (رض) ( أذا ذهب الفقر الى بلد ، قال له الكفر خذني معك!) ، ألم تكن أكبر أماني الأمام (علي) عليه أفضل السلام ، هو أن يكون الفقر رجلا، ليقتله حتى يخلص البشرية منه ومن شروره! لأنه السبب ووراء كل الأثام والخطايا ! ، فما بالك بأن أكثر من 35% من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر!؟ وغالبيتهم من محافظات الوسط والجنوب الشيعية تحديدا!! ، وفي بعض المحافظات الشيعية ( المثنى) ، تجاوز خط الفقر نسبة 40% ، مع أنعدام أي بصيص من الأمل لتحسن الأوضاع على المستوى المعيشي والخدمي ، فماذا تنتظر ممن يعيشون هذه الحياة بكل قساوتها وظروفها ، وهم لو خيروهم أن يعيشوا في مجاهل أفريقيا لوافقوا فورا حتى يتخلصوا من عذابات حياتهم وسوء حظهم العاثر وقسمتهم في هذه الدنيا !. وهنا لابد من الأشارة بأن الكثير من هؤلاء الفقراء والمعوزين ، أضطروا أن يبيعوا جزء من أعضائهم البشرية ليؤمنوا عيشة بقية أفراد العائلة! . أقول: مهما بلغت مشاعرنا الأنسانية بالتعاطف مع مشاهد الفقراء والمعوزين والعاطلين ، ألا أنها لا تتعدى لحظة المشهد والصورة البائسة التي تنقلها وسائل الأعلام وأخبار الفضائيات عنهم ولبضع دقائق أو أكثر بقليل وسرعان ما ننساها بعد زوال المشهد! ، المؤلم أن هذا المشهد بكل ما يحمل من ألم لا يحرك أي شيء بالنسبة للدولة ومسؤوليها فهم يشاهدون مناظرهم عبر الأخبار والفضائيات ولكن لا يفكرون في كيفية أنقاذهم من جوعهم وفقرهم وبؤسهم وشقائهم!! . أن أصوات الفقراء والمظلومين والمحتاجين والأرامل والأيتام لا يسمعها أحد ، رغم انها شقت عنان السماء! ، فبعد كل هذا هل تلوم أبن أو بنت الناحية والقضاء ، في محافظة المثنى على سبيل المثال ، لأنها تعتبر أفقر المحافظات ، والذي يعيش بلا ماء ولا كهرباء ومحروم من التعليم ومن أبسط الحقوق وأبسط مفردات الحياة والعيش الكريم ، فهل تلومهم أذا أقدموا على الأنتحار؟؟! . فالشخص مهما كان جاهلا ومتخلفا وبقدر ما يعرف ان الأنتحار حرام من الناحية الدينية والشرعية ، بأعتباره قتل للنفس التي حرم الله قتلها! ، ألا أن هذا الجاهل والمتخلف هو بنفس الوقت يعرف وبيقين تام بأن الله غفور رحيم ويعلم بأنه هو ومن معه من الفقراء والمظلومين والمعوزين هم ضحايا الجور والقهر والظلم ، وبالتالي هم لا ذنب لهم مما هم فيه! ، فتلك قسمتهم وقسمة كل الفقراء والمحتاجين ، التي قسمها الله لهم بالحياة! ، وهي بالأول والآخر مسؤولية الدولة التي يعيشون في ظل حكمها! ، وما ذنبهم أن لم يكونوا من أصحاب الحظوظ في هذه الدنيا! (ولا يلقاها ألا ذو حظ عظيم) . أخيرا نقول : أليس الموت لهؤلاء ولكل المظلومين راحة؟ ، ولماذا يتمسكون بحياة لا أمل لهم فيها ؟ ، بل البقاء فيها معناه المزيد من العذاب والألم ، فما دامت السماء لا ترحمهم والأنسان لا يرحمهم ، فدعهم ينتحرون ، ولا تلوموهم على ذلك!؟ ففي الموت راحة لهم وخلاص من كل عذابات الدنيا وقساوة وظلم البشر!!.