عامر بدر حسون
من المخلوقات التي ساعدتني في منفاي، سمكة اسمها السلمون.
فكلما شعرت باليأس او الوهن تذكرتها، ولعلني طيلة منفاي لم اقم الا بتقليدها.
فهي وما ان تنضج وتبلغ سن الرشد، حتى تبدا حياتها بأخطر رحلة في الوجود وأكثرها اثارة:
فالرحلة بأكملها ضد التيار، مهما كان قويا وجارفا. وكلها صعود من الاسفل الى الاعلى، وهي مستمرة رغم مخاطر واحتمالات الموت ووجود مناطق جافة وصخور جارحة، لكن السلمون يخوضها صائما، ومتغذيا من نفسه او مما خزن في اعماقه لرحلة العمر.
وحتى تعرف حجم المعاناة، فمن اصل 15 مليون سمكة تنطلق للعودة الى مسقط الراس، لن تصل سالمة اكثر من مليوني سمكة، والباقي هم ضحايا المسيرة.
وضحايا فكرة العودة
وضحايا التمتع بالسير ضد التيار!
وماذا في نهاية الرحلة؟
ما الذي تحصل عليه او تفعله تلك الاسماك المحظوظة بالوصول الى ارض الميلاد، حيث ولدت كبيوض وفقست وجرفها النهر الى المياه المنخفضة؟
انها تصل وقد تغير لونها من عمق الجراح التي اصابتها في الرحلة.
لكن الاناث وما ان تصل حتى تضع بيوضها (في المكان الذي ولدت هي فيه من قبل) وعندما تنتهي ياتي الذكر ويلقح هذه البيوض.
و.. ها هما ينظران الى "الامانة" التي حملاها رغم الصعاب.. ثم يبتعدان، وئيدا وئيدا، باتجاه الجرف.. وهناك يلفظان انفاسهما الاخيرة!
لقد قاما بما عليهما فعله.. وازاحا انفسهما من طريق الجيل الجديد، و..ماتا بهدوء عظيم!
شخصيا كانت رحلتي ممتعة ولذيذة، كنت شابا مليئا بالحياة.. وكنت محتفظا بكرامتي، ودربت نفسي على الحرية واحترام النفس والكرامة البشرية، واكتسبت مهارات عيش رائعة..
وكان السير ضد التيار السائد امتع ما في الرحلة! ولعله هو الذي صنعني. فماذا اريد اكثر؟
لقد غادرت بالطائرة وعدت بالطائرة على كرسي وثير.. وصلت سالما وبلا جراح، ولم اواجه عُشر الصعوبات التي واجهتها سمكة السلمون.
وقبل ان اكمل جاءت زوجتي وقرات ما كتبت.. وعندما سالتها عن رايها قالت:
لا تنشر هذا! فهو اولا سيوحي للقارئ بانه مباهاة ببطولة رحلتك حتى وان لم تقصد!
- وثانيا يا ام نوار؟
قالت: جدد معلوماتك!
فلقد عرف العلماء سر رحلة السلمون الخطيرة، واكتشفوا ان اناث السلمون هي من تبدا الرحلة فيما الذكور يلاحقونها في موسم التزاوج الذي يبلغ اجله عند الوصول الى ارض الميلاد.. وهذه كل الحكاية!
هذه اذن كل الحكاية!
فما الذي سأستخلصه الان من الرحلة؟
لا ادري!
ولعل الاصدقاء يجدون تفسيرا او خلاصة اجمل من ان اعظم رحلة في حياة سمك السلمون هي من اجل الانثى!
انا اعتبر هذا سببا عظيما ورائعا للسمك والبشر وكل المخلوقات.
فما هو رايكم انتم؟
والمنشور من العام 2015 اعيده مع تمنياتي برحلة مثيرة للجميع.