صور تجسس أمريكية من أيام الخمسينيات حياة عراقية لم تعد موجودة
12-تشرين الثاني-2022
بغداد ـ العالم
نشر موقع "واي" التلفزيوني والإذاعي الأمريكي تقريرا استعرض فيه صورا التقطتها طائرات تجسس امريكية من سماء العراق وغيره خلال خمسينيات القرن الماضي، ولم يشاهدها الجمهور حتى الآن، وتظهر مواقع في العراق بينها موقع مدينة أور التاريخية، وما يصفه التقرير بأنها من الآثار التي تلاشت بسبب عوامل الزمن والتعرية الجوية والتغيير المناخي على مر العقود الماضية.
وبداية أوضح التقرير الأمريكي ان الرئيس الاميركي الاسبق بيل كلينتون سمح قبل 25 سنة برفع السرية عن صور تجسس التقطتها طائرات "يو 2" وأصبحت متاحة أمام الجمهور في العام 1995، إلا أنها فعليا لم يكن من الممكن الوصول إليها، حيث لم يتم رقمنتها.
ولفت التقرير الى أن هذه الأفلام المصورة مقدر طولها بالأميال، ولم تتم رقمنتها ولا طباعتها، وأنه يتحتم على من يطلب من الباحثين الاطلاع عليها، أن يتقدم بطلب وان يسافر الى مقر الأرشيف الوطني في واشنطن، لمشاهدتها، مشيرا إلى أن كل بكرة (شريط التصوير القديم) تحتوي على أكثر من 200 قدم من شريط الصور.
وبالاضافة الى ذلك، فانه لم يتوفر أدوات للمساعدة في البحث في هذه الشرائط المصورة، وهو ما يعني ان مئات الالاف من الصور لا تحتوي على وصف لما تضمه من مشاهد ملتقطة جوا.
وذكر التقرير أن عالمة آثار المناظر الطبيعية في جامعة بنسلفانيا الأمريكية إميلي هامر أمضت هي وزميلها جيسون اور، من جامعة هارفارد، سنوات في حيرة في التعامل مع صور طائرة التجسس "يو-2" من أجل محاولة رؤية آثار العالم القديم، مضيفا أن بعض ما تم اكتشافه معروض حاليا في معرض متحف الآثار والأنثروبولوجيا في جامعة بنسلفانيا.
ولفت التقرير إلى أن طائرة التجسس "يو-2 لوكهيد" تعتبر طائرة تجسس عسكرية قادرة على التحليق على ارتفاعات شاهقة وبمقدورها التقاط صور عالية الدقة من ارتفاع 70 ألف قدم، أي ما يعادل ضعف ارتفاع الطائرات التجارية العادية.
وتابع ان هذه الطائرات ما زالت مستخدمة حتى يومنا هذا، إلا أن ذروة نشاطها كان خلال الحرب الباردة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي عندما استخدمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي ايه" لتجوب أنحاء الكرة الأرضية بحثا عن معلومات عسكرية، والتقطت صورا لكل شيء خلال مسارات طيرانها.
واوضح ان الدكتورة هامر ركزت في أبحاثها على 11 رحلة جوية لهذه الطائرات فوق منطقة الشرق الأوسط انتجت اكثر من 54 ألف لفافة شريط تصوير طولها حوالى 20 كيلومترا من اللقطات والصور.
واعتبر التقرير أن هذه الصور لا توفر منظرا شاملا، وهي كونها ملتقطة من على ارتفاع 70 ألف قدم، فإنها بمثابة مشاهد من عين السماء، وتظهر أنماط تظهر بقايا الامكنة التي كانت مشيدة في الموقع، كما توحي بإظهار المدن القديمة التي اختفت منذ فترة طويلة.
وبعدما شبهت الدكتورة هامر ما تشاهده بالنظر الى رسمة انطباعية بحيث اذا كنت قريبا جدا منها فإنه لا ترى سوى نقاط الألوان الصغيرة والمختلفة، وليس بالضرورة لها معنى، لكنك عندما تتراجع الى الخلف فقد ترى ضفة نهر أو كنيسة أو أي شيء موجود في اللوحة الانطباعية، فإن التقرير اوضح انه اذا وقفت على بعد 70 الف قدم او نحو 20 كيلومترا، فسيظهر أمامك العالم القديم في الأفق.
لكن المطبوعات الكبيرة الحجم للصور الملتقطة من "يو-2" والمعروضة في متحف بنسلفانيا، تظهر مثلا مصائد صيد شاسعة يعود تاريخها الى حوالي 9 آلاف عام، حيث كان الناس في منطقة ما هو جنوب الأردن حاليا، يرسمون بالرمال أو الحجارة المثبتة على الأرض خطوطا تمتد لمئات الأمتار، كانت الحيوانات تتبعها غريزيا وتقودها الى حظائر واسعة حيث تتم محاصرتها وقتلها من أجل الحصول على الطعام.
كما تظهر طائرات التجسس هذه صورا ملتقطة فوق مدينة أور القديمة في بلاد ما بين النهرين، احدى اولى المدن في العالم والتي تم التنقيب عنها منذ نحو 170 سنة، إلا هذه الصور تظهر أيضا ما كان من المفترض أن يكون الضواحي الخارجية لمدينة أور.
ونقل التقرير عن الدكتورة هامر قلها "إننا نعلم الكثير عن المنطقة المركزية من المدينة (أور) حيث كانت تعيش النخبة، وحيث كانت تتواجد المعابد والقصور، الا اننا لا نعرف الكثير عن هذه الضواحي حيث ربما كان عدد أقل من النخبة يعيشون هناك، وحيث كان هناك الكثير من الصناعة وإنتاج المحاصيل الزراعية".
وبرغم أن الباحثين والعلماء بإمكانهم الحصول على صورهم الخاصة من طائرات مسيرة وأقمار صناعية تدور حول الأرض، وهي متوفرة بثمن بخس، إلا أن التقرير اعتبر أن لقطات "يو-2" تتيح شيئا غير متوفر لدى اي مجموعة اخرى تتمثل بصور عالية الدقة بشكل لا يمكن تصديقه لمساحات هائلة من المناظر الطبيعية من الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وهي أكثر وضوحا ب16 مرة من صور الأقمار الصناعية في ذلك الوقت.
وأكد التقرير على أهمية هذه الفترة الزمنية المتعلقة بمنتصف القرن الماضي، حيث بإمكان الدكتورة هامر ان تنظر الى مشهد كان قائما قبل أن تتسبب التنمية والزراعة والمناخ، بتغيير الأرض.
وعلى سبيل المثال، تحدث التقرير عن الاهوار في جنوب العراق والتي كان يقطنها خلال الخمسينيات من القرن الماضي، نحو نصف مليون شخص والذين كانوا يشيدون منازلهم من القصب، ويقتاتون على الصيد من الاهوار لتأمين طعامهم.
ونقل التقرير عن هامر قولها "ننظر الى العراق على انه بلد صحراوي، وهو كذلك في جزء كبير منه، لكن الجزء الجنوبي من العراق، في ظل فيضان نهري دجلة والفرات، كان أرضا خصبة ضخمة عاش فيها الناس طوال آلاف السنوات". واضافت ان "نمط الحياة هذا لم يعد موجودا اليوم".
وفي حين اشار التقرير الى أن السدود الحديثة عرقلت تدفق المياه إلى الأهوار، اوضح ان الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عمد خلال تسعينيات القرن الماضي إلى تجفيف مياه الاهوار من أجل طرد المتمردين المعارضين له من مخابئهم، وانه بعد الاطاحة بصدام حسين في العام 2003، قام السكان المحليون بتدمير بعض السدود لاحياء ارض الاهوار مجددا، ثم جرى إعلان المنطقة كجزء من التراث العالمي لليونسكو في العام 2016.
وتابع التقرير أنه بينما بدأ الناس في العودة الى الاهوار، فإن عدد سكانها لم يعد كما كان قبل 70 عاما عندما التقطت طائرات "يو-2" صورا للحياة فيها خلال الخمسينيات من القرن الماضي.
وأوضحت هامر؛ ان هذه الصور تظهر تفاصيل من الحياة في الاهوار لدرجة ان بامكان المرء مشاهدة منازل الناس و منشآت إيواء الحيوانات والحقول الزراعية الصغيرة والممرات المائية الضيقة للقوارب والتي كانوا يستخدمونها للتنقل ما بين القرى المتجاورة.