ظريفة غفّاري . . . تخترق الأعراف والتقاليد البالية وتُصبح أصغر عُمدة في أفغانستان
22-أيار-2023
عدنان حسين أحمد
يندرج فيلم "في عُهدتها" للمخرجة الأفغانية تامانا أيازي والمخرج الألماني مارسيل ميتلسيفين ضمن الأفلام الوثائقية الاستقصائية التي تتمحور على الجوانب الثقافية والاجتماعية والسياسية كما تتكئ على جانب من السيرة الذاتية لبطلة الفيلم ظريفة غفاري التي باتت شخصية معروفة حينما تسنّمت عام 2018م منصب عُمدة مدينة "ميدان شهر"، عاصمة ولاية مردك التي تقع على الطريق الرئيسي بين العاصمة الأفغانية كابول وقندهار. وهي للمناسبة ثاني امرأة أفغانية تتسنّم هذا المنصب الحسّاس بعد السيدة عذرا جعفري، التي عيّنها الرئيس حامد كرزاي سنة 2008م عُمدة مدينة "نيلي"، عاصمة ولاية دايكندي التي يتجاوز عدد سكّانها نصف المليون نسمة غالبيتهم من عِرقية الهزارة إضافة إلى أقليّة بشتونية.
لا يمكن اعتبار هذا الفيلم الوثائقي "سيرة ذاتية" خالصة لأن قصة الفيلم تتمحور على مقاطع عرضية من حياتها الشخصية كامرأة مُدافعة عن حقوق المرأة والطفل تحديدًا، كما أننا، كمتلقّين، لا نعرف شيئًا عن طفولتها غير الجُمل القليلة المُبتسرَة التي تُشير إلى تجشّمها عناء الذهاب إلى المدرسة في "بكتيكا" والعودة منها قرابة ساعتين يوميًا، وحينما تندلع الاشتباكات والهجمات الانتحارية كان والدها يمنعها من الذهاب إلى المدرسة لكنها كانت تتسلل خفيّة حينما يلتحق الوالد بعمله العسكري، فهو ضابط في الجيش الأفغاني وسوف يصل إلى رتبة عقيد قبل أن يتعرّض لعملية اغتيال غادرة قبالة منزلة وأمام عينيّ ابنه نعمان الذي تجاوز بالكاد سن التاسعة.
يمكن القول باطمئنان كبير بأننا أمام فيلم "نسوي" يمجّد دور المرأة في المجتمع الأفغاني المُغلق وتدعو بطلته الرئيسة ظريفة غفاري إلى ضرورة تعليم المرأة لأنه المَخرج الوحيد لأفغانستان من دون أن تهمل تعليم الرجل بوصفه صنوًا للمرأة وشريكًا لها في كل مفاصل الحياة اليومية. وبين تضاعيف هذه القصة هناك ثيمات متعددة سنأتي عليها تباعًا ونتوقف عندها بطريقة متناغمة من النسق السردي لهذا الفيلم الذي يعرض منظومة القيم الاجتماعية والثقافية والأخلاقية ومحاولات بعض النسوة لكسر الثوابت والأعراف الاجتماعية البالية التي أكل الدهر عليها وشرب.
تُحيطنا مقدمة هذا الفيلم بأن مُقاتلي طالبان قد اجتاحوا العاصمة كابول بأسرع مما كان متوقعًا وثمة احتياج مُلِّح أكثر من أي وقت مضى لإخراج الناس المُعرّضين للخطر من أفغانستان لأن هناك تقارير مُؤكدَة تفيد بأن عناصر طالبان بدأت بتفتيش المنازل بحثًا عن الأشخاص المُدرجة أسماءهم في القوائم السوداء التي لا يقتنع أصحابها بأقلّ من عقوبة الإعدام بحق "الخونة والمتعاونين مع المحتل الأمريكي"! تُوازن قصة الفيلم بين ما هو موضوعي يتمثل بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان بعد عشرين عامًا من الاحتلال وبين ما هو ذاتي جدًا بحيث يمكن تلمّسه بالشخصية الرئيسة ظريفة غفاري التي تخاطب زوجها قائلة:"بشير، لن أترككَ هنا، ولن أذهبَ إلى أيّ مكان من دونكَ. إمّا أن نرحلَ معًا أو لا نرحلَ على الأطلاق".
تنطلق أحداث القصة السينمائية من سقوط كابول في 15 آغسطس / آب 2021م لكن ثمة استرجاعات تعود بنا إلى 19 شهرًا قبل السقوط المدوّي للعاصمة الأفغانية، كما أنها تمتد إلى سبعة أشهر بعد السقوط؛ أي أن المدة الزمنية التي يعالجها الفيلم تتجاوز السنتين بقليل، وهي المدة ذاتها التي استغرقها التصوير في عالم جحيمي لا يرحم لكنه يثير سؤالاً واحدًا مفاده: لماذا اختارت الإدارة الأمريكية الحرب على طالبان، ولماذا تركت البلاد بعد عشرين عامًا من دون أن تضع جدًا لهذه الحركة الإرهابية التي كلّفت دافعي الضرائب الأمريكيين أكثر من ترليونيّ دولار وآلاف الأرواح الشابة من مختلف مكونات الشعب الأمريكي وكأنّ شيئًا لم يكن حتى أنها لم تتورع من نقل الطبقة السياسية الجديدة، والمؤازرين للمناخ الديمقراطي الحديث، والمترجمين الذي يرافقون القطعات الأمريكية في حلها وترحالها بطائرة شحن خاصة؟ وها هي الإدارة الأمريكية تطوي أطول حرب لها في التاريخ وتتفاوض مع بعض رموز طالبان في قطر لكي تعزز الاتفاق بين الطرفين المتفاوضَين وتترك الكثير من أصدقائها في داخل الجحيم الأفغاني يواجهون مصائرهم المحتومة.
أصغر عمدة في أفغانستان
يتخلّص المتلقي من خيوط الفيلم المتشابكة حينما تأخذنا ظريفة غفاري ذات الـ 26 ربيعًا إلى كلمتها الأولى في أثناء تتويجها عُمدة لمدينة "ميدان شهر" حيث قالت بأنّ الحرب فُرضت على الأفغانيين طوال 50 عامًا وقد آنَ الأوان لأن تتوقف، وطالبت المواطنين بدعم أخواتهم، والسماح لهن بالحصول على التعليم من أجل بناء البلد، فالبلدان تُبنى بالأقلام وليس بالأسحلة. ورغم أنّ بعض الرجال حاولوا على مدى تسعة أشهر منعها من التعيين لكنها حققت هدفها في خاتمة المطاف وأصبحت أصغر عمدة في أفغانستان، وثاني امرأة تتسنّم هذا المنصب الرفيع على الرغم من معارضة الناس التقليديين والرجعيين الذين يعتقدون أنّ المرأة يجب أن تنصرف إلى الطهو، والغسل، والتنظيف، وإنجاب الأطفال وتربيتهم لا أن تحتل منصب الرجل وتزاحمه على مناصبه الإدارية التي دأب عليها منذ قديم الزمان.
وبمقابل هذه الشخصيات النمطية التي تقدّس العادات والتقاليد الاجتماعية هناك أناس يمجّدون المرأة ويؤمنون بها مثل "معصوم"، سائق ظريفة، وحارسها الشخصي الذي كرّس نفسه لحمايتها، وهو سعيد بهذه المهمة المُناطة به لأنه يرى فيها بطلة وامرأة متفانية في خدمة وطنها وشعبها فلاغرابة أن نراه وهو يقود السيارة بيده اليسرى ويمسك المسدس بيده اليمنى لأن الطريق بين كابول و "ميدان شهر" خاضع لسيطرة طالبان.
منذ أن تولّت ظريفة غفاري منصبها كعمدة لـ "ميدان شهر" بدأت تتلقّى رسائل الوعيد والتهديد وسننتقي واحدة منها لنكشف عن وجهة نظر "حركة طالبان" بهذه الآنسة التي ترجّح كفّة القلم على رصاصة البندقية حيث جاء في متن الرسالة:"الآنسة ظريفة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أنتِ تواصلينَ أعمال الكفر رغم تحذيراتنا، وباسم الديمقراطية تنشرينَ الرذيلة في مجتمعنا. للمرة الأخيرة نأمرك بمغادرة "ميدان شهر" خلال أسبوع. رفضكِ سيؤدي إلى اغتيالك". وكل مَن يقرأ هذه الرسالة سيفهم على عجل بأن هذا المنصب من وجهة نظر طالبان هو "ممارسة للكفر وتشجيع على الرذيلة" الأمر الذي سيعرضها إلى أكثر من محاولة اغتيال، ومع ذلك فقد ظلت ظريفة على قيد الحياة، وأصرّت على مواصلة أنشطتها الثقافية والاجتماعية والحقوقية.
على الرغم من وجود 15 شخصية مؤازرة أو يزيد مثل خطيبها بشير الذي سيتحول إلى زوج لاحقًا، ومعصوم السائق والحارس الشخصي، ووالديّ ظريفة، وشقيقاتها الأربع، وأخيها نعمان، وجدتها نفسغول إلاّ أنّ الفيلم يمنحنا الفرصة لكي نتعرّف على بعض شخصيات طالبان المتطرفة التي عرفنا بعضها مثل "مُسافر"، و "الملا نيازي" وشخصية ثالثة مُلثمة كانت تتوعد بالويل والثبور وعظائم الأمور لكل منْ ينحرف عن مبادئ الشريعة الإسلامية. سنكتفي بما يصرّح به "مُسافر" وهو أحد قادة طالبان الشباب الذي لم يجتز عمرة الـ 36 عامًا وهو يقول بالحرف الواحد:"إن قطعتَ يدًا واحدة فسيمتنع الآخرون عن السرقة، وإن سحقتَ شخصًا واحدًا تحت جدار فلن يُقِم أحد علاقات مثلية، وإن رُجم شخصٌ واحد فلن يرتكب أحدٌ الزنا. هذا هو الطريق القويم الذي سيقودنا إلى أمام".
تستذكر ظريفة غفاري، وهي الراوية العليمة في هذا الفيلم، حادثة مؤلمة دارت وقائعها في متنزّه "جمان حضوري" عام 1999م حينما أجبر رجال طالبان امرأة على ارتداء برقع أزرق، ووقف إلى جوارها رجل، وأطلق النار على رأسها من بندقية كلاشنكوف فسقطت صريعة في الحال. لقد شهدت ظريفة، وهي طفلة صغيرة هذه الواقعة المُفجعة لكنها كانت تتنبأ بأن الفظائع سوف تحدث مُجددًا وأنها لن تنتهي في المستقبل المنظور في الأقل.
معركة بين النور والظلام
تنتقل ظريفة من محل سكنها إلى منزل آخر في كابول لكي تتفادى ملاحقة طالبان لها لكنها تواصل تركيزها على تعليم الأفغانيات لأنّ التعليم يحفّز الناس على طرح الأسئلة ويساعدهنّ على إعمال الذهن. ومن بين أقوالها المأثورة:"إن علّمتم فتاة أو امرأة واحدة فستنقذون عشرة أجيال"! فهي ترى أن التعليم هو مفتاح التقدّم لأية دولة. والعملية برمتها هي معركة بين النور والظلام؛ فالأولى تقود إلى المعرفة، والثانية تُفضي إلى الجهل.
أشرنا سلفًا بأنّ هذا الفيلم هو سيرة ذاتية لظريفة غفاري، ومن خلالها نُطل على خطيبها بشير الذي تحبّه وتتماهى معه. كما نتعرّف إلى أفراد أسرتها تباعًا فالأم "كريمة" ترى أن كل من يعمل بتفان وإخلاص في هذا البلد سُرعان ما يُقتل بينما يرى الأب العقيد أن البيت هو قاعدة عسكرية وأن على أفراد الأسرة أن ينفِّذوا الأوامر التي يُصدرها آمر هذه القاعدة. وعلى الرغم من تزمّت هذا القائد إلاّ أن ظريفة تمكنت من تغيّير سلوكيات هذا الأب وقناعاته الراسخة بشأن التحاقها بالجامعة وتعتبر هذا التغيّير أكبر إنجاز في حياتها.
تسافر ظريفة عام 2020م إلى العاصمة الأمريكية واشنطن لاستلام الجائزة الدولية للمرأة الشجاعة التي تتميز بقدرة القيادة، والتضحية من أجل الآخرين، والترويج لحقوق المرأة. وكان معها عشر نساء أخريات من مختلف بقاع الأرض تمّ اختيارهنّ للحصول على هذه الجائزة التي تقدّمها وزارة الخارجية الأمريكية. وقد ذكرت ظريفة في معرض حديثها عن الجائزة قائلة:"في الواقع أنا لستُ بطلة، ما أنا إلاّ عُمدة "ميدان شهر". النساء من جيلي لم ينسينَ حكم طالبان، ونحن نقلق على المستقبل. دعوني أطلب دعمكم المستمر حتى نضمن ألاّ تمحو عملية السلام المكاسب التي تحققت رغم حقبة طالبان المظلمة". واعتبر الرئيس الأفغاني أشرف خاني حصولها على هذه الجائزة تغيّيرًا جذريًا في نظام الحكم السياسي في أفغانستان.
يحتدم النقاش بين ظريفة وأبيها المتزمت الذي يرفض زيارة خطيبها وتردده إلى منزله قبل الزواج لكن هذا الموقف لا يمنعها من المضي في علاقتها العاطفية التي اختارتها بمحض إرادتها. ومن سوء الحظ فقد تعرضت هي وخطيبها إلى محاولة اغتيال لكنها نجت منها، فحركة طالبان تستهدف المسؤولين الحكوميين في العاصمة لكي يُظهروا للشعب الأفغاني بأنّ الحكومة قد فقدت السيطرة على مقاليد الأمور.
يتعرض والد ظريفة العقيد عبدالواسع غفاري قائد العمليات الخاصة في وزارة الدفاع إلى عملية اغتيال أمام منزله وعلى مرأى من عينيّ ولده الصغير نعمان، كما أعلنت طالبان مسؤوليتها عن مقتله فشعرتْ ظريفة بالذنب حيال ما حدث ولولاها لربما ظل والدها حيًا يُرزق حتى هذه الساعة. أما زوجته "كريمة" فتروي قصة اغتياله وكأنها كابوس لا يُفارق ذاكرتها فقد كان مُفعمًا بالصحة ومدججًا بالآمال الكبيرة. تروي "كريمة" فحوى الرسالتين اللتين كتبهما نُعمان إثر مقتل والده حيث يقول في الأولى:"أبي العزيز، أشكرك لأنكَ كنتَ معي حين أصبح عمري تسع سنوات لكنكَ تركتنا مُبكرًا جدًا". وفي الثانية يقول لأمه:"أنا شاكر لكِ لأنكِ لا تزالينَ على قيد الحياة". تنتقد الأم الدول العديدة التي جاءت إلى أفغانستان بهدف المساعدة ولكن أين هي المساعدات؟ وما الذي تحقق؟ فالبلد غارق في سلسلة من المحن والفواجع والأحزان! تخطب ظريفة في حفل التأبين وتفتخر بكونها ابنة ضابط عسكري خدم بلاده 37 سنة لكنه قُتل في خاتمة المطاف على أيدي ثُلّة من الأعداء والجبناء والمتوحشين.
يأمر بايدن قبل أربعة أشهر من سقوط كابول بخروج القوات الأمريكية من أفغانسان قبل حلول الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر 2001م ويؤكد على عدم توريثه هذه المسؤولية الكبرى لرئيس أمريكي جديد، فقد حان وقت عودة الجنود الأمريكيين إلى الديار.
حربٌ تبتلع الضعفاء فقط
يرى معصوم أنّ أمورًا كثيرة قد تغيّرت في أرجاء البلاد مثل انعدام الأمن، والقتل، والسرقة، ويعتقد أنّ الحرب تبتلع الضعفاء والفقراء فقط، فإن انضممتَ إلى جانب الحكومة تقتلكَ طالبان، وإن انتميتَ إلى طالبان تقتلك الحكومة فتصبح كمن يستجير من الرمضاء بالنار.
يعترف معصوم بأن أي فرد من أفراد طالبان هو من دمه ولحمه ولكنه لا يتفق مع الطريق الذي اختاره لأنهم ضلّلوه وأقنعوه بمنظومة قيمهم وأفكارهم البالية. فالتعليم حرام، من وجهة نظرهم، والمرأة لا يجوز أن تخرج إلاّ مع مَحْرم وهكذا دواليك. فلاغرابة أن يقوم المتطرفون بعمل إرهابي يستهدف مدرسة بنات ويصيب العديد منهنّ فتقوم ظريفة بزيارتهنّ في المستشفى وتطمئن على صحتهنّ، وتحفزهنّ على التشبّث بالمستقبل رغم الأخطار المُحدقة بهنّ جميعًا.
ينطوي هذا الفيلم على انعطافات كثيرة كنّا قد أشرنا إلى بعضها مثل حصولها على جائزة المرأة الشجاعة. أما الانعطافة الثانية فهي انتقالها إلى وظيفة جديدة في وزارة الدفاع قبل شهرين من سقوط كابول حيث تودّع جميع الموظفين وتعتذر لبعض من أساءت لهم بسبب مسؤولية العمل وضغوطاته اليومية لكن سائقها وحارسها معصوم الذي رفضت الوزارة تعيينه لأنه مدني سيعتقد أنها تخلت عنه رغم مهنيته ووفائه وإخلاصه لها فقد كرّس حياته لها وجعل من نفسه عدوًا للإمارة الإسلامية. لم تكن وظيفتها الجديدة سهلة فهي رئيسة قسم الشهداء والمُعاقين وعليها أن تبحث عن عوائل الجنود الذين خدموا في الجيش الوطني الأفغاني وضحوا بأرواحهم في سبيل الوطن.
يتدهور الوضع الأمني سريعًا فتدعو واشنطن المواطنين الأمريكيين إلى الرحيل فورًا لكن سرعة تقدّم قوات طالبات قد فاجأت الجميع حتى بات سقوط العاصمة كابول أمرًا محتومًا خاصة بعد أن لاذ الرئيس الأفغاني أشرف غني بالفرار إلى طاجيكستان.
حفنة من تراب الوطن
تحدث الانعطافة الثالثة عند اجتياح العاصمة كابول في صبيحة 15 آغسطس 2021م فتطلب ظريفة الحماية من السفارة الأمريكية لها ولزوجها وبقية أفراد أسرتها حيث تسافر على مضض لأنها لا تريد أن ترحل عن بلدها وتقوّض كل ما بنتهُ من أحلام وطموحات خلال السنوات الماضية فتجد نفسها في المنفى الألماني الذي لم تعتد عليه مستعينة بحفنة من التراب التي حملتها من أرض المطار لكي تلمسها وتشمّها كل ليلة قبل أن تنام.
بعد شهر من سقوط العاصمة نزلت العشرات من النساء إلى شوارع كابول احتجاجًا على قمع الحريات واتهمنَ الحكومة بأنها غير شرعية طالما أنها لا تعترف بحقوق المرأة فشعرت ظريفة بأمرين لا ثالث لهما، الأول أنّ هؤلاء النساء قويات جدًا وأنها فخورة بهنّ، والثاني هو إحساسها بالحزن لأنها ليست معهنّ. وبعد أربعة أشهر قررت ظريفة أن تعود إلى كابول من أجل إيقاظ جيلها. توّجة نداءً إلى حركة طالبان فيأذنون لها بالمجيء بعد أن تعِدهم بتنحية السياسة جانبًا والاشتغال على المشروعات الإنسانية التي تتعلق بالتعليم، وحرية المرأة، وحقوق الطفل. لقد أصبحت كابول تحت سيطرة طالبان، ولم تعد أفغانستان تتصدّر نشرات الأخبار فالناس يتحدثون عن أوكرانيا بينما تُمعن طالبان بسجن الفتيات والنساء المحتجات كما نكثوا الوعود التي قطعوها على أنفسهم بإعادة فتح المدارس. وفي خضم هذه الأوضاع العصيبة تصل ظريفة إلى كابول وتلتقي بها إحدى القنوات الإعلامية فيسألها المذيع عن الغرض من هذه الزيارة فتجيب بأنها جاءت لمناشدة زعماء العشائر والقادة أن يحرروا النساء السجينات من أجل كرامتهنّ الإنسانية، وأنها مستعدة، مع نساء كثيرات، لإجراء حوار مفتوح لتسوية المشاكل بين الطرفين. ثم يسألها سؤالاً محرجًا مفاده:"هل سامحتِ قتلة والدكِ؟" فيأتي جوابها:"إن كان هذا كفيلاً بإزالة أي ألم ومنع أخريات مثل ظريفة من أن يُصبحن يتيمات أو منع موت شخص آخر مثل عبدالواسع غفاري فقد سامحتهم".
تعتقد ظريفة أن شعب أفغانستان لم يختر لنفسه هذه الحكومة وإنما فُرضت عليه من قِبل المجتمع الدولي وكأنه حُكم على شعب أفغانستان بأن يعيش في هذا الجحيم. لا يخلو هذا الفيلم من بعض المواقف الطريفة حيث تقول ظريفة متسائلة:"مَنْ رأى يومًا امرأة تفجّر قنبلة انتحارية؟ ثم تجيب مسترسلة:"كل الحروب في هذا البلد أشعلها الرجال. لندعُ الله جميعًا أن تأتي رئيسة لهذا البلد لتعيد إعماره، ودعونا نحبس الرجال في منازلهم ونمنعهم من الخروج وإلاّ أصبح المجتمع في خطر"! ثم تستدرك وتقول:"إنني أمزح معكم".
يختم المخرجان تامانا أيازي ومارسيل ميتلسيفين فيلمهما الوثائقي بعدد من المعلومات المهمة من بينها: لا يزال بشير وظريفة يعيشان في ألمانيا كلاجئيَن. بينما تواصل ظريفة كفاحها الدائم من أجل حماية حقوق المرأة في أفغانستان. أمّا معصوم فهو يعيش في أفغانستان ويسعى للحصول على عمل جديد. وفيما يتعلق بالقائد مُسافر فقد قُتل قبل استيلاء طالبان على كابول حيث فرضوا أوامر تحظر جميع حقوق وحريات المرأة تقريبًا وتشمل الانتقال والتوظيف والملابس. ولاتزال البنات حتى يومنا هذا ممنوعات من العودة إلى المدارس الثانوية.
جدير ذكره بأنّ هذا الفيلم الوثائقي قد تم عرضه في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي في سبتمبر 2022م، وقد فاز بجائزة الجمهور في مهرجان كامدن السينمائي الدولي في العام ذاته. بقي أن نقول إن تامانا أيازي من مواليد مدينة "بلخ"، شمالي أفغانستان، وهي مدافعة عن حرية الفكر وحقوق الإنسان. اشتركت تامانا كتقنية صوت في فيلم قصير بعنوان (تعليم التزلّج في منطقة حرب - إذا كنتَ فتاة) للمخرجة الأمريكية كارول ديسنگر الحائز على جائزة الأوسكار لعام 2019م يدور هذا الفيلم حول مدرسة تزلج للفتيات من الأحياء الفقيرة في كابول لتعلم القراءة والكتابة والتزلج حيث لا يُسمح للشابات بالمشاركة في الأنشطة الرياضية. إضافة إلى فيلم "في عُهدتها" الذي أخرجته بالاشتراك مع مارسيل ميتلسيفين الذي حقق أصداء طيبة في مهرجانات عالمية عديدة. أمّا مارسيل ميتلسيفن فهو مخرج ومصوّر ومنتج ألماني حائز على عدة جوائز عالمية وقد ترشّح فيلمه "وطني: وطني" إلى جائزة الأوسكار كما فاز بثلاث جوائز إيمي وجائزتين من جوائز البافتا. ومن بين أفلامه الأخرى "سوريا: أطفال على خط المواجهة 2014م، "أفغانستان: الأرض الجريحة" 2019م "أريد أن أستعيد وطني" 2021م و "أطفال طالبان" 2022م.
النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech