بغداد - العالم
يكافح سكان قطاع غزة انعدام الأمن الغذائي على الرغم من أن تدفق بعض المساعدات برا وجوا قد خفف من حدة الأزمة، لكن المنطقة بأكملها تقبع على شفا المجاعة، بعد أن تسبب الهجوم الإسرائيلي على رفح جنوبي القطاع في النزوح وتعطيل المساعدات.
ويقول محللون إن خطر المجاعة لا يزال قائما بشدة في أنحاء قطاع غزة طالما استمر القتال بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) واستمرت القيود الإسرائيلية على دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
وعلى الرغم من أشهر من الضغط الأميركي على إسرائيل لبذل المزيد من الجهد لتسهيل جهود المساعدات، وتركيب رصيف بحري بنته الولايات المتحدة بقيمة 230 مليون دولار، والذي يعاني من مشاكل وعمليات إسقاط جوي متكررة من قبل دول متعددة تقول وكالات الإغاثة إنها غير كافية لتلبية الاحتياجات الحيوية.
وفرضت إسرائيل حصارا كاملا على القطاع في بداية الحرب يوم 7 أكتوبر ولم تخففه تدريجيا إلا بضغط من الولايات المتحدة ، في ما دمّرت الحرب معظم قدرة غزة على إنتاج غذائها. وتسبّب هجوم رفح في إغلاق المعبر على حدود غزة مع مصر، والذي كان طريقا رئيسيا لتوصيل المواد الغذائية والإمدادات الأخرى، إضافة إلى كونه نقطة إجلاء للمدنيين المبتلين بأمراض خطيرة أو المصابين.
إسماعيل الثوابتة: السجلات تظهر أن 33 توفوا بسبب سوء التغذية في القطاع من بينهم 29 طفلا
إسماعيل الثوابتة: السجلات تظهر أن 33 توفوا بسبب سوء التغذية في القطاع من بينهم 29 طفلا
وقالت مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي المدعومة من الأمم المتحدة، وهي شراكة عالمية تقيس مدى انعدام الأمن الغذائي، إن أكثر من مليون من سكان غزة يواجهون الشكل الأكثر تطرفا من سوء التغذية الذي تصنفه المبادرة "كارثة أو مجاعة".
ومن بين من يعانون في غزة الرضيع مجد سالم (سبعة أشهر) والذي وُلد في الأول من نوفمبر، أي بعد ثلاثة أسابيع من بدء الهجوم الإسرائيلي، ويتلقّى العلاج من عدوى صدرية في وحدة عناية مركزة لحديثي الولادة في مستشفى كمال عدوان بشمال قطاع غزة منذ التاسع من مايو.
وقالت الممرضة التي تعتني به إنه يعاني من سوء تغذية حاد، بينما قالت والدته نسرين الخطيب إن مجد ولد بوزن طبيعي يبلغ 3.5 كيلوغرام. وبحلول مايو، عندما كان عمره ستة أشهر، ظل وزنه بلا زيادة تذكر عند 3.8 كيلوغرام، أي أقل نحو ثلاثة كيلوغرامات من المتوقع لطفل في مثل عمره.
وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، نقلا عن شركاء يعملون على الأرض، إن واحدا من كل ثلاثة أطفال في شمال غزة يعاني من سوء التغذية الحاد أو الهزال. وقال إسماعيل الثوابتة مدير المكتب الإعلامي للحكومة التي تديرها حركة حماس في غزة إن السجلات تظهر أن 33 توفوا بسبب سوء التغذية في القطاع، من بينهم 29 طفلا، لكنه أضاف أن العدد قد يكون أعلى.
وتشكل محنة أطفال غزة جزءا من حالة أكبر. ووفقا للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، وهو تحليل لانعدام الأمن الغذائي يجرى بالتعاون بين 16 منظمة دولية، عانى أكثر من 36 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد في العام الماضي على مستوى العالم وكان ما يقرب من 10 ملايين منهم يعانون من ذلك على نحو خطير.
ونتجت أزمة الجوع في غزة عن الحرب. وشن الجيش الإسرائيلي الحرب على القطاع ردا على هجوم عبر الحدود نفذته حماس في السابع من أكتوبر. وتقول الإحصاءات من غزة وإسرائيل إن أكثر من 37 ألف فلسطيني ونحو 1500 إسرائيلي قتلوا منذ ذلك الحين.
ودمر الهجوم الإسرائيلي مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في غزة. وفي الأيام الأولى للحرب، فرضت إسرائيل حصارا كاملا على القطاع وسمحت في وقت لاحق بدخول بعض الإمدادات الإنسانية لكنها لا تزال تتلقى نداءات دولية للسماح بدخول المزيد.
واتهمت إسرائيل حماس بسرقة المساعدات، وهو ما تنفيه الحركة بشدة. وحمّلت أيضا الوكالات الدولية مسؤولية أيّ مشكلات في التوزيع داخل غزة.
ويقول خبراء التغذية إنه حتى إذا أفلت الأطفال من الموت فإن الحرمان من الطعام في السنوات الأولى يمكن أن يؤدي إلى أضرار صحية دائمة.
ويتطور دماغ الطفل بأسرع معدل في أول عامين من العمر. وقالت أشيما جارج، خبيرة التغذية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في اليونيسف، إنه حتى لو لم يمت الأطفال من الجوع أو المرض بسبب ضعف جهاز المناعة فمن المحتمل أن يتعرضوا لتأخر النمو والتطور. وتابعت “على الرغم من بقائهم على قيد الحياة، فقد يتعرضون لمشاكل في النمو في مرحلة الطفولة وما بعدها".
وقالت هانا ستيفنسون الرئيسة العالمية للتغذية والصحة في منظمة “أنقذوا الأطفال” غير الربحية “يمكن أن يكون لهذا تأثير طويل الأمد على جهاز المناعة لديهم، وقدرتهم على الاستفادة من التغذية الجيدة، وعلى نموهم الذهني والبدني". ووفقا لمبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، يوجد في غزة أكبر عدد من الأسر على مستوى العالم التي تعاني من أشد مراحل الفقر الغذائي. وتصنف المبادرة مستويات الجوع في خمس فئات، أسوأها المجاعة. وقالت سيندي ماكين المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي في الخامس من مايو إن الأسر في شمال غزة تعاني بالفعل من مجاعة مكتملة الأركان.
وتضم غزة أكبر عدد من الأشخاص المهددين بخطر المجاعة، لكن وفقا لمبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، فإن هناك مناطق أخرى تعاني من الفقر الغذائي لكن ليس بنفس الحدة التي يواجهها القطاع. ويحدد التصنيف مستوى شدة وحجم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية باستخدام مقياس من خمس فئات. وفي حال صُنفت منطقة ضمن الفئة الثالثة أو الرابعة أو الخامسة، فهذا يعني أنه يلزم اتخاذ تدابير طارئة.
ويقول التصنيف إن الفئة الثالثة تشير إلى أن الأسر في “أزمة”، مما يعني أنها تعاني من مستويات مرتفعة أو فوق المرتفعة من سوء التغذية الحاد مع القدرة على تلبية الحد الأدنى من احتياجاتها الغذائية الأساسية لكن بالاضطرار إلى بيع ممتلكاتها على سبيل المثال أو اتخاذ تدابير أخرى لمواجهة الأزمة.
والفئة الرابعة هي “حالة الطوارئ”، وفيها تعاني الأسر إما من معدلات “مرتفعة جدا” من سوء التغذية الحاد أو الوفيات أو أنها لن تستطيع تعويض نقص الغذاء لديها إلا من خلال اتخاذ تدابير طارئة وبيع ممتلكاتها.
والفئة الخامسة هي “الكارثة” أو “المجاعة”، وفيها تعاني الأسر من نقص شديد في الغذاء أو الاحتياجات الأساسية الأخرى مع تجلي المؤشرات على ارتفاع مستويات المجاعة ومعدلات الوفيات والفقر المدقع فضلا عن معدلات حادة وخطيرة من سوء التغذية. ولتصنيف منطقة بأكملها على أنها في مجاعة، يجب أن يحدث انعدام شديد في الأمن الغذائي يكون مصحوبا بمستويات معينة من سوء التغذية الحاد وحالات الوفيات.