عامر بدر حسون
انهيت منشوري "الطائفي" اول امس بالقول:
"شئت ام ابيت، فان المجتمع السياسي العراقي، يتخذ مواقفه السياسية من اغلب القضايا الداخلية والخارجية على اساس طائفي.
وما نحن فيه من توتر واحتقان في اية قضية هو صدى انفجار الغام قديمة في مجتمع جريح"!
وكان علي ان "اسمع كلامي" المذكور اعلاه، فلا اقترب من الموضوع اصلا او ان "احلف يمين" عند كتابة كل جملة واقول ان غرضي ليس طائفيا!
والموقف من المنشور، كما من اي شيء في حياتنا، قائم في الوعي واللاوعي، غالبا، على اساس طائفي، والموقف من "الثورة" السورية قائم على اساس طائفي، والموقف من ايران والسعودية وتركيا قائم على اساس طائفي. بل ان الموقف من نظام صدام قائم في اغلبه على اساس طائفي مهما تم تغليفه بالوقائع الصحيحة او الكاذبة. وكلمة طائفي تحتاج الى توضيح:
فالشيعي عندما يقول هذا طائفي فهو يقصد تحديدا السني، والسني عندما يقول هذا طائفي فهو يقصد، بالتحديد، الشيعي. وفي الطائفتين عقلاء كثر، لكن الغالب في الناس هم اصحاب هذا الفهم او القصد. والقوى السياسية المؤثرة في مجتمعنا هي قوى طائفية، شيعية او سنية او قومية، وهي قوى تم انتخابها من جمهور متحمس لها، ولم ينجب المجتمع بعد ويدفع بقوى ذات وزن في البرلمان او في الحياة السياسية سوى هذه التي بين ايدينا.
لكننا اعتدنا على انكار طائفية وضعنا، واخترنا العيش في انكار هذا الواقع.
وهناك مثل انكليزي يقول: "فيل في الغرفة" وهو كناية عمن يرى المشكلات الصغيرة من ثقب الباب، فيتحمس لها او ضدها، وينسى، أو لا يرى، مشكلته الكبرى المتمثلة في انه محبوس مع الفيل في الغرفة الصغيرة! (وثمة بشرى، وان جاءت متأخرة:
لا امكانية واقعية لنشوب حرب طائفية في العراق.
لقد انتهت الحرب ولم يعد يهدد بها من السياسيين الا التافه وعديم القيمة والتأثير.. وقد راينا في الانتخابات الاخيرة كيف ان الصراع انتقل داخل الطائفة الواحدة والقومية الواحدة، ولم تؤثر فيه التحريضات الطائفية المتبادلة.
اضافة لهذا فان صرامة النظام السياسي عندنا وضمانه حقوق جميع الاطراف من خلال صندوق الانتخابات فقط (ومهما كان رأيك في الانتخابات) قضى على اية امكانية لتحقيق شيء من خلال الحرب الطائفية. والطائفية اليوم في العراق تنحو نحو رحلة العودة، الى ما كانت عليه طيلة قرون: منظومة ثقافية اجتماعية تعكس التنوع الطبيعي في خيارات ومعتقدات الناس.. وكما في اي مجتمع متعدد القوميات والاديان والمذاهب.
ومن الواضح ان الاعتراف بوجود الطائفية افضل واقل ضررا من انكارها وانكار انها وجدت في العراق بشكل مختلف على يد صدام عندما اصدر قراره سنة 1980 ضد حزب الدعوة.
لقد قام النظام السابق بخطوات وقرارات لها طابع عنصري وطائفي وحتى عابر للطوائف (استهدافه للإخوان المسلمين واعدامه العديد من الضباط الدليم والجبور بتهمة التآمر عليه) لكنها لم تؤثر مثل تأثير قراره بخصوص حزب الدعوة.. فهذا القرار، من دون كل القرارات، وضع الطائفة بأكملها في موقع المتهم.
ولكي اقرب الصورة واوضح الفكرة اكثر اقول ان ذلك القرار اثّر على الشيعة كما اثّرت المادة اربعة ارهاب على السنة! فهذه المادة وفي عز الحرب مع القاعدة وداعش، جعلت طائفة السنة كلها تقريبا تحت طائلة الاتهام بها. (ولم يشعر السنة سابقا بمحنة الشيعة مع قرار صدام سنة 1980، ولم يشعر الشيعة بمحنة السنة مع المادة اربعة ارهاب. بل ربما كان كل طرف يرى في القرار مجرد اجراء سياسي محدد لا يمس طائفة محددة).
ولو لم تنته الحرب على المنظمات الارهابية بسرعة لأصابت هذه المادة المجتمع بشرخ خطير مثل الشرخ الذي نتج عن اتهام الشيعة بالانتماء لحزب الدعوة.
وبرأيي ان "اعلان" العراقي عن انتمائه لهذه الطائفة او تلك لا ضير او خطر فيه ان احب ذلك، فهذا الانتماء لم يعد يحقق مكاسب او يسبب مظالم..
لكن الخطير انك، وفي العراق المحكوم بكل مؤسساته طائفيا وعنصريا، تطلب من الجميع ان يتعالوا على طائفتهم وان لا يناقشوا القضايا القائمة على الطائفية!
ولا ادري كيف يمكن ان ننكر ان ما نحن فيه طائفيا هو نتاج كبت الطائفية في مجتمع مازال يعيش في تشكيلات ما قبل الدولة (عشيرة طائفة قومية)؟