بغداد ـ العالم
كانت هجمات الطائرات المُسيَّرَة التي استهدفت موسكو في وقت مبكر من يوم الثلاثاء، وألقي باللوم بها على كييف، أكبر موجة كهذه ضد روسيا منذ بدء حربها ضد أوكرانيا. فما الذي يحدث؟
تنقل صحيفة "غارديان" البريطانية عن السلطات ووسائل الإعلام الروسية أن ثماني طائرات مُسيَّرة شاركت في الهجوم، إذ أُسقطَت خمس طائرات أو تعطَّلت بطريقةٍ أخرى باستخدام تقنية التشويش.
وأفادت وسائل إعلام روسية مقربة من الأجهزة الأمنية بأن عدد الطائرات أكبر بكثير، إذ شاركت أكثر من 30 مُسيرة في الهجوم. وضربت جميع الطائرات المسيرة مواقع في جنوب غرب موسكو، بما في ذلك مبنى سكني تقليدي، ومبنى سكني شاهق، وبناية شاهقة أخرى. ولم يتسبب أي من الضربات بأضرار أو إصابات جسيمة. وسادت تكهنات بأنَّ واحدةً على الأقل من الطائرات المُسيَّرَة المعنيَّة كانت من طراز UJ-22 التي تنتجها شركة Ukrjet الأوكرانية التي تدعي روسيا بأنها شاركت في هجومٍ سابق واحد على الأقل. ويختلف بعض الخبراء الآخرين مع هذا الرأي، مشيرين إلى أنه نموذج آخر للطائرات المُسيَّرَة، وموضحين الاختلافات في الشكل.
والواضح أنَّ الطائرة المُسيرة التي رُصِدَت ربما كانت مُصمَّمَة لتكون طويلة المدى نسبيّاً، رغم أنه ليس من الواضح ما إذا كانت انطلقت من داخل روسيا أو من أوكرانيا نفسها.
إن منظومة UJ-22 المحمولة جواً تضم طائرات غير مأهولة قادرة على الطيران على مدار السنة، ليلاً ونهاراً.
وطائرات هذه المنظومة قادرة على الإقلاع والهبوط في مهبط طائرات يبلغ طوله 100 متر، ولديها القدرة على الطيران لمدة ست ساعات بحمولة تبلغ نحو 20 كغم، عادةً ما تكون قنابل يدوية وألغاماً، بما في ذلك ست قنابل يدوية من طراز RPG-7VM، أو أربعة ألغام هاون عيار 82 ملم.
تبدو صور الأضرار التي وقَعَت مُتناسقة مع حمولة أصغر بكثيرٍ من طائرات "شاهد" الانتحارية الإيرانية الصنع التي أطلقتها روسيا ضد أوكرانيا، مما يشير إلى أنَّ أوكرانيا إما غير قادرة بعد على إطلاق طائرات مُسيَّرَة أكثر فتكاً أو أنها قررت ألّا تطلق هذا النوع من الطائرات.
كانت هناك بعض ضربات الطائرات الأوكرانية المُسيَّرَة منذ بداية هذا العام على كلٍ من الأراضي الروسية والأراضي التي تسيطر عليها روسيا داخل أوكرانيا. وقد ركزت معظم هجمات الطائرات بدون طيار من هذا النوع على المناطق القريبة نسبيّاً من الحدود أو البنية التحتية الروسية والخدمات اللوجستية في المناطق المحتلة، بما في ذلك مصافي النفط التي شهدت موجةً من الهجمات الأخيرة.
ومع ذلك ، كان هناك نمط واضح من الجهود الأخيرة التي بذلتها كييف لضرب أهداف في العمق الروسيّ بطائرات مُسيَّرَة.
ففي فبراير (شباط) 2023، تحطمت طائرة من نوع UJ-22 في روسيا على بُعْد 100 كيلومتر من موسكو بعد أن تمكنت من التحليق لمسافة 460 كيلومتراً داخل الأراضي الروسية دون أن تدمرها الدفاعات الجوية. وفي مايو (أيار)، تعرَّضَ الكرملين لضربتين بطائرات مُسيَّرة تسببت بأضرارٍ سطحية فقط.
بعد أسابيع قليلة من ضربات الكرملين، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أنَّ وكالات الاستخبارات الأمريكية استنتجت أنَّ الضربات كانت بتوجيهٍ من أجهزة الاستخبارات الأوكرانية، على الرغم من أنها كانت أقل يقيناً بشأن الدليل على أن أوامر تلك الضربات قد صَدَرَت من أعلى مستويات الحكومة الأوكرانية. وأفادت التقارير بأنَّ هذا بدوره يؤجج القلق بين بعض المسؤولين في إدارة بايدن من أنَّ الحرب تُشكِّل تهديداً بالتصعيد خارج حدود أوكرانيا.
رغم أنَّ بعض هجمات الطائرات المُسيَّرَة تتماشى مع فئة ما يُسمَّى بالعمليات التمهيديّة السابقة للهجوم المضاد الأوكراني — وأبرزها استهداف البنية التحتية والخدمات اللوجستية — يبدو أنَّ هذه الهجمات تهدف بقدرٍ أكبر إلى ترك أثر نفسي في نفس الأعداء. بالنسبة لكثيرين – لا سيما النخب الروسية الأكثر ثراءً في مدن مثل موسكو وسان بطرسبرج — كانت الحرب بعيدة إلى حدٍ ما عن التجارب التي عاشها الروس من تجنيدٍ وتعبئة من المناطق النائية.
ووفق تقرير صحيفة "غارديان"، يبدو أنَّ هذه الهجمات مُصمَّمَة لإعادة الحرب إلى العاصمة الروسية، مما يؤكد حقيقة أنَّ أوكرانيا قادرة على الالتفاف على الدفاعات الجوية الروسية، وأن لديها القدرة على ضرب العمق الروسيّ.
ووصفَ الرئيس فلاديمير بوتين تلك الهجمات بالعمل "الإرهابي" الذي اقترفته كييف.