ميدل إيست آي: إسلام ماكرون الفرنسي صدى لسياسة القمع في الخليج
8-تشرين الثاني-2022
بغداد ـ العالم
قال موقع "ميدل إيست آي"، إن منظومة القيم الفرنسية التي يسعى الرئيس إيمانويل ماكرون إلى "حمايتها"، بحسب وصفه، تمثل شبها كبيرا بسياسات الأنظمة القمعية في دول الخليج.
وأوضح الموقع في مقال للباحث ريان فريشي، المختص في قضايا اضطهاد المسلمين بفرنسا، أن "إسلام ماكرون الفرنسي ما هو إلا صدى للسياسات القمعية التي تنتهجها أنظمة الخليج".
وأضاف أن "قيم الرئيس الفرنسي تبعث على القلق لصلتها الوثيقة بنموذج القمع الذي تستخدمه الإمارات لمحاربة الإسلام السياسي".
وتاليا الترجمة الكاملة للمقال:
في خضم الجدل الذي يدور حول ارتداء الزي الإسلامي في المدارس الحكومية، ألقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطاباً استراتيجياً في المسجد الكبير في باريس الشهر الماضي أثناء الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيسه.
بعد الحديث عن تاريخ المسجد، راح ماكرون يحدد معالم رؤية لنمط من الإسلام "الملتزم بقيم الجمهورية والوفي لها". وباتت الإشارة إلى هذه "القيم" المزعومة شرطاً ينبغي أن يلتزم به المسؤولون السياسيون في الدولة الفرنسية كلما تحدثوا عن الإسلام والمسلمين. وما هذه الإشارة الغامضة إلا ستار يخفي من وراءه مدلولاً سياسياً عميقاً، ألا وهو أنه يتوجب على الإسلام مقابل التسامح معه أن ينسجم مع موجهات الدولة وأن يتلاءم معها.
وغدت "قيم الجمهورية" حدوداً تحيط بالحيز السياسي الذي ينبغي على الإسلام والمسلمين في فرنسا أن يعملوا ضمنه – وهو حيز لا يعترف إلا بالخضوع السياسي.
وطبقاً لما يقوله ماكرون، فإنه يتوجب على الإسلام أن يكون "متوافقاً مع الجمهورية". وبالفعل، يشير انعدام التوافق إلى شكل واضح من "الانفصالية"، وهو المفهوم الذي بدأ الرئيس في استخدامه قبل عامين عندما تقدم بمشروع قانون لمحاربة "الإسلاموية الراديكالية".
وفكرة الانفصالية تشير إلى منطقة محرمة على المسلمين، ألا وهي المعارضة السياسية والحرية الدينية. بمعنى آخر، ينبغي أن يحظى تدين مسلمي فرنسا بموافقة الدولة ويخضع لقيودها الشديدة. ولذلك أفضى قانون "معاداة الانفصالية"، الذي تبناه البرلمان في العام الماضي، إلى فرض حجر مشدد على الحقوق الأساسية للمسلمين داخل المجتمع المدني.
وانطلاقاً من ادعاء الحاجة إلى حماية الأمن القومي وحماية الجمهورية الفرنسية والعلمانية، شنت الدولة المعادية للإسلام والمسلمين أكثر من 26 ألف تحقيق مستهدفة كل شيء من المصالح التجارية والمدارس التابعة للمسلمين إلى المساجد. وأٌغلقت بشكل دائم أو مؤقت أكثر من 800 مرفق وصادرت ما يزيد على 55 مليون يورو (ما يعادل 55 مليون دولار).
طالت حملات القمع العديد من المنظمات الإسلامية المعتبرة مثل التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا وجمعية "مدينة البركة" الخيرية.
خوف وشلل
والغاية الواضحة من هذه المقاربة الراديكالية هي بث الرعب في نفوس السكان المسلمين، ولم تلبث التداعيات النفسية لهذا القمع الذي تقوده الدولة أن تجلت بوضوح. فقد انتشر الخوف والشلل في أوساط المجتمع المسلم، والذي يصل تعداد أفراده إلى ما يقرب من ستة ملايين، ما حفز أعداداً متزايدة من المسلمين على سلوك درب الهجرة.
في خطابه الأخير داخل المسجد الكبير، شرح ماكرون كيف سوف تعمل الدولة على ترسيخ قواعد "الإسلام الفرنسي" الذي يخضع سياسياً للجمهورية وينقاد لها. ويتضمن ذلك دمج المسجد الكبير ضمن "منتدى الإسلام في فرنسا" والمشكل حديثاً، والذي يقيم هيكلية تكون، من حيث يتعلق الأمر بأعراف الدولة وأعراف الإسلام، منحازة للأولى ومؤثرة لها.
اختتم الاحتفال بالذكرى بتسليم ماكرون لرئيس المسجد، شمس الدين حافظ – وهو محام سابق لم ينل حظاً من التعليم الديني الرسمي – وسام الشرف، وهو أعلى الأوسمة الفرنسية مرتبة على الإطلاق.
من الجدير بالملاحظة أن المقاربة الفرنسية، التي تحدث عنها ماكرون بصراحة في خطابه هنا، إنما هي صدى للسياسات التي تنتهجها الأنظمة السلطوية الأخرى في بلاد المسلمين. وخذ على سبيل المثال دولة الإمارات العربية المتحدة، التي كشفت تقارير أخيرة عن عمق ارتباطاتها السياسية مع فرنسا، والتي تبنت على مدى العقد المنصرم سياسة راديكالية في محاربة "الإسلام السياسي".
تستخدم الإمارات العربية المتحدة كل ما هو متاح لديها من وسائل، بما في ذلك التعذيب، لإخماد أي معارضة سياسية، وأقامت مؤسسة، اسمها "مجلس الإفتاء"، من أجل ضبط الإسلام والترويج للقيم "المعتدلة".
يقال إن رئيس الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد تحدث أثناء حوار له مع وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لو مائير عن تصدره لمهمة قمع "الإسلام السياسي".
وفرنسا، مثلها مثل حليفها، تستخدم أي أداة متاحة لديها لإخماد المعارضة، وأقامت كياناً جديداً ليشكل غطاء دينياً لما ترتكبه من مظالم. ينبغي أن يكون في التشابهات بين سياسات الدولتين مؤشرات مفزعة تنذر المدافعين عن حقوق الإنسان.
وتماماً كما أن "الإسلام الفرنسي" يرتبط بالنظرة السلطوية للإمارات العربية المتحدة، فإنه يمكن لظاهرة الإسلاموفوبيا الأوروبية بعمومها أن تستمد زخماً من النموذج الفرنسي. ولا أدل على ذلك من أن المؤسسات الفرنسية منهمكة حالياً في جهود دعائية لنشر رؤية الدولة المعادية للإسلام في العشرات من البلدان الأخرى.
لمنع توسع هذا النطاق من القمع الموجه ضد المسلمين، يجدر بنا جميعاً الوقوف صفاً واحداً إلى جانب مسلمي فرنسا في نضالهم العسير، ويتوجب علينا تحدي السياسات التي تنتهجها فرنسا ضد المسلمين فيها.