هل يلجأ العالم مجددا إلى السلاح النووي
5-أيار-2024

بغداد - العالم
السلاح النووي، رغم قوته وقدرته على حسم المعارك، إلا أن السلاح النووي ظل سلاحا احتياطيا يتهيب العالم اللجوء إليه إلا من باب التحذير. لكن تبقى فرضية استعماله ممكنة ومن جهات متنطعة ذات دوافع أيديولوجية أو دينية على عكس القوى الماسكة به الآن التي تكتفي فقط بالتلويح بورقة يخاف الجميع من أخطارها.
لم تكن القنبلة التي ألقيت على هيروشيما أكثر قوة من أغلب القنابل التي ألقاها الألمان على لندن خلال الحملة المعروفة باسم “بليتز” أو “البرق”، لكنها قتلت ضعف ما كانت تقتله القنابل التقليدية من الناس.
الثورة التي جاء بها السلاح النووي متمثلة في قدرة التدمير الهائلة اللحظية المؤكدة التي تميزه، ناهيك عن آثار أخرى كانت لا تزال يومها غير واضحة المعالم لدى عامة الناس، ونعني أخطار الإشعاعات.
هكذا يقدم برونو تيرتري المحلل السياسي الفرنسي المتخصص في السياسة النووية والذي قدم الكثير من المؤلفات في هذا المجال كتابه “السلاح النووي بين الردع والخطر” والذي ترجمه عبدالهادي الإدريسي، موضحا أن الغاية الأولى من صنع القنبلة النووية كانت محاربة النازية، ثم استعملت ضد الإمبراطورية اليابانية.
وأضحى السلاح النووي اليوم بمثابة تأمين مزدوج ضد مخاطر انتشار الأسلحة النووية ذاتها وضد عودة كل خطر كبير محتمل. كما صار بالنسبة إلى بلدان أخرى أداة سياسة لبسط النفوذ وبناء القوة وفرض الذات.
ويوضح تيرتري أن السلاح النووي يدخل ضمن تسمية “أسلحة الدمار الشامل”، وهي تسمية صاغتها منظمة الأمم المتحدة في العام 1946، وتشمل كذلك الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية والإشعاعية.
بيد أن السلاح النووي يتميز عن غيره من الأسلحة من عدة وجوه أولها الجانب القانوني، حيث إنه وعلى خلاف غيره من أسلحة الدمار الشامل لا يخضع لأيّ اتفاقية تحريم عامة ملزمة للجميع. وثانيها تقني، حيث أنه هو الوحيد الذي يحدث مفعولا تدميريا شاملا لا يستثني شيئا، إذ يدمر في الآن ذاته البنيات التحتية والأجسام المادية (مثله مثل المتفجرات التقليدية) والكائنات البشرية وغيرها من الأحياء (مثله مثل الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية والإشعاعية). وأخيرا هناك الجانب الإستراتيجي حيث إنه السلاح الوحيد الذي يستخدم للردع، أي من أجل تفادي قيام الحرب.
ويؤكد تيرتري أن بريق السلاح النووي لا يزال أخاذا لم ينطفئ، والمسائل المتعلقة بالذرة تقع اليوم في قلب نقاشات حامية. ويحاول في كتابه تقديم المفاتيح الضرورية لفهم هذه النقاشات؛ حيث يبسط القول في تقنيات الأسلحة ومفعول كل منها، ثم في القواعد الضرورية لاستيعاب مفهوم الردع النووي وتفريعاته، محللا أثر السلاح النووي في الساحة السياسية الدولية، ويخلص إلى وصف الجهود المبذولة من أجل الحد من الخطر النووي، أي من أجل التحكم في التسليح ومحاربة انتشار الأسلحة النووية.
ويرى أن الناظر إلى مكانة السلاح النووي على الساحة الدولية يجد أنها تفصح عن اتجاهين متضادين، فبينما تتراجع مكانة ذلك السلاح نسبيا في منظومات الدفاع الغربية، نراه يزداد مع مرور الوقت لدى الدول الساعية إلى تأكيد قوتها أو نفوذها أو حتى مجرد استقلالها، وبذلك يبدو أن مستقبل السلاح النووي يبقى مفتوحا.
ويتساءل تيرتري: هل سيكون العالم أفضل حالا لو أنه خلا من الأسلحة النووية؟ فيقول إن هذا السؤال يقع منذ العام 1945 في قلب نقاشات إستراتيجية وسياسية وفلسفية. فعدم اندلاع أيّ حرب شاملة بين القوى العظمى منذ 1945 يعدّ في حد ذاته حدثا مثيرا للانتباه، ولا شك أنه من الصعب أن يتصور عاقل أن الردع النووي لم يكن له أيّ دور في ذلك.
ومن هذا المنظور فإن خلوّ العالم من الأسلحة النووية من شأنه أن يقود إلى تراجع تاريخي كبير.
وكثيرا ما يقال إنه من المستحيل “جعل الناس ينسون السلاح النووي فكأنه لم يوجد قط” وهذا ليس صحيحا، إذ أن منعا عاما وشاملا لا بد أن يؤدي؛ بعد مرور عقود من الزمن، إلى اندثار المعرفة والمهارة اللازمتين لكل إعادة بناء سريعة للترسانات النووية.
ويضيف “مهما يكن من أمر فإن نزع السلاح النووي ليس بالأمر الوارد اليوم، غير أن هناك فرضيتين قد تغيران من المنظور الحالي. أولهما فرضية التوصل إلى تصنيع أسلحة يمكن الاستعاضة بها عن القنبلة النووية، ذلك أنه إذا كان من غير الواقعي تصور التوصل إلى إقامة نظام أمني ينشر مظلته على العالم كله ليجعل قيام حرب بين الدول شيئا متجاوزا غير وارد، فليس من المستحيل تصور بدائل للقنبلة النووية. ومن ذلك نذكر الأسلحة البيولوجية التي تحدث المفعول المدمر نفسه على المجموعات البشرية، وليس من المستبعد أن يتيح التقدم التكنولوجي جعل التحكم فيها أسهل وأيسر”.
ولكنها علاوة على كونها موضوعا لتحريم دولي، فهي غير ذات مفعول على المنشآت والآليات المعادية، ناهيك عن أن مفعولها ليس لحظيا، ونذكر منها أشعة الليزر عالية القوة التي تعمل في الطور الصلب، وهي قد تكون بديلا معقولا، لكنها باهظة الثمن دون ذلك.
كما أن هناك “مجالات المادة المضادة والتكنولوجيات ما تحت المجهر، التي يمكنها أن تؤمّن قدرة تدميرية مكافئة لقدرة القنبلة النووية، لكن فقط على مدى جد بعيد. والحق أنه من الصعب أن نتصور في أفق يمكن التنبؤ به، وسيلة حربية لها من الفعالية ومن الأثر المرعب ما يؤهلها لتحتل مكانة القنبلة الذرية آلة للردع.
الفرضية الثانية التي يوضحها تيرتري هي المتمثلة في استعمال ثالث للقنبلة الذرية. إن مرور الوقت يزيد من كثافة هالة المحرّم التي تحيط بالسلاح النووي. بيد أن هناك وجهة نظر أخرى ممكنة، إذ نستطيع القول على العكس من ذلك إن مرور الزمن يباعد ما بين البشر وبين ذكرى هيروشيما، مما سيفضي بالمناعة المكتسبة من أثر هول ما حدث في العام 1945 إلى أن تندثر رويدا رويدا.
هذا ما جعل بعض الاختصاصيين، مثل أندرو مارشال أحد الوجوه البارزة في البنتاغون، يطورون أطروحة “التساهل” التي مفادها أننا مع مرور الزمن قد ننسى الآثار المدمرة التي تحدثها القنبلة النووية، فنصبح مستعدين للقبول باستعمالها.
ومن جهة أخرى فإن النجاح الذي حققته إستراتيجيات الردع حتى اليوم لا شيء يضمن ألا يستعملها أحد أبدا.
لقد كان ألفريد نوبل يظن أن الديناميت الذي اخترعه سيضع حدا نهائيا للحروب، وكذلك ظل الأخوان رايت رائدا الطيران، كما كان القادة البريطانيون في العام 1938 يتصورون أن قصفا إستراتيجيا قد يحد من أخطار اندلاع صراع جديد في أوروبا.. وهذه كلها سوابق من شأنها أن تكون داعية إلى التزام جانب الحذر. وعلاوة على ذلك فإن التاريخ يبين أن الأخطار التي تنطوي عليها أزمة معينة قد تفضي، عبر تسلسل التحالفات أو بسبب من سوء التقدير لنوايا الطرف الآخر، إلى انزلاق الخصمين سريعا إلى ما لا تحمد عقباه.
وفي مثل الوضعيات فإن التعقل السياسي قد يكون غير ذي مفعول كبير.
ويخلص تيرتري إلى أنه لا ينبغي استبعاد إمكانية استعمال السلاح النووي من قبل قادة تحركهم دوافع أيديولوجية أو دينية، ولا وجود لديهم للاحتراز إزاء التدمير الشامل، هذا إذا لم يسعوا قصدا إلى إحداث خسائر بشرية كبيرة جدا.
إن استعمالا جديدا للقنبلة النووية قد يكون حدثا ذا نتائج هائلة تفوق بما لا قياس معه النتائج المترتبة على اعتداء الحادي عشر من سبتمبر 2001، غير أنه من الصعب التنبؤ بما ستكون عليه هذه النتائج بالذات: هل ستفضي إلى نزع تام وشامل للسلاح النووي، أم هل ستفضي على عكس ذلك إلى إفقاده وضعه المتميز وجعله سلاحا مثل غيره من الأسلحة؟ وبانتظار ذلك فإن السلاح النووي باعتباره “الخطر الأكبر” الذي يهدّد سير العالم كما ذهب إلى ذلك الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، يعد من قبيل المحاكمة الجائرة. فالحروب التقليدية والصراعات الداخلية التي كثيرا ما تقاد بأكثر الوسائل بدائية، وكذلك سياسات الإبادة والمجاعات المنظمة، هي المسؤولة عن المآسي البشرية الكبرى منذ 1945 لا القنبلة النووية.

يوفنتوس يعود إلى طريق للانتصارات من بوابة مونزا
24-كانون الأول-2024
مدرب المنتخب الوطني: الفوز على اليمن لم يكن سهلا والخصم متكتل دفاعيا
24-كانون الأول-2024
بادية السماوة تشهد فتح مقبرة جماعية تضم عشرات رفات كرد
24-كانون الأول-2024
السوداني يعلن استئناف عمل البعثة الدبلوماسية العراقية في دمشق
24-كانون الأول-2024
أزمة كهرباء خانقة تعصف بالعراق والحكومة تبحث عن حلول بعيدا عن الغاز الإيراني
24-كانون الأول-2024
محمد صلاح يقلب الطاولة على إدارة ليفربول ويضع «الريدز» في ورطة
23-كانون الأول-2024
أيمن حسين تقود العراق لعبور اليمن
23-كانون الأول-2024
لماذا بدا «سوبرمان» منهكا في آخر أفلامه؟
23-كانون الأول-2024
تهنئة للدكتور جبار جودي
23-كانون الأول-2024
ترقب حذر للواقع الاقتصادي والمالي في العراق خلال العام القادم
23-كانون الأول-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech