عامر بدر حسون
والأحزاب السياسية حرة تجتهد كما تشاء وتسعى لاكتساب ثقة أكثر عدد منكم، ولا شأن لي في الحزبية والأحزاب.. فإذا قام حزب منكم يطلب فرض ضريبة على التمر مثلاً، وقام حزب آخر يطلب فرض الضريبة على البرتقال فالأمر لكم في تأييد من تشاؤون.. إذ أن ذلك لا علاقة له بسياسة الدولة العليا.
وأني أنظر إلى الأحزاب على حد سواء نظر الوالد لبنيه، ولا تظنوا بأني أحابي حزبا دون آخر وأنا شاعر بأمانة الوديعة المقدسة التي هي بين يدي.
قلت أن الملك مسؤول عن سياسة الدولة العليا، وهو بهذا الاعتبار هو تأييده الحزب الذي يعضده الشعب من أجل اجتهاده في الأمور الداخلية، وعليه أن يوجه أعمال وزارته إلى ما فيه سلامة الدولة ورقيها جرت الانتخابات قبل سنة تقريباً وكانت آراء القوم متضاربة، ففريق يقول إن المعاهدة غير نافعة والشعب لا يقبلها.. وفريق يقول أنها نافعة والشعب يقبلها ويقرها.
ولم أت بهذا الفريق من الخارج، فهل من عجب إذا أوليت الحكم هذا محاباة لفريق دون الآخر؟ سياستي هي أن نبلغ الهدف عن أقصر الطرق السلمية ونلغي الانتداب المشؤوم.. وهذا ما سيتم قريباً. وإذا أيدت من أيد سياستي العليا وعمل على سبيل خلاصكم فلا ملام ولا عتاب. ومع ذلك فليعلم الجميع بأنني صديق الكل وأب الكل أجل الجميع ونحن كلنا خدام للوطن العزيز.
أخواني: ـ
بقي أمران أريد التحدث إليكم عنهما الأول وهو مركز العراق بين الأمم وثقتها به. لقد سمعت أذناي أنين الأمم العريقة بالغنى والثروة من الضائقة الاقتصادية وشدة وطأتها.. وإن العراق، ولله الحمد، يتمتع اليوم بحالة هي أحسن بكثير من أحوال تلك الأمم، وسوف ترون عن قريب عدة شركات تصل إلى العراق لتفاوضكم في أمر استثمار أموالها.. بينما هي لا تجرأ على الذهاب إلى مماليك أقرب إليها وأدنى..
ولماذا؟ لان في العراق ثلاث ميزات الأولى العدل في المحاكم، وتعلمون أن الأجنبي لا يستثمر أمواله إلا في بلاد يسودها العدل وأشد ما يخافه ظلم المحاكم الوطنية وتواطئها عليه، والعراق مشمول بالعدل وقضاته بوجه عام يعترف الأجنبي بأنصافهم وعدالتهم.
والثانية السكينة والطمأنينة وهما ركنا استثمار الثروة، والأجنبي يستطيع أن يعمل ويشتغل ولا يخشى خطراً وعدواناً.
والثالثة عدم وجود دين ما على العراق لأحد، وأرباب رؤوس الأموال ينفرون من استثمار أموالهم في بلاد يثقلها الدين.
وأطمنكم أنكم سوف لا ترون أي تسامح أو تساهل في المفاوضة مع الأجنبي لا يبرره المعقول والمصلحة العامة وليكن معلوماً أننا سوف لا نقبل أموالاً أجنبية تستغل في بلادنا إلا إذا اقتنعنا أن معظم المنفعة سوف يعود لنا.
إن الأمن والسكينة هما أساس الرقي والتقدم وهما أقدس ما تحتاج إليه البلاد. وإن من يعبث بهما يكون خائناً وللخائن جزاؤه.
أن سكون البلاد في عشر سنوات خلت قد أبلغنا أمانينا ونحن في المرحلة الأخيرة إلى حريتنا الكاملة واستقلالنا الصحيح، وهذه السياسة التي مشينا عليها سياسة التؤدة وانتهاز الفرص قد أنقذتنا ونأمل أن ننقذ البلاد العربية الأخرى.
ثانياً إن الأزمة الاقتصادية التي يئن سائر العالم منها نئن نحن منها أيضاً، ولكن أملي عظيم بأن ما امتاز به شعبي من جلد وصبر على النكبات وفي مغالبة الطواري سيذلل العقبات وسنخرج البلاد من ضائقتها بأقل ضرر.
لدينا كنوز عظيمة ورجال أقوياء ولا يعوزنا إلا السعي والعمل المثمر الجدي والمستمر والأخذ بسياسة اقتصادية حكيمة عن طريق الاستغناء عن كل ما يرد علينا من الخارج سلعاً ومنتجات بقدر إمكاننا، وصنع ما نحتاج إليه في بلادنا.
بذلك نصون ثروتنا وننقذ أنفسنا. وأقول الحق: لا استقلال لبلاد غير مؤسسة اقتصادياتها على أسس ثابتة.. ومثل ذلك كالبنيان المشاد على الرمل وعلى جرف مهدد بالانهيار. وفي الختام أطلب إلى شعبي المحبوب أن يؤازرني في بناء مستقبلنا الاقتصادي كما آزرني في الجهة السياسية، والباري يأخذ بيد الجميع هذا والله ولي التوفيق.
"أصدرته ملاحظة المطبوعات"