علي الشرع
محمد شايع السوداني كان ينتمي لحزب الدعوة ثم خرج منه لايهام الناس انه مستقل من اجل الحصول على منصب رئيس الوزراء أيام التظاهرات ضد عادل عبد المهدي، والغريب ان حزبه لم يخوّنه او يأسف عليه! بل صار يخاف منه الان ان يقتنص الولاية الثانية، وهذا لن يحصل بالطبع! ومعروف للجميع ان أعضاء حزب الدعوة القدماء كانوا دعاة حقيقين وشرفاء اما الموجودون منهم في الساحة السياسية فهم سماسرة يتكالبون على المناصب، ونسوا الدعوة وشؤنها والدليل ان من انسحب منهم من العمل السياسي انزوى في جحره ولا نكاد نسمع لهم ركزاً مما يدل على انهم حزب سياسي بحت لا علاقة له بالإسلام والدعوة اليه، وهكذا هو فعلاً.
والسوداني له استراتيجيات غريبة فهو يقدم المهم على الأهم. ومنها انه قدم حل قضية الاختناقات المرورية المؤقتة على حل مشكلة الكهرباء المستديمة. ولا ندري بالضبط الى ما وراء اهتمام السوداني بالجسور وفك الاختناقات مع انه لم تخرج مظاهرة واحدة ضد الازدحامات في يوم من الأيام، بينما لم يهدأ العراق من التظاهرات الدامية أحيانا ضد تدهور الكهرباء، فهل لهذا الاهتمام من قبله له علاقة بتسهيلات طلبتها السفارة الامريكية حتى لا يتعرض موكبها لو نزل في زحام المركبات الى هجمات قاتلة؟
وعموماً فأن جسور السوداني وفرحته بها لم تدم طويلاً فقد هاجمها الحر الذي كشف عورة الكهرباء مجدداً، وتجنب بسببها أصحاب المركبات النزول للشارع وظلت جسور السوداني فارغة تغفو على جنباتها الشمس المحرقة بعد ان حذر الدفاع المدني من خطورة السياقة في الشارع في ظل الحر الشديد خشية احتراق المركبات واحتراق السائق معها. وزاد في تنغيصه ان الكهرباء الوطنية تدهورت بشكل جعل الناس تتظاهر في كل مكان وتحرق الإطارات في الشوارع. فازدادت حيرة السوداني فبث جلسة مجلس الوزراء على شاشات القنوات الفضائية وخرج وزير الكهرباء وقد اطال لحيته على غير العادة حتى يوحي للناس انه مشغول الى درجة لم يتسنى له حلاقة لحيته، ومن المحتمل ان السوداني أشار اليه بذلك، وظل الرجل يعدد الوعود الفارغة كما فعل اسلافه من قبل، ويطلق التطمينات، ويتخيل افق للحل على المدى الطويل لا القصير طبعا بتحسين امدادات الكهرباء.
وإزاء هذه المحنة التي ليس لها من مخرج كما يظهر، وجد السوداني أخيرا الحل في تقليص الدوام الرسمي مع ان المواطنين -الذي هم اكثر عددا من الموظفين- وليس الموظفين هم المتضررين من فقدان التيار الكهربائي بل ان الموظفين مستمتعون بالكهرباء المستمرة في أماكن عملهم، وحتى اذا كان القصد هو توفير قدرا من الطاقة لتحويلها الى المناطق السكنية، فما تستهلكه المؤسسات الحكومية من الكهرباء هو نقطة في بحر من حاجة البلد الى الكهرباء. وقد نشرت جريدة العالم في عدد يوم الاحد الماضي نص قرار السوداني في تعديل التوقيتات الذي كشف في احدى فقراته نكول السوداني عن تعهداته وهي (4. تكون أوقات الدوام الرسمي وفقًا للتوقيتات المذكورة في هذا التوجيه، بدءًا من يوم الاحد 23/6/2024 لغاية يوم الخميس 29/8/2024 ثم يعاد العمل بالتوقيتات المعمول بها (بحسب قرار مجلس الوزراء (24213) لسنة 2024)). وهنا سقط السوداني في الفخ، فالرجل كان كاذباً في وعده من ان قرار التوقيتات تجريبي لمدة ثلاث شهور ينتهي في 14/7/2024 اذا لم يؤدي الغرض المطلوب منه او اضر بالموظفين. وبدلاً ان يقول يتم الغاء قرار التوقيتات سيء الصيت اذا به يعبر فوق الموعد المقرر ليقفز الى نهاية شهر اب ثم يعيد العمل بها بعده، وهو ما يعني انه لن يلغيه ابداً مع انه لم يحقق شيء من أهدافه. فالازدحامات صارت موجودة في كل وقت في حين انها كانت في اوقاتاً محددة، ولم تتأثر بتغيير توقيتات الدوام ناهيك عن كثرة المناشدات لإلغائه من طلبة وموظفي التعليم العالي. والغريب ان السوداني اتخذ القرار بشكل فردي هذه المرة، بينما فرض التوقيتات الجديدة لم يصدر الا كأحد من مخرجات جلسة مجلس الوزراء. فاذا كان السوداني قد اتخذ بنفسه القرار فكيف وفر لنفسه الصلاحيات بتقليص الدوام من دون الرجوع الى مجلس الوزراء كما فعل من قبل؟ على المختصين بالقانون ان يفسروا لنا ذلك. وبناء على هذا يتبين ان ليس لمديرية المرور دخل في اقتراح توقيتات الدوام الجديد بل هو قرار أصدره اما السوداني او الخطير مدير مكتب السوداني من دون علم السوداني!؛ لأن صياغة قرار التقليص لا تتلاءم مع أسلوب السوداني في الكتابة.
ومما يدعو للشك أن مديرية المرور زعمت انها هي التي اقترحت هذا القرار، واذا كان السوداني استمع فعلاً لنصيحة المرور فأن ضباط المرور يريدون ان يخففوا عنهم اللوم من الناس ويرفعوا عنهم عبء تحمل المسؤولية امام السوداني فابلغوه ان تغيير التوقيتات قد حل المشكلة تماما ولابد من الاستمرار عليه، وضباط المرور لا لا يهتمون بالتعليم العالي يقدّرون أهميته بالنسبة للبلد كما يقدره السوداني الذي وعد التدريسيين في وزارة التعليم العالي بصرف مبلغ 4 ملايين دينار مقطوعة عن كل بحث ينشر في المجلات العلمية العالمية الرصينة.
وما لم ينقل للسوداني أنه بعد تقليص الدوام وعودته الى ما قبل التغيير الى توقيتات الدوام الجديد (الفرق في التقليص نصف ساعة في بداية الدوام (كان 8.30) ونهاية الدوام (كان 2.30)) قد تهلل وجه الموظفين -كما نقل لي احد الاشخاص- وقالوا بلسان واحد (رحم الله والديه) للسوداني. ويشبه دعاء هؤلاء الموظفين للسوداني قصة الفقير والوزير التي حكاها لي الشخص نفسه التي تصف حالهم وحال العراقيين مع الطغاة، سأنقلها هنا بتصرف واختصار وهي( يقال ان فقيرا ذهب لمقابلة الملك بسبب سوء أوضاعه المادية فأحاله الملك الى الوزير فحكى الفقير للوزير قصته كونه في ضيق حال فهو يعيش هو وعائلته في غرفة واحدة ووحيدة ليس غيرها، فقال له الوزير وماذا عندك بعد من أموال فقال له عندي بقرة ونعجة ودجاجة، فقال له الوزير وجدت الحل دع البقرة تدخل معكم في الغرفة، فقال له ان الغرفة ضيفة لا تسعنا انا والعائلة فقال له الوزير لا عليك نفذ ثم تعال لي، وبعد ان نفذ ذلك رجع الى الوزير فقال له لقد ضاقت علينا الغرفة كثيراً إضافة الى الروائح الكريهة، فقال له الوزير لا عليك ضع النعجة معكم في الغرفة، ففعل الفقير ذلك ثم عاد اليه فقال له لقد ضاقت الغرفة علينا اكثر وتعقدت حياتنا، فقال له لا تهتم ادخل اليوم الدجاجة معكم ففعل فعاد للوزير بعد يوم فقال له لقد صارت حياتنا جحيماً، فقال له الوزير لا عليك اذهب فاخرج البقرة ففعل وعاد له واشتكى انه لم يتغير الشيء الكثير فقال له اخرج النعجة ففعل، لكنه رجع له شاكياً من الضنك فقال له اخرج الدجاجة ثم عد لي، فعل وعاد له وسأله هل تحسنت احوالك فقال له نعم (رحم الله والديك)، تماماً كما فعل الموظفون عندما قلص السوداني الدوام بسبب نقص الكهرباء..
ويذكرنا ما فعله السوداني فيما يخص التوقيتات الجديدة باستراتيجيات الالهاء العشرة للتحكم بالشعوب لتشومسكي، وواحدة منها هي التطبيق التدريجي للقرارات، كما فعل السوداني بالضبط. ففي البداية قال التوقيتات تجريبية لمدة ثلاثة شهور ثم الان قفز الى نهاية آب ثم يريد العودة لها بعده، وهذا يعني انه يريد تعويد الناس عليه تدريجيا؛ لأنه لو قال من البداية انه سيتم تطبيقه بشكل دائم لحصلت ردة فعل غير متوقعة. وهذا الالهاء المتعمد الذي مارسه السوداني هو ثوب الطغيان والطغاة الذي لبسه وجاء على مقاسه.
لم يبق الوقت الكثير لنهاية حكم السوداني ولكن امام السوداني على الاقل فرصة ان يفي بوعوده برفع التوقيتات في موعدها المقرر يوم 14/7، وكذلك الوفاء بوعده الاخر بصرف مبلغ 4 ملايين دينار لكل بحث ينشر في المجلات العلمية الرصينة والا فسنطلق عليه اسم: السوداني الكاذب. وليتوقع السوداني وليستعد ولينتظر ان تنعكس عبارة (رحم الله والديه) الى (لعنة الله عليه وعلى .......) اذا لم يف بوعوده.