علي الشرع
من يحكم العراق الان يا ترى هل هو السوداني ام مدير مكتبه ام الاطار التنسيقي؟ وهذا السؤال مهم؛ لأنه من الواضح ان العراق يسير الى الهاوية في ظل التشكيلة الثلاثية الحالية للسلطة. فالسوداني صار يتخبط كأنما اصابه مس من الشيطان بعد ان كشفت للملأ شبكة التجسس والتنصت والابتزاز التي كان يديرها مقرب منه وبعلمه وتخطيطه، والا اذا لم تكن بعلمه وتخطيطه وهي على هذا المستوى من الخروقات، فقد اثبت هذا الرجل أنه لا يمكنه السيطرة على إدارة الدولة من دون تشويش يبثه عن طريق جيوشه الالكترونية لتشتيت انتباه خصومه والناس عموماً عن اخطاءه وعثراته وسوء قراراته، فهو من دون ذلك لا يصلح للحكم فهو بلا مواصفات شخصية جذابة وكل ما يفعله أنه يحاول ارضاء الجماعة التي جلبته للسلطة من اجل ان يبلغ الولاية الثانية. لكنه بعد الفضائح الأخيرة اظهر أنه ليس املاً العراق بل سيكون سبباً في خرابه. فهو-لعمري- في منتهى الغباء ويجب اجباره على التنحي عن السلطة، فشبكة مكشوفة مثل شبكة التنصت والتجسس والابتزاز لا يمكن إخفاء اعمالها مهما سترها ثم ببساطة يتنصل منها كما تنصل من قبل عن المزرعة الالكترونية، وهي حوادث تدل على ان هذا الرجل سيورط العراق في مصائب كبيرة، وسيرهن مستقبل اجياله ثم يهرب ويتهرب.
ولقد هرب من الضغوطات الإعلامية التي اقبلت اليه كالسيل وحاصرته في المنطقة
الخضراء حتى انه نسى جسوره التي نثرها في ارجاء بغداد الى ان عاد من السفر مع تطبيل واضح لانجازاته في قناة العراق الرسمية التي لا يعمل فيها صحفيون مستقلون بل هم عبيد ينعقون خلف كل من يحكم ويتسلط. لقد هرب السوداني على مرأى ومسمع من جميع العراقيين الى مصر وتونس الفقيرتان حتى ينشغل الناس بزيارته وينسون سقطته، وهو اسلوب مارسه طاغية العراق بعد انهزامه في المعركة في حرب الخليج الثانية وخروج العراقيين ضده في انتفاضة شعبان المباركة اذا به يظهر على شاشة تلفزيونه وجرائده البائسة وقد جلس بشكل لا يبدو منه الا مقطع عرضي من جسمه لا يظهر فيها وجهه، وعيناه تتجهان نحو زاوية فيها جلاوزته بحيث لا يرى المشاهد الخزي والعار في عينيه. اما السوداني الذي هرب في زيارة غير معلنة مسبقاً لهذه الدول فقد صرح بما هو اعجب من فضيحته وهو ان هدف هذه الزيارة هو من اجل تدارس أمور استراتيجية منها ملف المياه مع ان لا مصر ولا تونس يمتلكان قوة مؤثرة من خلالهما يمكن ان يضغطا على تركيا اذا كان في باله مشكلة المياه المزمنة مع تركيا، والاغرب من هذا أنه ليس لهذه البلدان حدود مع العراق او يمكن لمصر نقل مياه النيل للعراق في أنبوب مواز لأنبوب العقبة! والاتفه منه تصريحه الذي أراد من وراءه ان يصور للعراقيين بالخصوص ان سفرته التي كلفت العراق اموالاً اخذت من افواههم ليست بلا هدف فالسوداني يوجد لديه اموالاً فائضة وهو في حيرة من امره كيف يستثمرها فوجد ضالته في استثمار أموال العراق في تونس وكأن الفرض الاستثمارية في العراق استنفدت، وحصل فائض في الطاقة الاستيعابية للاقتصاد العراقي بحيث سيؤدي استثمار المزيد منها فيه الى انخفاض الإنتاجية، فلابد من البحث عن فرض استثمارية اكثر إنتاجية في مكان اخر. يقول هذا بكل وقاحة والعراقيين يشكون من الفقر ويخرجون بتظاهرات يومية من اجل التعيين، ويصطف اخرون من اجل التسجيل على راتب الحماية الاجتماعية التي وصلت اعدادهم خمس سكان العراق -بواقع 8 ملايين شخص تقريباً من مجموع السكان وليس عدد العاملين فيه!- وهو مؤشر خطير على ارتفاع نسبة الفقر في البلد.
ولا يقول احد ان السوداني مكبل بحبال الاطار التنسيقي -باعتباره الطرف الثاني في منظومة الحكم الثلاثية - وتمنعه من التصرف بحرية في إدارة الملفات المهمة في الاقتصاد، فاذا تم طمطمة سرقة القرن وغض النظر عن شبكة التجسس فهذا يعني ان الاطار التنسيقي هو الحاكم الفعلي وما السوداني الا دمية في يده يحركها في اتجاه مصلحته، وليس امام الاطار التنسيقي سوى غلق هذين الملفين وبسرعة؛ لأنه إن ثبت ان السوداني متورط في شبكة التجسس -وهو كذلك طبعاً- كما ان افرادا من الاطار التنسيقي بما فيهم مقربون من السوداني كما يتداول الان هم متورطون في سرقة القرن فان ذلك يعني كنس الاطار التنسيقي بما يحتويه من اشخاص معممين وافندية خارج ساحة السياسة العراقية بلا رجعة ونكون قد خلصنا وتخلص العراق من كابوس عظيم.
اما الطرف الاخر الذي يحكم العراق فهو مدير مكتب السوداني القصير لقامة الذي يتخذ قرارات حسب فهمه لها وربما مصلحته ومزاجه، ولم يظهر الى الان مدى تأثيره الا من خلال توقيتات الدوام الجديد التي اعيد فرضها من جديد في بغداد مع ان كتاباً صادراً من امين عام مجلس الوزراء يذكر فيه بصراحة أنه ( لم تحصل الموافقة على تمديد الفترة التجريبية) وتنفس الموظفون الصعداء بخلاصهم من محنة التغيير هذه، لكنهم خنقوا واختنقوا بانقلاب حصل ليلة الاحد بعودة الفترة التجريبية للتوقيتات التي يأن الجميع منها، ولم نسمع مبرر عودتها من خلال تقرير اللجنة زعم السوداني أنه شكلها لتقييم الفترة التجريبية ولفها النسيان كما سيلف أسلوب المماطلة والتسويف التحقيقات الخاصة بخلية التجسس وسرقة القرن مادام للسوداني ومظلته من الاطار التنسيقي مصلحة فيها. وواضح ان مدير مكتب السوداني يتصرف بخلاف رأي السوداني فقد فرض توقيتات لم تحصل على موافقة مسبقة منه، وهذا يعني ان هذا السوداني رجل ضعيف لا يستحق البقاء في المنصب فضلا عن تجديد ولايتة ثانية له، أنه لا يعلم بما يفعله الموظفين لتابعين له او أنه رجل متردد خائف ليس لديه القدرة على اتخاذ القرارات فيتركها لمدير مكتبه ولأخرين تابعين له وهو يوافق عليها، وهذا ما يحصل فعلاً. ولله در الشاعر المغمور واصفاً السوداني حيث يقول:
مربع قائم زاويتاه منفرجه
زلق فتعثر وحالته حرجه
(مع ملاحظة ان هذا الوصف متناقض رياضياً الا اذا قلنا انه مربع قائم فوق الحزام اما تحت الحزام فزاويتاه منفرجه).
ان نموذج المظلة في الحكم (المكونة من معممين ثلاثة وقادة فصائل مسلحة وأخرى غير مسلحة) التي يجلس تحتها وفي ظلها السوداني فشل في إدارة الدولة؛ لأنه يربط بين فشل رئيس الوزراء وفشلهم وسيحاولون الدفاع عنه بشتى الوسائل ( بتقليل المبالغ المسروقة من الامانات الضريبية مثلاً من 8 او 11 مليار دولار الى الرقم السابق الذي اعلنه السوداني)حتى لا يسقطون كلهم سقطة واحدة، فهم شركاؤه في كل شيء في السرقات والتنصت ايضاً. وكل النماذج لحد الان فشلت حتى مع صعود رئيس الوزراء من قائمة واحدة في اطار النظام البرلماني. والمشكلة هي في النظام البرلماني، والحل هو الانتقال الى النظام الرئاسي ومعه برلمان قوي يراقبه، فسيكون لدينا رأس حكم واخر يراقب، ولن يرتبط فشل الرئيس المنتخب من الشعب مع فشل البرلمان، بل سيكون عين قوية تراقبه باستمرار وتنحيه من الحكم ان بدرت منه مصائب مثل خلية التجسس او صفقة القرن. وفي غضون ذلك على الاطار التنسيقي ان يتبرأ من افعال السوداني كمقدمة لازاحته من السلطة ليبرهن للعراقيين أنه بريء من خروقات السوداني، فنحن لا نريده شاخصاً امامنا ويريد منا ان نتقبله ونسيان ما فعله، فهو خطر على الناس ولا نثق به.