عامر بدر حسون
شكّل الفنان حميد حساني مع الفنان اديب القليجي والفنان الشاعر صادق الصائغ ثلاثيا ساحرا بالنسبة لي في العام 2012.
فهذه النسور او الخيول الهرمة عادت الى العراق في موجة حنين، او متابعة لمعاملة تقاعد، فلم يحتضنهم في بغداد سوى فندق متواضع في البتاوين.
حميد كان قادما من اسبانيا واديب من بلغاريا وصادق من لندن وانا من الشام.
كنت أصغرهم يومها (62 عاما) وكانوا حين يتداولون ذكرياتهم اعيش اعمارهم وذكرياتهم بلذة وشغف!
لقد اكتملت شخصياتهم وقناعاتهم وتجاربهم ونجاحهم وفشلهم، ولم يعد بالإمكان اخذ احد منهم لتغيير رايه.. وخصوصا من "الجيل الصاعد" المتمثل بي!
لكنهم رغم ذلك كانوا اكثر حيوية ومرحا من اية مجموعة شبابية حتى انني كنت اسميهم سرا "الثلاثي المرح" اذ لا حديث امتع من حديث صادق الصائغ ولا ذكريات ونكات امتع من ذكريات اديب القليجي، ولا مشاريع مؤجلة ومحبطة وكبيرة مثل مشاريع حميد حساني الفنية.
كنت المستفيد الاكبر من تلك الصحبة الرائعة.
وكانت لدينا جولات يومية في البتاوين حيث خلطة الحياة تتجلى بأروع صورها، وحيث المنطقة صارت تعرفنا بمعاطفنا واناقتنا الاوروبية ووجوه الثلاثي المرح الموحية بعظمة سابقة!
كنا معروفين عند اصحاب المطاعم والمقاهي المجاورة لفندقنا في البتاوين بوجباتنا المميزة والصحية واصرارنا على مزيد من النظافة.
كان حميد حساني هو المرجع في معرفة اين صادق واين اديب واين عامر ومتى يعود الواحد منهم وكان دائم الاتصال بنا ليطمئن علينا، مثل ام تطمئن على اولادها، اضافة الى انه كان مسؤول قسم الطواريء في تلك المجموعة. فعندما مرض الفنان اديب القليجي تصرف كمسعف محترف ونقله الى المستشفى بعد ان اتصل بنقيب الفنانين واحضره للفندق.
كانوا شبابا اكثر مما ينبغي!
في الواقع كانوا مشغولين اكثر مني في التخطيط للمستقبل!
ولم يكن يعيق هذا "المستقبل" سوى موظف فاسد يحاول الانتقام منهم بتأخير معاملاتهم وعرقلتها دون سبب واضح سوى السادية الشائعة عند غالبية موظفي الدولة!
كان اديب القليجي انجز كتابه الاول عن تاريخ المسرح العراقي ويستعد للثاني، وصادق الصائغ يفكر في اقامة معرض للخط العربي الممزوج بطريقته اللونية والتكوينية والتعبيرية الباهرة.. اما حميد حساني فقد كان يتحين اية فرصة ليحدثني، بجدية وتخصص (باعتباري كاتب سيناريو سابق) عن سيناريوهاته التي (ينوي) كتابتها وانتاجها بالتعاون بين العراق واسبانيا.. والتي لم يجد من يصغي لها في العراق وربما في اسبانيا ايضا! وكنت اتعلم واستمتع في كل لحظة بتلك الصحبة التي سعى لها حميد حساني عندما شجعنا على الاقامة في ذلك الفندق! اصحاب الفندق كانوا في غاية التقدير واللطف معنا، وعاملوا جماعتي باعتبارهم من نوادر الرجال الذين يتمتعون باللطف والرقي القديم.
وكانت نشوة "الثلاثي الرائع" تبلغ ذروتها يوم الجمعة اذ نخرج مجتمعين في الغالب الى شارع المتنبي وهناك نتوزع على معارفنا ونبحث عمن يتذكرنا!